ما هو المطلوب من مصر؟

محمد شريف الجيوسي

تقترب المنطقة من الحسم أكثر من أي وقت مضى، بغضّ النظر عن اتجاهات هذا الحسم ومدياته وتداعياته، وعلى رغم ما هي المنطقة عليه من خلط للأوراق وتداخلات .

ففي مصر على رغم المراهنات الكبيرة على الرئيس المصري الجديد عبد الفتاح السيسي، باستعادة مصر لدورها العربي ولدورها الإقليمي الإفريقي والإسلامي والدولي .. وجدنا أصواتاً في مصر تدعو الكيان الصهيوني للانتقام من غزة، بذريعة مواقف حماس تجاه مصر وهي مواقف مرفوضة ومدانة بغير شك، حيث لم تقتصر حماس على مصر فشملت من قبل سورية التي احتضنتها وتعرضت لأجلها لضغوط أميركية وأوروبية على مدى 12 عاماً قبل أن تغادرها حماس على نحو ما هو معروف من عدم الوفاء ، بل وتبيّن لاحقاً أنها شكلت حاضنة لإخونيّي سورية الذين مارسوا التخريب ضد الدولة الوطنية السورية .

لكن حماس شيء وغزة شيء آخر، بل إن الشعب الفلسطيني في فلسطين المحتلة عام 1967 شيء وحماس شيء آخر.. والمقاومة الفلسطينية ليست حماس بالضرورة، وأكثر من ذلك ليست قواعد حماس هي قياداتها المرتبطة بمكتب الإرشاد العالمي المرتهن قرارها به، وجناحها العسكري ليس على وفاق كامل مع القيادة السياسية لحماس ..

ومهما يكن من أمر أخطاء حماس وتجاوزاتها وخطاياها، ليس من المعقول ولا المقبول بحال أن يكون البديل هو الكيان الصهيوني، بل إن دعوات من هذا القبيل في مصر، تحت مرأى ومسمع النظام السياسي الجديد، لا يمكن اعتبارها إلا أنها إما مقبولة من هذا النظام ومحل ترحيب أو أن جهات ما تريد تشويه الوجه الناصع له، الذي طالما راهنت عليه القوى القومية واليسارية في مصر والمنطقة العربية .

وانعكاس ذلك في كلا الحالين على مصر ونظامها الجديد لن يكون مفرحاً، وستدخل مصر مرحلة جديدة من الصراع والتدخلات والتداخلات، ولن تكون نهاية الرئيس الجديد بأفضل من سابقه .

لا بد ان في المنطقة الآن محورين أحدهما: قطري – تركي – إسرائيلي والثاني: سعودي مصري – أميركي .. على الأقل في ما يتعلق بالحرب الصهيونية التي ُتشن الآن على فلسطين المحتلة عام 1967. وأميركا على رغم أنها في المحور الثاني، لكنها ليست بحال نقيضة للأول فهي ممثلة فيه من خلال الكيان الصهيوني .

وثمة محاولات خطيرة جارية الآن، يقع فيها حتى وطنيون وقوميون وقوى دولية صديقة ، بتصوير ما يحدث في جزء من فلسطين المحتلة عام 1967 على أنه كل الصراع ، حماس وغزة فحسب، على رغم ان الأمور أكبر من ذلك بكثير، وينبغي أن تكون كذلك.

لا بد أن التركيز الغربي الأميركي على غزة وحماس، ليس بريئاً، يستهدف في ما يستهدفه إثارة حساسية مصر، وإعادة تقسيم المقسم الفلسطيني، والعودة عن المصالحة، وخلق نعرات فصائلية لا دواعي للتفصيل فيها ، وإضعاف الإمكانيات الفلسطينية حتى على صعيد التفاوض بالتفاوض مع كل جزء على حدة .. وتصوير الأمور أمام الرأي العالمي بأن ما يحدث يقتصر على غزة المشاغبة من دون الضفة الفلسطينية ذاك الحمل الوديع ،على رغم أن الأمور فيها لا تقل خطورة، حيث جدار الفصل العنصري واقتطاع الأغوار الفلسطينية والاستيطان والاعتداء على المسجد الاقصى والمقدسات المسيحية والاسلامية، ومواجهات المخارز بالدم واللحم الحي، حيث لا تتوفر في الضفة صواريخ محلية ولا متطورة .

ومهما يكن من أمر، وعلى رغم بعض المواقف المعلنة في مصر الرافضة للتصريحات العدائية للشعب الفلسطيني، فإن المطلوب من مصر ومن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أكثر بكثير، خارج المحور السعودي الأميركي ، وبالطبع خارج المحور القطري التركي- الإسرائيلي موقف مستقل مسانَد من المقاومتين الفلسطينية واللبنانية ومن سورية وإيران والعراق ومسانِد لها في آن .

لقد جرب السادات ومبارك والعياط سياسة التبعية، فلم تجر مصر الا الى فقدانها لهيبتها ودورها، والى مزيد من الفقر وفقدان الاستقلال الاقتصادي والسياسي..فيما وجدنا دولة كسورية مثلاً غير تابعة، تمكنت من تحقيق الاستقلال الاقتصادي والغذائي .

لا بد ان على السيسي ان يشب عن أطواق التبعية العديدة التي تراكمت عبر عقود، والتمتع بقدر عال من الشجاعة والإرادة والرؤية الحصيفة، بالانتصار للشعب الفلسطيني وقضيته، ففي قوتها قوته ومكانته الإقليمية وتحرره الاقتصادي وقراره المستقل .

ليس مطلوباً من مصر إعلان الحرب على أعداء الأمة فذلك ليس في مقدورها، ولكن المطلوب ان لا تنزع الى محاصرة الشعب الفلسطيني ومقاومته ، بل مده بكل أسباب الصمود ، أوعلى الأقل فسح المجال لمن يرغب بالمساعدة بتقديمها ، ووقف التحريض الإعلامي ضد فلسطين بل ومناصرة شعبها إعلاميا وفضح جرائم الكيان الصهيوني .

مطلوب من مصر الغاء معاهدة كامب ديفيد وكل ما ترتب علها من التزامات مذلة والأمر ذاته مطلوب من كل الدول العربية والإسلامية التي عقدت اتفاقيات ومعاهدات مع الكيان الصهيوني ومطلوب منها اعادة فتح السفارة السورية في القاهرة، واتخاذ مواقف قومية واضحة غير تابعة في جامعة الدول العربية، وفك تبعيتها بمحور الدول الرجعية، والتوجه الى الداخل في اصلاحات اقتصادية واجتماعية عميقة تحرر اقتصادها من الاعتماد على المساعدات الخارجية المقيدة لقرارها السياسي والاقتصادي .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى