أوكرانيا والصمت الروسي

عامر نعيم الياس

حرّكت حادثة إسقاط الطائرة الماليزية فوق الأراضي الأوكرانية المياه الراكدة التي بدأت بالتجمع في ملف الأزمة الأوكرانية واستنزاف الغرب، فعلى رغم التقدم الميداني الذي أحرزته قوات كييف المدعومة من حلف شمال الأطلسي وسيطرتها على مدينة سلوفيانسك البالغ عدد سكانها مئة وعشرة آلاف نسمة والواقعة شمال العاصمة الإقليمية دوناتسك التي تعد المعقل الرئيسي للموالين لروسيا في شرق البلاد، هذه السيطرة التي اكتسبت بعداً رمزياً لحكومة كييف في المواجهة القائمة مع الانفصاليين بحسب التعبير الغربي، وقربتها أكثر فأكثر من دوناتسك التي يتوقع أن تكون معركة السيطرة عليها طاحنة. هذه الأمور مجتمعة لم تحرّك الموقف الروسي الذي اختار الهدوء ومن ثم الصمت تكتيكاً لإدارة الأزمة الأوكرانية مع الغرب، ففي وقت كانت قوات كييف تدخل سلوفيانسك، أدار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ظهره وحزم حقائبه وانطلق في جولة إلى أميركا اللاتينية، فهل ترك بوتين المتمردين في شرق البلاد يواجهون مصيرهم وفقاً لتساؤل صحيفة «ليبيراسيون» الفرنسية؟ أم أنه تثبيت لموقف موسكو التي ما فتئت تكرر أن الوصول إلى حل للأزمة الأوكرانية يمر عبر التفاهم مع المقاتلين في شرق البلاد؟

في ضوء حادثة الطائرة الماليزية وردود الفعل الدولية المواكبة لها ابتداءً من إدانة مجلس الأمن الدولي والاتهام الضمني للمقاتلين الموالين لروسيا بإسقاط الطائرة، مروراً بالموقف الأميركي التصعيدي خصوصاً في مجال العقوبات الاقتصادية، وليس انتهاءً بانخراط بريطانيا وكندا بالحملة السياسية والاقتصادية المنسقة على موسكو، يمكن القول إن الأطلسي استخدم حادثة الطائرة الماليزية لضرب تكتيك الصمت الروسي الذي حاول بوتين من خلاله تحقيق جملة من المكتسبات أهمها:

ــ إدارة حرب استنزاف مضاد للغرب في أوكرانيا، بدلاً من استنزاف روسيا على الأراضي الأوكرانية، فموسكو وبعد ضمّها للقرم، باتت أكثر ميلاً إلى إدارة معركة دبلوماسية على الأراضي الأوكرانية تقوم على فكرة الفيدرالية في أوكرانيا، بما يضمن تقاسماً ضمنياً للنفوذ مع الغرب من دون المس المباشر بوحدة أوكرانيا، وهنا يتمحور موقف الكرملين الداعي إلى الاتفاق مع القاتلين في شرق أوكرانيا كحلٍ وحيد للأزمة القائمة حالياً.

ــ الرهان على التورط الغربي أكثر فأكثر في ارتكاب مذابح وأعمال وحشية في مناطق شرق البلاد، مع ما يستجلبه ذلك من تغيّر إضافي في مزاج القاعدة الشعبية المترددة في بعض مناطق أوكرانيا، فضلاً عن الإحراج على المستوى الدولي بالنسبة إلى داعمي حكومة كييف، والذي بالتأكيد سيدفع هذه الدول إلى الإسراع في العودة إلى بلورة حل سياسي للأزمة الأوكرانية.

ــ ضبط إيقاع التمرد في شرق البلاد على مقاس الكرملين، بمعنى آخر منع المجموعات المقاتلة في شرق أوكرانيا من الوقوف على يمين الكرملين في إدارة الصراع مع الغرب، وخير دليل على ذلك رفض هذه المجموعات تنظيم استفتاء حول الانفصال في شرق البلاد على رغم تدخل بوتين شخصياً لمنع حصوله.

المعطيات السابقة تؤكد أن الطائرة الماليزية أسقطت لدفع الروس مرغمين للخروج عن صمتهم وبالتالي ضرب التكتيك الذي اتّبعه بوتين في إدارة الأزمة الأوكرانية للتخفيف قدر الإمكان من انعكاسات استنزاف روسيا على أراضي أوكرانيا، يذكر أن موسكو قالت تعليقاً على الاتهامات الدولية للموالين لها بإسقاط الطائرة الماليزية: «إن طائرة سوخوي أوكرانية كانت على بعد 3 إلى 5 كيلومترات من الطائرة الماليزية أثناء تحليقها فوق الأراضي الأوكرانية».

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى