لو نطق الشهيد ابراهيم عبد العال

نسيب أبو ضرغم

ما تمّ تداوله في لجنة الطاقة والمياه النيابية حول استيراد الماء من تركيا يجعلنا نتوقف مليّاً، ليس أمام هذا الطرح كنتيجة لأزمة شح المياه بفعل تضاؤل المتساقطات فحسب، بل في المسارات السابقة لهذه الأزمة، وطبيعة مقاربة الدولة اللبنانية موضوع الثروة المائية في لبنان، منذ مطلع الستينات من القرن الماضي.

شهدت الدولة اللبنانية صحوةً استثناءً لطبيعتها يوم استقدمت بعثات أجنبية وضعت آنذاك مخططاً لمعالجة الثروة المائية على كامل المساحة اللبنانية. وبناءً عليه، وضعت الخطط والبرامج والمشاريع كافة ، التي طالت مصادر المياه من عكار حتى الليطاني في جنوب البقاع، وأسندت المهمات التنفيذية لهذا المخطط إلى المهندس إبراهيم عبد العال.

إن مأساة الشعوب المُسْتَلبة إرادتها ووعيها، مثل الشعب اللبناني، تأخذ دائماً بالنتائج من دون أن تذهب إلى تحليل الأسباب التي تقف وراء أزماتها، عبر خلل منهجي في التفكير والبحث والمعالجة.

مثالنا على ذلك ما ذهبت إليه لجنة الطاقة والمياه النيابية من أن حلّ مسألة شح المياه هو في استيراد الماء من «تركيا». في حين كان على اللجنة المذكورة أن تذهب إلى معالجة أسباب الأزمة وتدعو إلى وضع القوانين والأنظمة الآيلة إلى الإفادة من الإمكانات المتوافرة للوصول إلى معالجة الأزمة بعمقها.

يقول الخبراء إن ثمة خمسين عاماً مرت كان لبنان قادراً أن يفيد فيها من فائض المتساقطات فيقيم السدود والبرك ويحوّل السيول إلى الحوض الجوفي في عمق الأرض.

ذلك كلّه لم يحصل، وكانت السياسات المالية غائبة تماماً، وباتت العشوائية في استعمال الطاقة المائية والحفاظ عليها سمة أساسية لهذه السياسات.

كانت البداية واعدة جداً مطلع ستينات القرن الماضي، وكانت قدرة الدولة كافية لتطبيق مشروع المسح المائي للبنان.

لو عدنا إلى تلك المرحلة، وفي تلك المرحلة تحديداً، لعثرنا على الأسباب الحقيقية لهذه الأزمة القائمة اليوم. لو عدنا إلى تلك المرحلة لرأينا أن القرار السياسي المتمثل في أن تكون البداية في مشروع الليطاني قراراً صائباً يتكامل مع الهدف الاستراتيجي المتمثل في تجذّر الجنوبي في أرضه بمواجهة خطط اليهود لإفراغ الجنوب.

بُدئ بمشروع الليطاني، أنشئ السد، وحفرت قناة أنان، وكان الهدف الأساس هو ري الجنوب، أما إنتاج الطاقة الكهربائية فهو هدف إضافي.

أنشئ السد ووُضعت نقطة على السطر. نقطة على السطر أنهت مشروع الري، وأصبح السد ذا وظيفة وحيدة هي توليد الطاقة الكهربائية. أما كيف طوي مشروع الري، فلنتذكر مهزلة منسوب الـ 600 م والـ 800م، المهزلة المفتعلة التي وزعت «الأشباح» فيها الأدوار على المقامات، وبالتالي وقعت بين الفريقين حرب داحس والغبراء… وبالنتيجة طار مشروع ري الجنوب… ولا يزال طائراً. ولتُستكمل المؤامرة على شعبنا ومياهنا وأرضنا ووجودنا… «مات» فجأت ابراهيم عبد العال!

بلى، حُرمنا الإفادة من مياهنا على مدى نصف قرن، والآن «يبتدع» المسؤولون جر المياه التركيّة إلينا! ولأننا نربط بين النتائج والأسباب في كلّ منهجيّ واحد، نستطيع القول:

حرمنا من مياهنا، ولسوف يستمرون في هذا النهج، كي تكون حاجتنا إلى الماء هي القيد الذي سيضعونه في عنق هذا الشعب، وهو قيد يتكامل مع القيود التي يعدّها الرأسمال المعولم في وضع يده على اقتصادات الدول وبالتالي قرارها السياسي، ومنها هذه الشراسة في شراء أصول الدولة اللبنانية وفي تدمير القطاع العام وبيعه للشركات ذاتها التي ستورّد لنا ماء تركيا. أقول الشركات ذاتها، قاصداً المالك ذاته لهذه الشركات وهو واحد أحد… اليهودية العالمية.

أثير موضوع الصفقات والسمسرات في موضوع نقل «الماء التركي»، وهذا صحيح، لكن يبقى هذا الموضوع ثانوياً عند الهدف الأساس من ربطنا بـ«المياه التركية».

إن الرابطة الناشئة من هذه المياه تتعدى رابطة مورد يقبض ثمن ما ورّده، هي رابطة تتعلق بالتنمية والاقتصاد عامة، وهي بالتالي تنشئ في الصيرورة الوطنية اللبنانية عاملاً مهيمناً على القرار السياسي.

يقول الخبراء إن كلفة استجرار المياه من «تركيا» تبلغ نحو أربعين مليون دولار، هذا إذا لم نحتسب ما يضاف إلى هذا المبلغ من سمسرات أكيدة. إن مبلغ الأربعين مليون دولار كافٍ لإنشاء محطات تكرير لمياه البحر، ذلك أن تكرير مياه البحر يوفر لنا عنصرين، معنوياً وسياسياً، أما العنصر المعنوي فهو إبعاد كاس العار عنا، الكأس المتمثلة في قبولنا ماء «تركيا» وهو ماء سوري أصلاً منحته فرنسا لليهودي المتأسلم أتاتورك كرشوة له لينضم إلى الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، وحتى ولو كان ماءً سورياً، فإننا لا نقبله إلاّ حرّاً وليس مغتصباً، مدفوعاً ثمنه. والله مياه البحر المالحة أكثر طيباً من تلك المياه. وأما العنصر السياسي فهو في تحرير أنفسنا من أعباء هذا التوريد ودفع الثمن السياسي الباهظ في مقابلة.

لن يسمحوا لنا إذا قدروا بأن نفيد من مياهنا. تذكروا المقاومة الشرسة للرئيس المقاوم إميل لحود في مواجهة معارضة سدّ «شبروح». خذوا هذا درساً لنعلم جميعاً كم ستكون مواجهتهم أكثر شراسة لو عمدنا إلى الإفادة من مائنا كله.

فاجعة المياه ستتكرر في موضوع الغاز والنفط. الشركات المملوكة للرأسمال المعولم جاهزة، حاضرة ناضرة، قادرة… ألَم تشعروا بها في مدى الشراسة التي قوبلت بها سلسلة الرتب والرواتب؟

ألَم يبدأوا بالهاتف؟ لماذا يوزّعون امتيازات الكهرباء؟!

أسئلة كثيرة.

لسنا في حاجة إلى مياه أحد، مياهنا تكفينا لو أحسنّا حمايتها.

ومَن يشأ أن يعرف أكثر فليسأل الشهيد ابراهيم عبد العال.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى