ملاحظات نقدية من موقع التضامن مع المقاومة الفلسطينية في غزة

حميدي العبدالله

من الصعب سَوق ملاحظات نقدية إزاء المقاومة الفلسطينية، وهي تخوض أقدس وأشرف معركة نيابة عن العرب جميعهم، بكل معسكراتهم، ويكون الأطفال والنساء والشيوخ ضحايا الوحشية الصهيونية المنفلتة من عقالها.

لكن، إذا كانت هذه الملاحظات هي في مصلحة المقاومة الفلسطينية، ومن موقع الحرص عليها لا التآمر والتواطؤ مع العدو ضدها، وإذا كانت هذه الملاحظات تصب في خانة ترشيد أدائها، وتعظيم نضالها، وتفعيل أدائها، فلا بأس من البوح بهذه الملاحظات حتى وإن كانت نقدية وجاءت في ذروة العدوان والتكالب التآمري على المقاومة.

الملاحظة الأولى: كثير من أداء الفصائل العسكري كانت الموجه له الاعتبارات الإعلامية أكثر من الأداء الاستراتيجي الحصيف الذي تتطلبه معركة شرسة مع عدو غاشم، في ظل توازن قوى يعمل في مصلحة العدو الذي يملك جيشاً كبيراً، ومخزوناً هائلاً من الأسلحة والذخائر، وقدرة تدمير رهيبة، ودعم دولي غير محدود، وعمق تمثله أنظمة عربية حجبت مصالحها في الحكم كل رؤية للبعد المبدئي للقضية الفلسطينية، والحاجة للوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني المظلوم.

الملاحظة الثانية: ظهر هذا الأداء الذي يحاكي الاعتبارات الإعلامية بالمسارعة إلى تقليد ما قامت به المقاومة في لبنان في عدوان تموز عام 2006، من دون مراعاة الحسابات والمراحل التي حرصت عليها قيادة المقاومة في لبنان حيث أطلقت مفاجأتها بصورة متدرجة مع تصاعد العدوان وامتداده زمنياً، وأبقت بعض المفاجآت قيد التهديد تحسباً لمراحل أكثر وحشية في اعتداءات العدو.

لكن فصائل المقاومة حرقت مفاجآتها دفعة واحدة وفي أيام قليلة، وحتى من دون أن تكون هناك حاجة لاستخدام هذه المفاجآت، فعمدت إلى استخدام أقصى ما لديها من صواريخ منذ اليوم الأول، وقبل تصاعد العدوان، في حين كان يجب أن يتصاعد تدرج استهداف المدن والمستعمرات الصهيونية تبعاً لتطور العدوان، ومواكبة مراحله مرحلة مرحلة، وإبقاء العدو تحت ضغط القلق من المفاجآت على غرار ما فعلت المقاومة، عندما تحدث قائدها السيد حسن نصر الله عن ما بعد ما بعد حيفا.

فإذا كانت المقاومة الفلسطينية استخدمت أقصى ما لديها من مديات صاروخية، وكشفت مفاجأتها الثانية المتمثلة بالطائرات من دون طيار حتى قبل توسع العدوان، وحرقت مفاجآتها البرية قبل تورط العدو بعدوانه البري على القطاع، فما هي الأوراق والمفاجآت التي لا تزال طي الكتمان التي يمكن أن تهدد بها العدو، باستثناء تضحياتها واستعدادها للقتال بشراسة وببسالة لمنعه من التوغل في المناطق ذات الكثافة السكانية؟ فهل من المصلحة والتدبير الاستراتيجي الصحيح أن يتم حرق كل المفاجآت واستخدام أوراق القوة عندما كان العدوان في بدايته، ومحدود للغاية، وبالتالي الافتقار لأي ورقة رادعة تستخدم عندما بدأ العدوان يتوسع ويصبح أكثر وحشية؟

لا شك في أن فصائل المقاومة معنية بمراجعة هذا السلوك، والعودة إلى التعمق بدروس إدارة المعارك مع العدو التي راكمتها المقاومة في لبنان.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى