«جنود» الاحتلال الصهيونيّ

جمال العفلق

لم تخض العصابات الصهيونية أي حرب مباشرة منذ احتلال فلسطين حتى اليوم إلا وكان لها جنود يعملون بولاء مطلق وطوال الليل والنهار. هم جنود لسانهم عربيّ ويجلسون وينتشرون في عمق الديار العربية. كانوا سابقاً يعملون في السرّ، ويعكس خطابهم العلني أفعالهم السرية، وميزتهم أنهم يجيدون استخدام أجمل الألفاظ وأكثرها حماسة.

هم المجنّدون بالمال والمناصب، اخترقت الصهيونية عقولهم واشترت ضمائرهم، ثبّتت ملك بعضهم وسيطرت على عواصمهم، وعلى إعلامِهم وثقافتهم. ولم تكتف الصهيونية بذلك، بل اخترقت عقول البعض من أصحاب القضية الأصليين وضمائرهم فدفعتهم الى استخدام مصطلحات تنفي عن الصهاينة صفة المحتلّ لأرض فلسطين.

مجنّدون لم يكتفوا اليوم بالعمل لمصلحة الصهيونية بل تطوّر عملهم ودورهم المشبوه الى مدافعين حقيقيّين عن الكيان الصهيوني، ومنهم من وقف على المنابر، ومنهم مَن لبس ثوب الوسطاء السياسيين وركب الطائرات في رحلات سياحية عبر مطارات وعواصم عربية وإسلامية وعالمية.

كنا صغاراً عندما كان الإعلام يكرّر ما تنشره الصهيونية عبر مجلات وصحف متخصّصة في المجال العسكري تصف عصابات الكيان بأنّها «الجيش الذي لا يُقهر». ونشر الإعلام العجز العربي من خلال توصيف خادع للواقع، وجنود الاحتلال الصهيوني الناطقين باللغة العربية يجهضون أيّ مشروع من شأنه أن يغيّر المعادلة على الأرض – فعطلوا قرارات الجامعة العربية وحاصروا كلّ من يعمل على خط المقاومة.

أما الحقيقة على الأرض فكانت عكس ذلك كلّه. الصهيونية التي تدّعي القوة سقط جيشها وسُمع بكاء مستوطنيها وظهر عجزها عن الثبات، وبعدما كان احتلال لبنان نزهة مثلما وصفوه، أضحى كابوساً جعل الصهاينة يطلقون عبارة توريط ما يُسمّى بـ«جيش الدفاع» في مستنقع لبنان. ولم يكن هناك خيار آخر لدى الصهيونية إلاّ الانسحاب وإغلاق بوابة يقولون عنها إنها الحدود الفاصلة.

أعادوا الكرّة وسقطوا مرّة أخرى في حرب تموز، واليوم يعيد تموز مجده مجدّداً في فلسطين. حرب طاحنة قد تكون غير متكافئة في العدة، كما يعتقدون، لكن المقاومة متفوّقة إيماناً بحقها في التحرير، والصهيونية تعيد تاريخها، فبنك أهدافها أبرياء وأطفال ونساء وبيوت آمنة تهدم فوق رؤوس أصحابها، فالصهيونية عاجزة عن محاربة المقاومة وجهاً لوجه، تختار المدنيين والعزّل هدفاً لها، فالقتل لدى الصهيونية هو للقتل فحسب فهذا الكيان المتعطش للدماء يحتاج الى إنجازات وأوراق تفاوض يرسلها الى مجنّديه في الجامعة العربية وعواصم عربية ليستخدمها في الضغط على المفاوض الفلسطيني وعلى المواطن العربي الحالم بالتحرير منذ أكثر من ستين عاماً.

سورية هي اليوم الغائب الحاضر في هذه الحرب لانشغالها في محاربة مرتزقة الصهيونية على أرضها. غُيّبت قسراً عن التداول السياسي في الجامعة العربية الميّتة التي تحوّلت الى سفارة حقيقية للكيان الصهيوني. سورية المجروحة من الأشقاء أعلن موقفها رجال المقاومة بإطلاق صواريخ سورية الصنع على قطعان الاستيطان الصهيوني، وأعلن شعبها تمسكه بحق فلسطين وتحرير المقدس.

لن نكون مجنّدين للاحتلال ولن نسلّم أو نساوم… فلسطين هي فلسطين التي سرقها الإنكليز بالتواطؤ مع عرب أطاعوا «رومهم» ليثبت لهم ما يعتقدون أنه ملك.

من جرّب الانتصار مرة لا يتخلّى عنه، فكيف بمن ينتصر يوميّاً رغم الحصار؟

لا خيار لهذه الأمّة إلاّ خيار المقاومة، والنصر قريب، و»إسرائيل» الى زوال.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى