الفارق الحاسم بين التموزين

غالب قنديل

شاعت المقارنات بين حرب تموز 2006 التي شنها العدو الصهيوني على لبنان والحرب التي يشنها الصهاينة منذ أكثر من أسبوعين على قطاع غزة المحاصر وقد غاص المحللون في أوجه الشبه العديدة وتوقع بعضهم انتصار المقاومة في غزة كما انتصرت في لبنان نتيجة إرادتها الصلبة وثباتها المدهش وتمكنها التقني من أحدث المنتجات العسكرية المتطورة وبفعل إتقان فصائل المقاومة الفلسطينية لاستخدام الردع الصاروخي ولبراعة أبطالها المقاومين وإبداعهم الشجاع في فنون القتال البري ضد جيش الاحتلال الصهيوني.

تخبط القيادة السياسية والعسكرية الصهيونية هو نفسه في المرتين على رغم انقضاء ثماني سنوات أمضاها الكيان الصهيوني في المناورات والتدريبات وتشكيل لجان الدراسة والتقييم واستخلاص العبر من هزيمة الصهاينة في لبنان وكما برهنت لجنة فينوغراد في دراستها لما سمي حرب لبنان الثانية عام 2006 يسود التخبط في رسم الأهداف ويراوح القادة في حلقة مفرغة بخوض حرب جوية على بنك أهداف افتراضي يكشف العمى الاستخباراتي ويتركز على بيوت العائلات المتشظية والمحترقة بقذائف الطيران الحربي ويتجدد الفشل في النيل من منظومة القيادة والسيطرة بدليل استمرار إطلاق الصواريخ حتى بعد الانتقال لشن الحرب البرية التي تفتح أبواب جهنم وتدشن الفصول الأصعب والأكثر دموية من القتال الالتحامي بين جيش الاحتلال وفصائل المقاومة حيث يتأكد تفوق المقاتل الفلسطيني باستعداده للتضحية والاستشهاد إضافة لتمكنه من الخبرات القتالية مما يكسبه قدرة هائلة فتكت بقوات النخبة الصهيونية وبعمليات هجومية تخطت التوقعات الإسرائيلية وصدمت الخبراء ويمكن للخيال التحليلي عقد المقارنة بين عشرات المشاهد التي دارت في الحربين.

ثمة فارق حاسم بين الحربين لم يلتفت إليه الكثيرون وله صلة وثيقة بالنتائج والتوازنات التي سوف تسفر عنها الملحمة البطولية التي تخوضها المقاومة في غزة وهذا الفارق هو ما شكله البعد السوري من عمق احتضان ودعم حاسم للمقاومة اللبنانية على جميع المستويات فقد لجأت غالبية سكان الجنوب والضاحية والبقاع الذين شردهم العدوان الصهيوني ودمر منازلهم إلى سورية حيث لاقوا الترحاب وفتحت لهم البيوت وسارعت الدولة الوطنية السورية لاتخاذ التدابير العاجلة لاستضافتهم بسخاء مشهود وفي التقديرات بلغ تعداد العائلات اللبنانية التي لجأت إلى سورية في ذلك الصيف حوالى نصف مليون نسمة بينما كان الاحتضان اللبناني الداخلي لكتلة أخرى لا تقل حجماً وخصوصاً في مناطق نفوذ التيار الوطني الحر وتيار المردة كفيلاً بتحرير قيادة حزب الله من عبء كبير معنوي وميداني بحيث انصرفت جهودها لقيادة العمليات ضد العدوان ولعل جمهور القطاع لا يقل تعاطفاً مع المقاومة ونهجها عن أهالي الضاحية وأبناء الجنوب والبقاع لكن وجود العمق السوري جغرافياً وسكانياً وتوافر إرادة سورية قوية بالتضامن مع المقاومة اللبنانية خفف فعلياً من أعباء الصمود والمقاومة على قيادة المقاومة بينما يشكو القطاع ويلات الحصار ونقص المواد الغذائية والأدوية التي تكاد تستنفذ مع امتداد العمليات الحربية وتصاعد أعداد الجرحى والمصابين.

يضاف إلى ذلك أن العمق السوري كان في حرب تموز 2006 بالنسبة للمقاومة اللبنانية مصدراً للإمداد بالسلاح والذخائر على اختلافها بينما لا تحظى غزة بفرض التواصل والإمداد من حولها وبعض ما كشف عن خفايا التنسيق العسكري السوري مع المقاومة في حرب تموز يفيد باتخاذ القيادة السورية وعلى المستويات قراراً بفتح المستودعات أمام المقاومين دون قيد أو شرط وهذا ما أشار إليه قائد المقاومة السيد حسن نصرالله وتحدث عنه صراحة عدا عن قرار القيادة السورية بدخول الحرب ساعة تتلقى إشعاراً بالحاجة إلى ذلك من قيادة المقاومة اللبنانية كما وجهت سورية إنذاراً صريحاً للعدو ضد أي تقدم لقواته صوب البقاع الغربي بهدف تحصين التوازنات التي استندت إليها المقاومة.

وكما تعاملت القيادة السورية مع العدوان باعتباره يطاول منظومة المقاومة برمتها كانت سورية عمقاً للمساندة الإعلامية والسياسية كذلك وقد كرست الدولة الوطنية جهودها واتصالاتها لشرح طبيعة العدوان الذي يتعرض له لبنان وعدالة القضية التي يدافع عنها المقاومون كما فعلت مراراً قبل ذلك وخصوصاً عامي 1993 و1996.

ليست الجغرافيا وحدها التي تفعل الدعم السوري الذي ساهم في تمكين المقاومة اللبنانية من حصاد انتصار واضح بل كذلك الإرادة الوطنية والقومية السورية واعتناق القيادة السورية والشعب العربي السوري لخيار المقاومة الذي جلب كثيراً من الضغوط على هذه الدولة المشرقية المحورية وهو هدف العدوان الاستعماري الهادف لقلب قيادتها ورئيسها الذي تعامل بشجاعة ونبل كبيرين في موقفه المبدئي وطنياً وقومياً من العدوان على غزة فتعالى على الطعنات والجراح مؤكداً أن فلسطين ستبقى قضية سورية المركزية وفي حاصل هويتها القومية وبحساب المصالح السورية القريبة والبعيدة.

إن احتواء الصدع الحماسي ومعالجة أزمة العلاقة بين قيادة حماس والقيادة السورية المقاومة يمثل حاجة فلسطينية ملحة وهو يمثل التحدي الأبرز لقيادة محور المقاومة في هذه الفترة بالذات ويحتاج ذلك للكثير من الصراحة والجرأة والتسامي في سبيل رص الجبهة الداعمة لشعب فلسطين ومقاوميها الأبطال بعدما خط الرئيس بشار الأسد بسوية الكبار أول السطور ووضع الركائز المؤسسة لردم الهوة على قاعدة مبدئية وأخلاقية واضحة لاسترجاع اللحمة والثقة بعد محنة العدوان على سورية .

عضو المجلس الوطني للإعلام

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى