إلى غزّة من دون مناسبة تقريباً

أحلام مستغانمي

هذه الكلمة ألقتها الأديبة أحلام مستغانمي في الجزائر خلال الوقفة التضامنية مع غزّة في تاريخ : 22 02 2009، ولا يزال زمن الفجيعة الفلسطينية، وزمن الذلّ العربيّ، هو نفسه

دخلت غزّة وما استطعت منها خروجاً. كلّ المعابر إليها ومنها كانت مسدودة. فمن أين تدفّق علينا دمها ؟ وأي معبر سلك الشهداء والجرحى ليقيموا بيننا ؟

من أجلسهم إلى مائدتنا، فأفقدونا شهيّة الحياة. وفتح لهم في بيوتنا مستشفيات، وبرادات لحفظ الموتى، حتى كرهنا فتح براداتنا.

في غزّة كان حلم الناس فقط الموت بشهادة الكاميرا، فالموت بشهادة الكاميرا حياة. لذا راحت »إسرائيل» تغتال الصحافيين، حتى يتسنّى لها قتل الفلسطينيين مرتين.

كي لا يسقط الشهداء سدًى، كانت غزة تحتاج إلى موت كبير كلّ يوم. تحتاج إلى موت مرعب، إلى مجزرة يليق رقم موتاها بأن يكون افتتاحيّة لنشرة أخبار غربيّة.

فالموت بالتقسيط لا يصلح خبراً عندما يكون موتاً عربيًّا.

تحتاج أن تثبت كلّ مرة أنّها الضحية، فمنذ ستين سنة و»إسرائيل» تستحوذ حصريًّا على هذا اللقب .

من يحاسب بني صهيون الجالسين فوق القانون، ويقودهم إلى المحاكم ونحن في كرنفال العدالة الدولية .

نكبتنا الحقيقية، أنّنا أنفقنا آلاف المليارات في شراء الأسلحة، وما استطعنا أن نشتري الاحترام ولا الإنصاف.

الذين ينهبوننا، لا وقت لهم لسماعنا.

المأساة… أنّ صوتنا لا يصل، ولا قضايانا تصل، ولا عدد ضحايانا يدخل في بورصة أرواح البشر. وما نفع أموالنا إن كنّا ديكة تصيح في حيٍّ لا يسمعها أحد.

»إسرائيل» محصنة ضدّ الحقيقة. الكلّ وقع في أحضانها عن خوف أو عن تواطؤ، وبإمكاننا هنا وفي أيّ بلد عربي أن نقول ما نشاء، لا أحد معنيّ بنا.

فائض الدم العربيّ أجاز للعالم ألاّ يحترمنا. نُطالب بكرامة موتانا، الذين لا رقم لهم بالتحديد، لا في العراق ولا في فلسطين.

الكرامة لا تحتاج إلى درس في الحساب بل إلى درس في الحياء.

… ذلك الرقم العربي الضائع دوماً، هو الذي صنع مهانتنا بين الأمم.

أمام مآثر القتلة… نطالب بعنفوان القتيل.

تشنّ »إسرائيل» حرباً من أجل جنديين اثنين فتدمرّ جنوب لبنان عن بكرة أبيه… وتستبيح مليون فلسطينيّ في غزة بحثاً عن »إسرائيلي» واحد .

ونتفرّج عليها تقتل وتحرق البشر .

تقضي على حياة 6000 شخص بين قتيل وجريح، وتجوّع شعباً كاملاً وتقطع عنه الدواء والكهرباء، وتسدّ كلّ منافذ الحياة إليه ولا يتحرّك لنا ساكن.

هل كانت لتفعل هذا لو كانت تدري أنّ على رأس هذه الأمّة رجال سيقفون في وجهها ويخجلون لاحقاً من استقبال مجرميها.

من مذلّة الحمار صنع الحصان مجده . فمن غيرنا صنع مجد »إسرائيل» وقبّل يدها وقَبِلَ أن يتفاوض مع حذائها.

غزّة المغدور بدمعها، ببحرها، بسمائها، بمائها، المغدور بجراحها، بدمها، بعتمتها، بليلها ونهارها، برغيفها المنتظر، بسيارة إسعافٍ لا تحضر، بأمنية انفتاح مَعْبَر ليس أكثر .

غزّة التي أحببناها عندما ما عاد لها من عيون لترى حُبّنا، ولا كهرباء لتشاهد مظاهراتنا ومهرجاناتنا من أجلها، وبعثنا لها بمساعدات حين أصبح عليها الذهاب تحت النار لإحضارها، وصلّينا لنصرتها بعد أن انهدّت على مصلّيها المساجد .

نعتذر لها وهي في منتصف قافلة الشهداء، لأنّنا لا نملك من أجلها سوى دموع وحياء .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى