السيسي مشروعٌ لتطويع «الإخوان» أم لتصفية القضية الفلسطينيّة؟

د. وفيق ابراهيم

يَجمعُ الرئيس المصري الحالي المشير عبد الفتاح السيسي بين الإفراط في التشدّد الداخلي، والانحياز في الاصطفاف الإقليمي والدولي، فيضربُ معارضيه بدموية شرسة، ويوالي المحور السعودي في العداء لـ«الإخوان المسلمين»!. كما أنّه يُلبّي الإصرار «الإسرائيلي» على تدمير القضية الفلسطينية. ولا ينسى «الأميركيين»، فيكارمهم ببقائه على مسافة بعيدة من إيران وروسيا!

نستطيعُ أن نتبيّن في شخص المشير أطياف الملك فاروق وحسني مبارك وأنور السادات في آن واحد، وتقاسم مشترك أساسي، وهو أنه لا يعمل حتى الآن ولو في الحدّ الأدنى لمصلحة مصر وتاريخها، ولا يبدو أنه في صدد ذلك البتة، فكيف نصدّق أنّ رئيساً انتخبه ملايين المصريين يوصد باب «المحروسة» في وجه أهالي غزة وجرحاها وأطفالها ويحاصرها متيحاً لـ«إسرائيل» فرصة تدميرها وارتكاب مجازر فيها تأباها الإنسانية؟ فهل تسقط غزة هاشم ضحية صراع المحاور العربية والإقليمية والدولية؟

التواطؤ يبدو واضحاً، ففيما يُقتل الفلسطينيون ويُجاهد أبطالهم للدفاع عن القطاع، تنتقد السلطة الفلسطينية منظمة «حماس» وتتهمها بشن «حرب عبثية» وتتمنى إعادة تطويعها في ما تسمّيه مشروعاً سلميّاً. أيّ انتظار ما تجود به «إسرائيل» من «بقايا الضفة الغربية».

… محور التواطؤ الثاني هو السعودي ـ الإماراتي المتحالف مع مصر. هؤلاء يعتبرون «حماس» فريقاً من «الإخوان المسلمين» وهم مشروع توسعي يهدّد أنظمتهم وملكياتهم، لذا وجدوا في الهجوم «الإسرائيلي» التدميري على غزة منعاً لإعادة تقديم مشروع «الإخوان». هذا المشروع الذي كان أصيب بالعطب حين أبعد عن السلطة في مصر. والسعودية تريد اليوم ومعها مصر، إما تعطيل «حماس» نهائياً، أو عدم السماح لها بالخروج منتصرة من معركة غزة… ممنوع التعويم السياسي لـ«الإخوان» انطلاقاً من فوهة بنادق أبطال القطاع المجاهد.

أما محور التواطؤ الثالث، فهو المحور التركي ـ القطري وبعض أطراف «حماس» الموجودين في الدوحة عاصمة آل ثاني. وكان هذا المحور تراجع بعد تقهقر «إخوان» مصر المعوّل عليهم آنذاك إعادة إنتاج كونفدرالية إسلامية بقيادة أردوغان تركيا في ما يشبه إعادة تجديد «للعثمانية» بزيّ تركي حديث. ألم يُطلِق خالد مشعل أحد قياديّي «حماس» لقب «سلطان المسلمين» على رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان في إحدى زياراته إلى اسطنبول.

لذلك تبذل أنقرة والدوحة جهوداً جبارة لمبادرة تظهر «حماس» منتصرة أو لا تعلنها مهزومة على الأقلّ. المطلوب إذن تعويم مشروع «الإخوان» وليس الانتصار للقضية الفلسطينية.

إنّها حرب المبادرات بين مصر والسعودية من جهة المدعومتين من «إسرائيل» وأميركا وبين تركيا وقطر غير البعيدتين بدوريهما عن «إسرائيل» وأميركا!

السؤال المطروح: لماذا تُقْفِلُ مصر معبر رفح أمام الفلسطينيين؟ وماذا بقي من الضفة الغربية بعد الاستيطان اليهودي الكثيف كي نتفاوض عليه؟ وهل أصبحت قضية فلسطين مجرّد وقف للأعمال العدائية بين «إسرائيل» وغزة؟

المحور الرابع هو الأميركي الذي لا يحمل سوى همّين اثنين ينبغي أن تتمحور التطورات حولهما: حماية «إسرائيل» واستمرار الصراعات العربية على أسس طائفية ومذهبية وقبلية وعرقية وجهدية.

لذلك تقيس واشنطن حرب القطاع لهذين المطلبين، فتريد حماية «إسرائيل» من جميع أنواع المقاومات، لكنّها تخشى ولادة رأي عام عربي ينجذب ويتوحّد من خلال حروب فلسطين مثلما كان يحدث سابقاً. فتنضبط أميركا وتعطي فرصة أيام لـ«إسرائيل» للقضاء على «حماس» أو إيجاد حلّ آني… تريد الولايات المتحدة تثبيت المشهد الانقسامي بين العرب والمسلمين، وتبدي تخوّفها من حرب غزة وتدأب لوقفها من خلال المبادرة المصرية التي لا تعني إلاّ هزيمة «حماس»، إذ لا تنصّ على تحرير القطاع وفتح المعابر وحرية القطاع البحرية والعلاقة مع مصر.

المحور الخامس «الإسرائيلي» لا يهمّه البتة الشعور العربي، لكنه يحاول بدوره الإفادة من الانقسامات العربية والإسلامية ليصفّي المقاومة في غزة التي تشكّل «حماس» أحد روافدها فحسب. فهناك عشرات التنظيمات المجاهدة القوية و«إسرائيل» مسرورة من التأييد الذي يصلها من السعودية ومصر بطرائق دبلوماسية، ولا يبقى إلاّ محور إيران وسورية وحزب الله وهو محور غير متواطئ ويعمل لنجدة فلسطين بكامل إمكاناته ووسائله، رغم جميع الإساءات التي نفذتها «حماس» ضدّ النظام السوري ومناطق حزب الله في بيروت والجنوب. لقد آثرت «حماس» الاصطفاف إلى جانب المعارضة التكفيرية وصولاًً إلى حدود مشاركة بعض أجنحتها في القتال في سورية ولبنان.

لاستكمال دائرة التحليل، يمكن القول إنّ «حماس» لم تبدأ «الحرب» قانونياً: هناك ثلاثة مستوطنين «إسرائيليين» قتلوا، والمستوطن هو جندي. ولم يعرف القاتل ـ الأمر الذي يؤكد أن «إسرائيل» استغلت هذا الاغتيال الذي حصل في الضفة الغربية لتهاجم في منطقة أخرى هي غزة ـ فلماذا لا تفترض «إسرائيل» أنّ هناك طرفاً أراد استدراجها إلى هذه المعركة. لكن لـ«حماس» أسبابها لتوسيع إطار الحرب ـ ويعتبر المحلّلون أنّ لـ«حماس» سببين: إعادة إحياء القضية الفلسطينية وفك الحصار المضروب حول «الإخوان المسلمين» في العالم العربي والإسلامي وإعادة تعويمهم سياسياً.

وفي المحصلة، لكلّ محور مشروعه، والخاسر الأكبر هو الرئيس السيسي الذي لا يقف على الحياد مثلما يعتقد البعض بل يساهم في تشديد الحصار على غزة ومنع المؤن والمساعدات عنها، متيحاً لـ«إسرائيل» فرصة دك حاراتها وشوارعها وأزقتها، ومساحتها أقلّ من أربعمئة كيلومتر مربع!

حاول السيسي أن يقدم نفسه على شاكلة الرئيس الراحل عبد الناصر، وفي أول تجربة عربية له عجز عن إدراك مستوى حسني مبارك الفكاهي الذي كان يقفل معبر رفح ثمّ يعاود فتحه مكرّراً حركة الفتح والإغلاق لمنع تشكل نقمة عربية ضدّه. ويبدو أنّ السيسي غير مهتمّ بشعور العرب ويريد دوراً يرسمونه له هذه الأيام في واشنطن. المطلوب منه أن يؤدي دور «قوات مرتزقة» تنتصر لجهة على أخرى لأجل حفنة من المال النفطي. يهيئون له هذا الدور في الخليج وشمال أفريقيا والقرن الأفريقي. وفي المقابل، السعودية والخليج مستعدّان لدعمه مالياً. لذلك يظهر دوره في غزة جزءاً من المرسوم له أميركياً وسعودياً.

غزة إلى أين؟ لن تسقط غزة على الإطلاق، وشهداؤها هم التراكم الذي يؤدي إلى حروب أخرى، شرط أن تتوقف «حماس» عن الإساءة إلى دورها وتاريخها.

أما السيسي، فإنّ تبلور حركة معارضة داخلية في أرض الكنانة يساهم في وقف اندفاعته. والملاحظ أنها بدأت، لكنها تخطئ عندما تهاجم مواقع للجيش المصري وعليها أن تتبنى أسلوباً آخر…

إن بلداً له تاريخ بحجم تاريخ مصر يتراجع حيناًً لكنه لا يسقط نهائياً، ومثلما يقول علم الجيوبوليتيك عن مصر فهي نهرٌ، وتاريخ النهر يفرض عليها سياسة أفريقية، والتاريخ يربطها ببلاد الشام. ويخطئ من يخالفُ النهر والتاريخ، حتى لو كان المشير السيسي!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى