تهجير مسيحيّي الموصل… أين رد فعل الغرب؟

حميدي العبدالله

أرغم تنظيم «داعش» مسيحيي الموصل على ترك مدينتهم ومحافظتهم التي سيطر عليها، بعدما خيّرهم بين دفع الجزية أو إشهار إسلامهم أو القتل، ما اضطرهم جميعاً إلى مغادرة بيوتهم في المدينة وفي الأرياف الواقعة تحت سيطرة «داعش».

المدهش ليس ما قام به «داعش» فممارساته معروفة ومتوقعة وحدث مثلها الكثير في سورية وفي بعض مناطق العراق حيث تعرضت دور العبادة والمرافق التي يملكها المسيحيون لهجمات من «داعش» والتنظيمات التكفيرية منذ انتشار هذه التنظيمات في العراق إثر الاحتلال الأميركي له. بل المدهش هو رد فعل الغرب الذي لاذ بالصمت ولم يقدم على أي عمل حتى ولو في إطار الاستنكار اللفظي عبر إصدار بيانات تشجب مثل هذا السلوك المشين، فلا وزراء الخارجية في الحكومات الغربية سارعوا إلى إصدار البيانات على غرار تلك التي تزعم أنها تستنكر تهجير السوريين على أيدي الحكومة السورية، حتى قبل أن يكون هناك لاجئ سوري واحد في بداية الحوادث، ولا مجلس الأمن دعي إلى انعقاد عاجل لبحث الأمر، ولا مجلس حقوق الإنسان عقد جلسة طارئة لمناقشة هذه المسألة، ولا مجلس الأمن التأم على عجل للنظر في مشروع قرار إنساني تحت الفصل السابع على غرار المشاريع التي عرضت على مجلس الأمن في الأسابيع الماضية بذريعة ضرورة إيصال مساعدات الأمم المتحدة إلى مناطق في سورية بموافقة الحكومة السورية أو عدم موافقتها.

هذا الصمت الذي ووجهت به عملية تهجير مسيحيي الموصل تفسر العوامل المرتبطة بحقيقة سياسات الحكومات الغربية الاستعمارية واستغلالها الوجود المسيحي في العالم:

ـ العامل الأول، التواطؤ مع تنظيم «داعش»، فمنذ أن تمدد «داعش» في محافظات نينوى وصلاح الدين وديالى أصدرت الحكومات الغربية بيانات أدلى المسؤولون فيها بتصريحات تحمّل حكومة نوري المالكي المسؤولية وليس تنظيم «داعش» بذريعة التهميش، وتسعى الحكومات الغربية إلى توظيف سيطرة «داعش» لابتزاز الحكومة العراقية وإرغامها على تقديم تنازلات تعزز وصاية الغرب على الوضع في العراق، لذا التزمت الصمت حيال ممارسات «داعش» في حق المسيحيين، فإثارة حملات ضد «داعش»، وإصدار مواقف قوية من قبل الحكومات الغربية أو من مجلس الأمن على غرار ما سعت إليه في سورية يؤدي إلى صدور مواقف بالإجماع في مجلس الأمن، لكون روسيا تطالب بمحاربة حازمة للإرهاب، ومن شأن ذلك أن يؤثر في المعادلات القائمة في العراق لمصلحة حكومة المالكي ويقطع الطريق على محاولات توظيف تمدد «داعش» لإعادة فرض الوصاية الغربية على العراق من جديد.

ـ العامل الثاني، يسعى الغرب منذ فترة طويلة إلى تسهيل هجرة المسيحيين إليه وإفراغ الشرق من سكانه المسيحيين، لاستخدام هؤلاء كأيد عاملة رخيصة لبناء اقتصاده، وتعظيم فائض القيمة الذي يحصل عليه أرباب العمل ويصبّ في مصلحة خزائن الحكومات الغربية.

هذه الحسابات الغربية لا تفسر فحسب صمت هذه الحكومات على تهجير المسيحيين، بل تفضح أيضاً زيف ادعاءاتهم حول الديمقراطية وغزوهم العراق وتآمرهم على سورية بذريعة إنصاف مكوّنات الشعب في العراق وسورية، لا سيما الأقليات وتأمين العدالة لها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى