سورية ليست لقمة سائغة… سورية المقاومة ستنتصر
د فيصل المقداد
نائب وزير الخارجية السورية
صبّ الحاقدون من أعداء سورية جام غضبهم وفشلهم وكل ما في جعبتهم من أوهام وأحلام، وأفرغوا ما في صدورهم المريضة على شعبنا خلال أسبوعين من الإعلام الكاذب. وتفنن هؤلاء الأعداء في صياغة أشباه الجمل التي استخدموها لإيصال رسالة مفادها أن سورية قد أصبحت ثمرة يانعة، وقد «حان قطافها». ولم يترك هؤلاء في حربهم على شعب سورية كلمة يائسة من قواميس اللغات العبرية والأوروبية التي استعاروها لتعزيز مفرداتهم إلا واستخدموها. وتجاوز هؤلاء كل الخطوط الحمراء التي ألزموا أنفسهم بها حيث حاولوا إقناع الرأي العام من خلال دعايتهم بأنهم يمثلون المهنية والمصداقية بينما كانوا يتوغلون في التعابير الطائفية والمذهبية واللاإنسانية والتخويف والتخوين. لقد استفادوا من أساتذتهم النازيين مثل وزير الدعاية النازي غوبلز وأخذوا بأسلوبه المجرّب: «اكذب ثم اكذب… فلا بد أن يصدقك بعضهم في نهاية المطاف!»
لقد كانت حربهم على سورية خلال الأسبوعين الماضيين أشبه بحرب دمار شامل، وقد سخّروا في هذه الحرب كل ما بين أيديهم من أسلحة وأموال وأوراق صحف صفراء وأجهزة إعلام غربية وعربية وصهيونية ومتصهينة للوصول إلى أهدافهم. لقد أعادوا استخدام ألعابهم ووصفاتهم التي استخدموها مراراً خلال حربهم هذه على سورية. وأنا لا أريد شطب كلّ ما تمّ في هذه الحملة وتسفيهه بشطبة قلم، ولكن وبحكم متابعة ردود أفعال شعبنا ومسؤولي الدولة وتنظيماتها السياسة والاجتماعية لا بدّ لي من أن أشير إلى ما يلي:
لقد بدأت هذه الحملة بهجوم إجرامي قامت به تركيا، نعم تركيا، على المناطق الشمالية الغربية من سورية بدعم من حكام السعودية وقطر، وكان هؤلاء يتوقعون في إطار «عاصفة الحزم» العدوانية الفاشلة التي قامت السعودية وحلفاؤها بشنها على اليمن الشقيق يتصوّرون ضرب عصفورين بحجر واحد. إلا أنّ شعب سورية وجيشها البطل وقيادتها الصامدة أثبتوا أنهم ليسوا لقمة سائغة وأنه لا يمكن أكل كلّ لحوم الطير. لقد قام نظام أردوغان بتأمين كلّ مستلزمات تقدّم هذا الهجوم حيث حشد الآلاف من الإرهابيين الشيشان والتركمان لتنفيذ هذه «الغزوة» وتأمين التغطية النارية المباشرة من الجيش التركي لهؤلاء الإرهابيين. وقد ذكر بعض الناجين من مجزرة اشتبرق وغيرها أنهم رأوا الطيران التركي وهو يؤمّن لهؤلاء المجرمين التغطية اللازمة لتقدمهم. ولم تكن الجريمة التي قام بها أحمد داود أوغلو بانتهاكه المباشر لسيادة سورية ووحدة أراضيها بذريعة زيارة ضريح سليمان شاه، الذي قامت الحكومة التركية بتمويله وإعادة بنائه على بُعد عشرات الأمتار داخل الأراضي السورية، إلا تغطية مفضوحة على المخططات التركية وعودة الأحلام العثمانية إلى العقول المريضة لقادة حزب العدالة والتنمية وزعيمه أردوغان السفاح.
ترافقت هذه الحملة الإرهابية التي تمّ التخطيط لها في الدوائر الصهيونية وغرف العمليات السرية في تركيا وفي الأردن بحملة إعلامية رخيصة بأدواتها وبمن أشرف عليها وخطط لها ونفذها. وقام هؤلاء بتصوير الهجوم على إدلب وجسر الشغور على أنه خطوة للوصول إلى اللاذقية والمحافظات الساحلية. ولم يتردّد هؤلاء عن استخدام أسقط التعابير الطائفية والإثنية والعشائرية والعنصرية لتضليل أبناء شعبنا بغية الوصول إلى الأهداف التي حدّدتها «إسرائيل» منذ بداية الأزمة السورية وفي مقدّمتها تغيير النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي السوري الذي تمّ بناؤه على معاداة «إسرائيل» وحلفائها في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية والدول العربية التي تخلت عن عروبتها وانتمائها القومي بهدف وحيد وهو الولاء المطلق لسادتها الصهاينة وحماتهم الغربيين. وتطاولت هذه الهجمة الصهيونية – الأوروبية الغبية لتعلن عن اغتيالات وتصفيات في القيادتين السياسية والأمنية السورية حيث ثبت من دون أدنى شك أنّ ذلك لم يكن أكثر من أمنيات وأوهام مبنية على الأحلام والكوابيس. وإذا كانت مثل هذه الأكاذيب قد انطلت على البعض في دول الاتحاد الأوروبي وخاصةً الجديدة منها حيث سقطت أنظمة سياسية قوية وانهارت على خلفية إشاعات وحملات إعلامية مماثلة وخاصةً أثناء «الثورات الملونة».
وتابعت هذه الحملة الإعلامية العسكرية الإرهابية مهمتها لتصل إلى التشكيك بالتحالفات الإقليمية والدولية التي ارتبطت مع سورية بتاريخ واحد تميّز في الدفاع عن قضية العرب المركزية فلسطين، وفي رفض النفوذ الغربي الاستعماري بكافة أشكاله، ناهيك عن هيمنة العائلة المالكة السعودية وغيرها على دول عربية وعلى مؤسسات العمل العربي المشترك. ففي ظل هذه الهيمنة، أصبحت الجامعة العربية أداة لتنفيذ سياسات الناتو ضد الدول العربية. والكارثة الليبية التي كانت قرارات الجامعة هي السبب الأساسي فيها حيث سمحت لدول الناتو بالانقضاض على شعبنا الليبي لتتحوّل ليبيا إلى دولة فاشلة تتحكم بها المجموعات الإرهابية التي شكلت خطراً بنيوياً على الأمن القومي العربي، خصوصاً ضد سورية ولبنان ومصر وتونس والجزائر والسودان ودول أخرى في المنطقة وفي أوروبا وأفريقيا. ولم توفر هذه الحملة تناولها المغرض للسياسات الروسية في المنطقة بما في ذلك علاقاتها المتميّزة مع سورية وتقديم روسيا للدعم السياسي والمادي لسورية في إطار من المبادئ القائمة على احترام ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وحقوق الإنسان وأولوية مكافحة الإرهاب الدولي الذي يهدّد كلّ دول العالم صغيرها وكبيرها. إلا أنّ القيادة الروسية كانت سريعة في الردّ على هذه الحملة حيث أكد وزير الخارجية سيرغي لافروف ونائبه ميخائيل بوغدانوف بتاريخ 14 أيار ما يلي: «إنّ العلاقات بين روسيا وسورية مميّزة وتاريخية ومبنية على العواطف المشتركة بين الشعبين السوري والروسي». وأضاف بوغدانوف: «إنّ العلاقات بين البلدين لم تكن تقتصر على الحوار السياسي المعمّق والقائم على أساس الثقة المتبادلة فحسب، بل كانت هناك الشراكة الاقتصادية والاستثمارات والروابط الثقافية والإنسانية حيث كانت روسيا دائماً مع الشعب السوري في الأوقات الصعبة وأثناء الحروب والأزمات».
وفي الوقت الذي لا نحتاج إطلاقاً إلى إعادة التأكيد على العلاقات بين الجمهورية العربية السورية والجمهورية الإسلامية الإيرانية والمبنية على احترام سيادة واستقلال البلدين والتنسيق المستمرّ والنزيه إزاء كلّ ما تمرّ به المنطقة والعالم، فقد عمّقت هذه العلاقات الاستراتيجية دور البلدين في مختلف جوانب الحياة على الصعيدين الإقليمي والدولي وفي المنظمات الدولية وأدّت إلى صيانة القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني من الضياع. أما الدعم المشكور الذي يقدّمه الشعب الإيراني وقيادته إلى سورية في هذه الظروف الصعبة، فإنه رمز لمشاعر التضحية التي تعبّر عنها الجمهورية الإسلامية الإيرانية إزاء الهدف النبيل الذي تحارب من أجله سورية أعداء الأمتين العربية والإسلامية. ولا يمكن للشعب السوري إلا أن يسجل للشعب الإيراني وقيادته هذا الدعم الذي يعكس إرادة البلدين والشعبين الصديقين للعمل سوياً في محاربة الإرهاب وعلى شحذ الهمم لتمكين الشعب الفلسطيني من تحقيق أهدافه في تحرير أرضه وبناء دولته المستقلة على أرضه. كما أنّ ارتباط سورية المقدّس مع أشقائنا على الأرض اللبنانية وفي مقدّمهم قيادة ومجاهدي حزب الله الذين نعتز بكلّ ما يقومون به في إطار حلف المقاومة دفاعاً عن لبنان أرضاً وشعباً في مواجهة المخططات «الإسرائيلية» وأدوات «إسرائيل» والولايات المتحدة داخل لبنان وخارجه. إن دماء أبطال الجيش العربي السوري التي امتزجت بكلّ ما تحمله من طهارة بدماء مجاهدي حزب الله سواءً كان ذلك على الأرض اللبنانية أو على الأرض السورية بما في ذلك الآن على سلسلة جبال القلمون، فإنها تعبّر بكلّ إخلاص عن وحدة العرب الصادقين في مواجهة التحديات التي تتعرّض لها الأمة بهدف تفتيتها وإخراجها من التاريخ. وكم كانت سورية والمقاومة اللبنانية والثورة الإيرانية تتمنى أن ينضمّ جهد الممالك والإمارات والجمهوريات العربية إلى جهد هذا التحالف ضدّ «إسرائيل» للعمل سوياً لتحقيق هدف جماهيرنا المشترك لإعادة الكرامة والشرف إلى شعوبنا بدلاً من أن يقف هؤلاء إلى جانب «إسرائيل» والدول الغربية في التآمر على قضايانا وتسخير إمكانياتهم المالية النفطية الهائلة لخدمة تحرير القدس، بدلاً من التآمر على القدس وعلى القضية الفلسطينية وعلى سورية وعلى إيران والمقاومة اللبنانية.
لقد انحسرت الحملات الإرهابية والإعلامية وتراجعت وذلك يعود إلى صمود شعبنا وحكمة قيادتنا وإلى دعم الأشقاء والأصدقاء لسورية، لكن كلّ ذلك لم يكن ليتحقق لولا صمود أبطال الجيش العربي السوري والقوات المسلحة التي تؤازره وتقف إلى جانبه. فمعركة تحرير أبطالنا الصامدين في مستشفى جسر الشغور ستنتهي خلال الساعات أو الأيام القليلة المقبلة. وها هم أبطال الجيش العربي السوري ومناضلو حزب الله يوجهون الضربات التي لا ترحم إلى إرهابيّي «إسرائيل» وتركيا والسعودية وغيرها من الأنظمة العربية المتواطئة والحكومات الغربية الداعمة للإرهاب، وانتهاء معركة القلمون سيفتح الباب أمام المقاومين لحسم معارك أخرى في شمال سورية وشرقها وجنوبها.
إنّ النصر لآتٍ، ولن تنجح الحملات الإرهابية والدعائية في ثني السوريين عن السير نحو الانتصار الكبير.