غزّة… وخطاب أبو مازن

رامز مصطفى

عودة رئيس السلطة الفلسطينية إلى رام الله على وجه السرعة تمثّل تطوراً لافتاً في عقده اجتماعاً قياديّاً، وإلقائه خطاباً نراه عالي النبرة والوضوح ويسجل الكلام في الخانة الإيجابية ويُبنى عليه، لأنّ ثمة تبنّياً لشروط المقاومة وفي مقدّمها رفع الحصار عن قطاع غزة. لكن تبقى العبرة في الترجمات العملية لما ورد في فقرات الخطاب الذي اختتمه بآية قرآنية «أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا، وإن الله على نصرهم لقدير». إن إلى جهة إطلاق يد الشعب الفلسطيني في انتفاضة ثالثة، ووقف التنسيق الأمني الذي يتلطى وراءه المحتل، والتوجه من دون إبطاء إلى محكمة الجنايات الدولية لمقاضاة الكيان وقادته على جرائمهم ضد الشعب الفلسطيني.

العودة المفاجئة هذه هل كانت لأن رئيس السلطة أدرك أن لا وقف للعدوان واصطدمت شروط المقاومة في جدار الرفض الأميركي الذي عبّر عنه كيري من أن المبادرة المصرية هي المتوافرة، وبالتالي إقراره أن من حق «إسرائيل» الدفاع عن نفسها»! وهنا لا بد من التأكيد على أن رفض المبادرة المصرية لا يعني رفض الدور المصري على ما نسجله من ملاحظات على هذا الدور الذي لم يرتق إلى مستوى ما يتعرّض له أهل قطاع غزة من حرب إبادة. أم أن حجم التدخلات الإقليمية والدولية زادت الأمور والأوضاع تعقيداً وحراجة من خلال محاولات هذه القوى الاستثمار والتوظيف في ما يجري لتحسين مواقعها في مواجهة بعضها البعض كمحاور متصارعة في ما بينها، ولو على حساب الدماء والتضحيات الفلسطينية. أم أن رئيس السلطة أدرك أن حجم الاحتقان في الشارع الفلسطيني بلغ مستويات لم يعد في وسعه تجاهلها أو ضبطها أو حتى التحكم فيها، هو الذي اتهم بالتراخي ومهادنة المحتل على حساب الشعب الفلسطيني. ونحن لا نفسد هذه الإيجابية التي تبدت في كلمة رئيس السلطة السيد أبو مازن، ومن ثم في البيان الختامي المهمّ الصادر عن اجتماع القيادة الفلسطينية في رام الله.

أدرك الأخ أبو مازن أن ليس في وسعه أن يكون شريكاً للمقاومة إلاّ من خلال تبني شروطها؟ لذا قرّر أن يُصعّد في وجه نتنياهو وحكومته الإرهابية المجرمة. وهو لأجل ذلك عاد إلى رام الله قاطعاً جولته التي قادته إلى مصر وتركيا وقطر، وكان مقرّراً استكمالها في اتجاه المملكة السعودية، ليُرسل من الداخل الفلسطيني رسائل في كلّ اتجاه بأن هناك تجاوزاً متمادياً لم يعد ممكناً تحمّله بسبب المجازر الصهيونية المرتكبة ضدّ أهلنا في غزة، وبخاصة مجزرة حي الشجاعية. وبالتالي عدم تمكن العدو من تحقيق أيّ من نتائج عدوانه، على الأقل حتى الآن، في الأمن والعسكر. والميدان لمصلحة المقاومة وهي لا تزال صامدة وتكبّد العدو الخسائر غير المسبوقة في استمرار إطلاق الصواريخ، وفي الميدان حيث العملية البرية أصيبت بالفشل الذريع بعد سقوط عشرات القتلى والجرحى في صفوف جنود الاحتلال. ولعلّ أسر الجندي الصهيوني شاؤول آرون من قبل المقاومة مثل تحوّل مهمّ في مسار العدوان وفشله. وهي فرصة لرئيس السلطة في رفع الصوت والتهديد في وجه نتنياهو وحكومته والقول لهم هذا البديل لعدم السير في المفاوضات وتلبية متطلباتها والتهرّب من استحقاقاتها. وعليكم الاختيار.

الولايات المتحدة ليست بعيدة عن هذه الرسائل للقول لها ولكيري إنّ عدم ممارسة الضغوط اللازمة على «إسرائيل»، يُبقي الصراع مفتوحاً على مصراعيه، وقد يتطور في اتجاهات غير مسبوقة على خلفية الاتصال الهاتفي الذي أجراه السيد نصر الله مع كل من الأخوين مشعل وشلح، وتأكيده على أن حزب الله يقف بحزم إلى جانب المقاومة في غزة.

وفي السياق ذاته، ارتفاع النبرة في مواجهة العدوان من قبل إيران والقيادات على اختلافها تؤكد وقوف إيران في مواجهة العدوان وعدم ادّخارها جهداً للوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني ومقاومته. وفي تقديري أن لخطاب أبو مازن الإيجابي اليوم أصداءه في الكيان الصهيوني وحكومة نتنياهو وائتلافه، إذ اعتبر أحد المسؤولين في الكيان أن أبو مازن انضم إلى القتال ضد «إسرائيل» من رام الله، وكذلك الإدارة الأميركية التي ستنظر إلى هذا الخطاب بالعين «الإسرائيلية» كما في سائر المراحل والمنعطفات.

يجب أن ينصب العمل الآن في اتجاه حماية الشعب الفلسطيني والمقاومة ومنجزها، وفي تحقيق المطالب الفلسطينية وعدم التنازل عنها. ودعوة الإطار القيادي الفلسطيني الموقت لمنظمة التحرير إلى عقد اجتماعات مفتوحة، بحسب بيان القيادة الفلسطينية في رام الله، لتشكيل هيئة طوارئ وطنية تتولى قيادة العمل الفلسطيني في هذه المرحلة الدقيقة والحرجة من حياة الشعب الفلسطيني ومستقبل قضيته الوطنية على أكثر من صعيد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى