المسألة المائية ونسق ديبلوماسية الموارد الطبيعية في العلاقات الدولية
سلام الربضي
تشير التقارير العالمية إلى أنّ موارد المياه المتاحة لكلّ فرد في العالم، سوف تتقلّص بنسبة لا تقلّ عن 50 مع حلول العام 2025. كما تشكل المياه وسطاً معقداً وهشاً. فمنذ القدم لجأت الدول إلى المياه لرسم حدودها. حيث هذه الحدود الطبيعية تمّ التوصل إليها، بعد حروب ومعاهدات صاغت تاريخ العلاقات الدولية. ومن هذا المنطلق، تمّ استخدام المياه كوسيلة استراتيجية في صراعات الدول. وفي خضمّ هذا الواقع العالمي، الذي يعاني من مشكلة نقص حادّ في الوضع المائي، أصبح تقاسم مصادر المياه ضرورياً أكثر فأكثر، وصعباً بفعل تنوّع الحاجات والاستخدامات واللاعبين، وباتت المياه رهاناً استراتيجياً يدخل في صميم الأمن القومي لأيّ بلد، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي. وعلى ضوء ذلك، هنالك الكثير من الإشكاليات التي تطرح مستقبلياً، لكيفية تعاطي الدبلوماسية مع هذه المسألة:
إذا كانت معظم الدراسات والتقارير الاستراتيجية تتنبّأ بصراعات مائية فهل ستكون أزمة المياه المستقبلية بمثابة نموذج للصراع الحتمي؟ أم تكون بمثابة نموذج لمرحلة جديدة من العلاقات الدولية القائمة على التعايش الحتمي؟ فهل تحتم طبيعة هذه النزاعات المائية العودة إلى الجغرافيا التي سوف تضع الدول أمام خيارات غير تقليدية، كما هو حال واقع الصراع العربي ـ «الإسرائيلي»؟ وهل يمكن لنا التنبّؤ بطبيعة العلاقة العربية العربية في ظلّ الخيارات المائية الصعبة؟
فمثلاً ماذا سيحدث في المستقبل بين مصر والسودان أو العراق وسورية أو الأردن وسورية إلخ…؟ إذ هل هناك رؤية واضحة للمستقبل المائي ولكيفية التعامل مع الحتمية المائية التي سوف تفرض نفسها؟ وبالتالي هل العصر الآتي هو عصر الدبلوماسية الجغرافية المائية إذا جاز التعبير الباحثة عن السبل لكيفية حلّ هذه المعضلات تقنياً وسياسياً وقانونياً بشكلٍ خاص؟
ستبقى المسألة المائية تحت رحمة موازين القوى، في غياب تشريع دولي حقيقي ملزم في مجال المياه. بالإضافة، إلى غياب الآلية الواضحة لكيفية التعامل مع المخالفين لهذه الاتفاقيات أو عدم المشاركين فيها. فعلى سبيل المثال كيف يمكن لدولة أقليمية كتركيا لديها هذا الرهان الاستراتيجي أن تتخلى عنه. إذ لا يمكن فهم الدبلوماسية التركية المستقبلية دون فهم الخيارات المائية في محيطها الذي يعاني من تحدّيات مائية وغذائية مصيرية؟
وفي النهاية يستوجب على ضوء ما تقدّم ومن منطلق الواقعية السياسية والتفكير الاستراتيجي طرح التساؤل حول دبلوماسية الفعل السياسي الخارجي للدول في مواجهة الهواجس المائية: هل هي الدبلوماسية السلمية أم الدبلوماسية العسكرية؟ فهل نحن أمام نسق دولي جديد في العلاقات الدولية يمكن تسميته نسق دبلوماسية الموارد المائية وهو شكل جديد من أشكال القوة؟
محاولة الأجابة على ذلك قد تكون من خلال طرح تساؤل تاريخي استشرافي يكون بمثابة مؤشر لما سوف تؤول إليه الأوضاع في المستقبل فهل هناك في عصرنا الحديث نموذج صراعي ما بين الدول ـ في ما يتعلق بالمياه ـ قد تمّ حسمه عسكرياً؟
باحث ومؤلف في العلاقات الدولية ـ اسبانيا
Jordani alrabadi hotmail.com