عبد المجيد لـ«البناء» و«توب نيوز»:صمود سورية أعاد القضية الفلسطينية إلى مكانتها

حاوره ـ سعد الله الخليل

أعاد خطاب القسَم الذي أدلى به الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد التأكيد على مركزية قضية فلسطين ووضع الأمور في نصابها. ليؤكد أن ما تواجهه سورية لم يكن يوماً من الأيام نتيجة وضع داخلي وحراك شعبيّ، بل ضريبة مواقف دمشق إزاء فلسطين.

ربما خلال السنوات الثلاث دارت المواقف. وتغنّى بفلسطين من تغنّى وتاجر بالموقف من تاجر، وحاضر بحبّ القضية من باعها منذ سنين، وذرف دموع التماسيح على أبنائها، فما أبلغ الشياطين بحبّ فلسطين. إلا أنّ نار العدوان الأخيرة أحرجتهم وأعادت الأمور إلى مسارها، كيف لا، والنار تُظهر حقيقة المعادن، فيُزاد الذهب لمعاناً، ويذهب القش في أتونها. هكذا بقي الموقف السوري من فلسطين، وتلاشت مواقف أشباه الرجال والشياطين في دخان القصف «الإسرائيلي».

«البناء» التقت و«توب نيوز» أمين عام جبهة النضال الشعبي الفلسطيني خالد عبد المجيد، وكان هذا الحوار حول فلسطين وغزّة ودمشق… والمقاومة.

كقياديّ ومقاوم فلسطينيّ، ما أوّل ما تبادر إلى ذهنكم وأنتم تتابعون خطاب الرئيس الأسد؟

كما عهدنا سورية دوماً، التزم الرئيس بشار الأسد موقفاً قومياً مشرّفاً إزاء القضية الفلسطينية، وأكّد أنّها القضية المركزية في العالم العربي، باعتبار سورية شعباً وجيشاً وقيادةً، لها ارتباط مصيريّ في الصراع العربي ـ الصهيوني، وفي مواجهة الكيان الصهيوني منذ عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد. ونعتبر كفلسطينيين وكفصائل مقاوِمة، أنّ لسورية الفضل الكبير في انطلاقة المقاومة الفلسطينية منذ بدايتها، وفي تعزيز قدرات فصائل المقاومة الفلسطينية، وفي تعزيز صمود الشعب الفلسطيني، وعلى الساحة السياسية في تعزيز مكانة منظّمة التحرير الفلسطينية. ونعتبر أنّ ما أكّده القَسَم حول القضية الفلسطينية، موقف مبدئي قوميّ نفتخر به، كونه يؤكد استمرار الترابط معه في سبيل قضية موحّدة، وفي سبيل مصير مشترك.

الرئيس الأسد أعاد توجيه البوصلة وتثبيتها بالتشبيك ما بيبن العدوان على غزّة والعدوان على سورية والعراق، وهو ما يرفضه جزء من العرب. إلى أيّ مدى الارتباط عضويّ ولماذا يُرفض الاعتراف بهذا الارتباط من قبل البعض؟

العدوان على غزّة، والصمود البطولي، وصواريخ المقاومة التي وصلت إلى حيفا وتل أبيب وكل المستوطنات الصهيونية، كل هذا يعتبر نتيجة التحالف مع معسكر المقاومة. وكان لسورية الدور الأساس في ذلك، سواء في إيصال الإمكانيات، أو في تطوير قدرات المقاتلين الفلسطينيين وتعزيزها. والعدوان على غزّة، كان له الأثر الكبير في كشف المتآمرين على سورية، وكان له الأثر الواضح في فضح النظام العربي الرسمي، خصوصاً دول الخليج، وفي مقدّمها السعودية وقطر.

هل أحرج العدوان «الإسرائيلي» بعض الأطراف العربية والفلسطينية؟

ثمّة أطراف متواطئة وأطراف عاجزة. الأطراف المتواطئة عندما دخلت في معاركها الجانبية ضدّ أبناء العالم العربي في سورية وليبيا ومصر والعراق، اختارت خياراً، ولم تعد إلى إطار الصف العربي الذي يحرص على قضايا الأمة وعلى قضية فلسطين، فشكّل العدوان على غزّة إحراجاً لهذه الأطراف، لكن المطلوب منّا كجماهير أن نقوم بدورنا في كل الساحات، وأن نقوم بدورنا في فضح هذه الأنظمة العربية.

فصل الرئيس الأسد بين القضية الأساس فلسطين وبين أشخاص أساؤوا للقضية وتخلّوا عنها. كيف أسقط العدوان «الإسرائيلي» أوراق المتاجرين بالقضية الفلسطينية؟

قبل هذه المعركة في غزّة، وقبل العدوان، لا بدّ من الاعتراف أن قضية فلسطين أضحت منسية لدى العرب، خصوصاً لدى الحكومات العربية. وتراجع الموقف الشعبي نتيجة الاحداث والتطورات وإعطاء الاولويات لما يحدث في كل قطر عربي. والمعركة أعادت قضية فلسطين إلى الصدارة، وتعيد القضية إلى مركزها، وتعيد الاصطفاف القومي الحقيقي. من يقف مع فلسطين ومن يقف ضدّها، من يقف مع فلسطين معسكر المقاومة، ومن يتآمر على فلسطين الرجعيات العربية والإقليمية.

لماذا تخلّى من أرسل المتطوّعين والمال والسلاح إلى سورية عن فلسطين؟

بكل بساطة لأنه متآمر ويحاول تمرير مشروع أميركي فشلت فيه الادارة الأميركية أكثر من مرّة، ويكمن هذا المشروع في دمج الكيان الصهيوني مع منظومة النظام العربي الرسمي، ويطبّع العلاقات مع الكيان الصهيوني. هذه الانظمة التي تتآمر على القضية الفلسطينية تحت ستارة الحرص والتباكي على الفلسطينين وتمرير العلاقات التجارية والاقتصادية والنفطية في المستقبل، فشلت، وجاءت هذه الحرب في غزّة لتضع سداً منيعاً أمام المشروع الأميركي وأمام هذا التآمر من قبل الانظمة العربية، خصوصاً دول الخليج.

حمّل الرئيس الأسد «دول التخلف العربي» المسؤولة عن غالبية الهزائم التاريخية التي لحقت بالعرب. إلى أيّ مدى تتحمّل هذه الدول مسؤولية ما يجري في فلسطين؟

الجزء الاساس في المسؤولية يقع على المشروع الإمبريالي الذي زرع هذا الكيان في قلب العالم العربي. لكن للانظمة العربية المتواطئة المتآمرة وفي مقدّمها نظام آل سعود دوراً في ذلك. وأشار الرئيس الأسد إلى دور آل سعود وتباكيهم على اليهود. وما جرى خلال السنوات الماضية وضع الأمة ما بين عاجز ومتواطئ.

عام 2006 وصف الرئيس الأسد قادة الخليج بأنصاف الرجال وأنّ مهمتهم الرسمية تذويب القضية الفلسطينية وتنفيذ أجندة أميركية ـ «إسرائيلية» واضحة. لماذا لا يعلن الفلسطينيون ذلك؟

بالنسبة إلينا الصورة واضحة، وبالنسبة إلى قوى التحرّر الوطنية هناك وضوح في الرؤيا. والمعادلات في المرحلة السابقة كانت صعبة، والقضية تتعلق بحكام مسلوبي الإرادة غير قادرين على الخروج من معادلة المستعمر والمسكين. بالقرار الفلسطيني أخذوا الشعب إلى سياستين خطيرتين: المراهنة على المفاوضات مع العدو ـ وثبت فشلها منذ 20 سنة ـ وسياسة تراهن على مشروع إقليمي تمثل بما سُمي «الربيع العربي»، واحتكار الوضع الفلسطيني وُظّف بعكس مصالح الشعب الفلسطيني.

السلطة تقول إنّ المقاومة ليست بالصاروخ بل فقط بالكلمة والفكر والسياسة. إلى أيّ مدى هذه المعادلة صحيحة؟

نظرياً نؤكد أن النضال الوطني له أشكال متعدّدة من الصاروخ إلى الفكر إلى العبوة والسياسة والكلمة والدبلوماسية والشعبية، وكل هذه الأشكال من النضال لا نختلف عليها. لكن الموضوع لا يتعلق بالنضال، وهذا تبرير ساذج وتضليل لشعبنا. فالسلطة أسيرة معادلات واتفاقات مع العدو الصهيوني وما زالت تنسّق أمنياً مع العدو ويجب فضحها. نعم نحن بحاجة إلى وحدة الموقف، لكن لا يجوز أن تمارس ضغوطاً وتكون وسيطاً ضد المقاومة والشعب الفلسطيني.

البعض اعتبر حرب لبنان 2006 مغامرة. هل سيعتبر البعض ما تقوم به الفصائل الفلسطينية اليوم مغامرة؟

للأسف هناك أنظمة عربية اعتبرت أنّ إطلاق الصواريخ جلب العدوان والكارثة، وهناك في قيادة السلطة من يعتقد بوجوب إيقاف إطلاق الصواريخ، وحمّلوا المقاومين مسؤولية ما يجري. هذه السياسة قائمة وصمود الشعب كشف كلّ الادّعاءات التي تصبّ في خدمة الكيان الصهيوني.

السلطة تقول إنها أنجزت دولة. فماذا أنجزت المقاومة المسلّحة؟

لم تنجز السلطة دولة، بل أبرمت اتفاقات ومعاهدات مع الاحتلال شكّلت نكبات للشعب الفلسطيني، وأسرت الشعب في الضفة وأراضي 48 وحرمته من لقمة العيش ومرور البضائع وراتب الموظف. لا دولة هناك، هناك احتلال وسلطة مؤسساتها أسيرة له تحت حجة مصالح الشعب الفلسطيني. أما المقاومة، فبعد نصف قرن، تخوض أطول ثورة شعبية.

الرئيس الأسد أعلنها معركة طويلة الأمد مع السعودية وحلفائها. هل سيقف الفلسطينيون مع الأسد أم ستبقى الفصائل تتعامل على مبدأ فلسطين لكلّ العرب؟

هناك التباسات في الموقف الفلسطيني. القوى الحليفة لسورية تعتبر استهداف سورية استهدافاً لقضية فلسطين. وأعلنّا منذ البداية موقفاً واضحاً: نصطفّ مع سورية شعباً وقيادة في وجه مؤامرة تستهدف المنطقة وقضية فلسطين. الموقف الملتبس لدى الأخرين ألحق ضرراً بالقضية الفلسطينية، وقد تستدعي ظروف القضية من الممسكين بالقرار الفلسطيني الوقوف على الحياد، لكن للاسف ثمّة أطراف لم تكن على الحياد، وطالبنا قيادات هذه الأطراف بالحرص على الوضع الفلسطيني. لكن تقديراتها الخاطئة دفعتها إلى اتخاذ مواقف متسرّعة، فعادت لتصحح مواقفها بعد صمود سورية.

إنّ موقف حماس أضر بالقضية، وبكل وضوح الشعب الفلسطيني مقاوم وخطه خط المقاومة ومع دولها. لا مانع من أيّ جهد عربي لكن موقفنا واضح: نحن مع سورية المقاومة مع العراق، نحن ضد المشروع الصهيوني ـ الأميركي في المنطقة.

إلى أيّ مدى تمارس حماس «إخوانيتها» على حساب مقاومتها؟

خلال العدوان، برز نشاط كتائب عزّ الدين القسّام وسرايا القدس، وعاد الموقف الفلسطيني الذي جدّد المقاومة. ونأمل أن تكون هذه السياسة هي البوصلة لكل الفلسطينيين التي تصحّح علاقاتانا مع الحلفاء والأصدقاء. أما إيديولوجياً، فلا نتدخل ما دامت القضية فلسطين. ونأمل عودة النظرة إلى القضية بعيداً عن مشاريع الإخوان المسلمين والأنظمة السياسية، ووهم انتصار الاسلام السياسي الذي فشل أمام صمود سورية. ويجب نزع ذلك من أفكار المراهنين على هذه المشاريع التي قاعدتها التفاهم مع الولايات المتحدة.

لمن الغلبة في حماس: للجناح المقاوم العامل على الأرض أم للجناح السياسي في قطر؟

الغلبة للشعب الفلسطيني، ونعتقد أن المعركة ستُحسم لمصلحة رجال المقاومة والشعب الفلسطيني، وستنهزم كل الأوهام والمراهنات الخاسرة لدى القيادات الفلسطينية سواء في السلطة أو في حماس.

أسقط العدوان نظريات «صفر إصابات» و«الجيش التقني» و«العمليات الجراحية» أمام جرأة المقاتلين… أيّ أفق لهذه الحرب؟

الحرب مفصل كبير ومعركة بين اتجاهين: اتجاه يحاول توظيف نتائج الحرب والصمود نحو إعادة المفاوضات وإعادة مسار كيري للوصول إلى حلّ للوضع الفلسطيني على قاعدة اتفاقيات أوسلو، وهذا ما يرفضه الشعب الفلسطيني. واتجاه يطالب بتجيير الحرب وتوظيفها لخدمة أهداف الشعب الفلسطيني، ولا يمكن للشعب أن يقبل بوقف إطلاق النار من دون تحقيق المطالب وأوّلها فكّ الحصار عن قطاع غزّة وإطلاق سراح المعتقلين، خصوصاً أعضاء المجلس التشريعي والأسرى المحرّرين وعددهم يصل إلى 900 أسير، خلال شهر. إضافة إلى مطالب تتعلق بالميناء والحركة وكرامة الشعب الفلسطيني. والهدف الثاني وقف محاولة تصفية القضية الفلسطينية، وعلى الشعب نبذ مسار المفاوضات والتطبيع وتحديد مسار المواجهة بكل الأشكال، و«إسرائيل» وضعها مربك من حالة الهلع والخوف والخسائر المادية والبشرية الكبيرة، وهناك خسارة سياسية كبيرة وتحاول مع حلفائها تحويلها إلى نصر عبر المبادرات المتكرّرة. والخسائر الفلسطينية تشكّل صفعة للنظامين العربي والدولي ولن يعود الشعب إلى الوراء من دون تحقيق مطالبه، ولذلك ترفض الفصائل التهدئة.

هل سيرضى العدو بشروط المقاومة التي علت السقف بعد الصمود الذي أظهرته؟

مسؤولية الفصائل الحفاظ على شعبها. وندرك أن العدو لن يرضخ لشروط الفلسطينيين. والمساعي الجارية من قبل الأطراف الدولية حاولت الالتفاف على الفصائل باتفاقات مع السلطة بمعزل عن الفصائل وفشلوا في المبادرة. ومع تطور الحرب يحاول كيري إنقاذ «إسرائيل» بمحاولات التوفيق بين الأطراف الاقليمية وتوظيف الدم الفلسطيني، وأعتقد أنهم سيرضخون لمطالب الشعب الفلسطيني الذي يعيش في غزّة ضمن سجن كبير، وآن الأوان لمنحه كرامته وحريته.

في ظلّ الظروف الإقليمية والدولية والفلسطينية، هل بإمكان الشعب الفلسطيني إطلاق انتفاضته الثالثة وإلام ستؤول الأمور؟

نحن على قناعة بأنّ الانتفاضة الثالثة ستتفجّر لا محالة، وبشائرها أمامنا في الضفة وأراضي 48. والعدوان على القطاع يسرّع في انطلاقها. الآن بدأ الشباب الفلسطيني تشكيل لجان شعبية بعيداً عن السلطة للاستعداد للمرحلة المقبلة على رغم العقبات الكبرى من الاحتلال والسلطة.

ما هو شعوركم عندما سمعتم خبر سقوط الصاروخ الأول على تل أبيب؟

لا حدود لشعوري في ظل حالة الإحباط الذي يعيشه الشعب. رأينا في الصواريخ على حيفا وتل أبيب الأمل في رسم مستقبل جديد للشعب الفلسطيني.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى