«غواية منتصف العمر» قصص لخيري حمدان تكشف عن تشوّهات «الربيع العربي»

«غواية منتصف العمر» مجموعة قصصية للكاتب الفلسطيني خيري حمدان المقيم في العاصمة البلغارية صوفيا، صدرت لدى دار «أزمنة للنشر والتوزيع»، الأردنية، وتنقل القارئ إلى عوالم مألوفة وغير تقليدية في الوقت نفسه، بين الواقع العربي المؤلم والنزعة الوجودية في تحليل شخصية المواطن العربي خاصة، والإنسان عامة، في حالات البحث عن الذات والعشق والموت والحياة.

صدرت لحمدان، باللغة البلغارية مجموعة روايات ودواوين شعرية وعدد من المسرحيات بينها مسرحية «دعني أعيش دعني أموت» في المجلد الخاص الأول عن المسرح، لدى دار «نون المصرية للنشر والترجمة»، بالإضافة إلى الأعمال الروائية المكتوبة بالعربية مثل «شجرة التوت» و»مراكبي» و»أرواح لا تنام» وغيرها.

يكتب الأديب خيري حمدان بلغتين، العربية والبلغارية، ويبدو تأثره واضحاً بالآداب الغربية، إذ يميل إلى التبسيط أحياناً والجموح نحو الرمزية الساخرة في قصصه، ويقول الكثير على لسان أبطاله، مثل الصرصار الذي يدفع ثمن غروره وغبائه باغتصاب غير متوقع من السلحفاة المتسلطة. وللرمزية بعد جمالي في نهايات هذا النوع من القصص.

العنوان أيضاً يوحي معاناة وجدانية لأحد أبطال القصة التي تحمل عنوان المجموعة. تُرى هل يعرف سامح حقا مدى عشقه للمرأة التي اختارها رفيقة دربه وحياته بعد ظهور بلقيس التي تتقن فنون الغواية؟ «كان لابتعاد سناء عن حياته وفراقها دور مهمّ لمعرفة مدى تعلّقه بها، إذ كانت تحوّلت إلى امتداد طبيعيّ وليّن ومطيع لبيت الزوجية. تذكّر ألقها حين غادرته وكانت ارتدت أجمل ما تملك من الثياب، رافضة الإفصاح عن قلقها وعمق الجرح الذي أصابها بعدما عرفت تعلّقه بأخرى».

تذكرنا قصة «غرفة الحياة والموت» برائعة إميل زولا «جرمينال» والصراع لأجل البقاء على قيد الحياة تحت الأرض في منجم منهار. الجديد في هذه المقاربة أن بطل حمدان هارب من الموت في القتال الدموي الذي تشهده سورية منذ سنوات، ليجد الأمان في إحدى المدن البلغارية، ساعياً وراء لقمة العيش والحياة الكريمة. يبدأ العمل في أحد المناجم، وينجو الرجل الذي قتلت عائلته ليجد نفسه في حجرة مظلمة مطموراً تحت الأرض.

يمكن الوقوف على رؤية الأديب من مضاعفات التخلف في المجتمعات العربية في قصته «أحمق يقود قطيعاً»، حيث يجد نفسه أسير حافلة متوجهة من مدينة محافظة إلى العاصمة عمان. رحلة يقوم بها مئات الألوف يومياً، لكنّها تكشف عن الطباع والعادات المتأصلة لدى العائلات والمواطنين، وخاصة أوضاع المرأة العربية، فهي ترفض الجلوس في الكرسي المجاور للرجل، ويلجأ الرجل الشرقي إلى معاقبة السائق «الأحمق» لتوقفه بعيداً عن المكان المرجو بمئة متر. يضرب السائق ويرفض دفع الأجرة، متذرعاً بعدم قدرة النساء المرافقات له على اجتياز هذه المسافة. وأخيرا تتعرض المركبة للاحتراق بسبب عدم الالتزام بشروط السلامة العامة والتدخين داخل الحافلة، كأنّها رحلة عدمية تفضح الترسبات الحضارية الشرقية العالقة بأطراف الثياب والكوفيات والانغلاق الاجتماعي المرعب.

يمكن تحسس الرومانسية والتجاذب الأبدي بين الرجل والمرأة في العديد من القصص، ويبرز أكثر في التساؤل الكبير الذي طرحه الكاتب «لماذا يا دلال؟»، عبارة وجدتها الأرملة دلال في ثياب زوجها المتوفى، فتصاب بالحيرة والدهشة والذنب طوال فترة تأويلها للتساؤل الرجوليّ، لكنّها وتتمكن في نهاية المطاف تتمكن من التخلص من هذا الهاجس الرجوليّ المتعمد ربما، لتحصل على حريتها الشخصية بعد معاشرة زوجية عامرة بالحب والتسلط والشفقة والتعلق وأخيراً التحرر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى