الخشب والحجر مادّتان لتشكيل الرؤية الإنسانيّة والوطنيّة وإبراز المهارات الجمالية

اللاذقية ـ رنا رفعت

لدى النحات ماهر علاء الدين تجربة فنية خاصة بناها من خلال المراحل التي مر فيها والتي صقلت موهبته وساعدته في تكوين شخصية متميزة هي مزيج من الأصالة والتعلم.

حول بواكيره الإبداعية يوضح علاء الدين أن والده كان يملك ورشة نجارة عربية شكلت نقطة انطلاق لتجربته الفنية، إذ اعتاد العبث بأدواته الخشبية والمعدنية مكتشفاً ملامح هذا العالم المتخيل بما فيه من أشكال إبداعية متنوعة، والتحق بمركز الفنون التشكيلية عام 1976 لدراسة النحت، مع صقل تجربته الفنية مشتغلاً بالصلصال، علماً أن خاله كان نحاتاً فطرياً في الخشب وأفاد ماهر من تجربته وجلساته الحوارية معه.

يشير إلى أن مركز الفنون التشيكلية أضاف له الكثير إذ تعرف عبر الدراسة الأكاديمية إلى التقنيات المستخدمة في النحت، سواء بالصلصال أو الجص، فكان نوعاً من التدريب واكتساب المهارات للتعامل مع المادة الخام والتواصل مع تجارب الفنانين المخضرمين في هذا المجال، مضيفاً: «بعد ذلك اتضحت التجربة، تحديداً عام 1988، حين أقمت أول معرض فردي لي في جامعة تشرين وكان يضم تقريباً مئة عمل خشبي بأحجام مختلفة ومواضيع إنسانية متنوعة، وهي تجارب بسيطة وعفوية إذ لم تكن تجربتي صقلت تماماً، ولم تكن رؤيتي الإبداعية اكتملت، إلا أني استطعت من خلال هذا المعرض جمع أفكار وآراء كثيرة ساعدتني في تصحيح الأخطاء من خلال النقد الفني البنّاء لأعمالي النحتية».

يشير ماهر إلى أنه بدأ العمل أولاً في إطار من الكلاسيكية، قبل أن يتحوّل إلى أسلوب التعبيرية التجريدية الذي يعتمده حتى الآن بالأسلوب نفسه، مع اختلاف التقنيات، إذ انتقل إلى مرحلة تقنية جديدة بدأ فيها بمزج الحديد والحجر مع الخشب. كما اشتغل على مجموعة من أعمال الحديد المستقلة تماماً بأحجام مختلفة. وشكلت هذه الأعمال نقلة نوعية في اشتغاله الفني إذ يعرض أحد هذه المجسمات النحتية اليوم، وعلى نحو دائم، في مدينة المعارض الجديدة في دمشق، وارتفاعه ستة أمتار ونصف متر، ويجسد عدة وجوه متراصفة تنظر في سائر الاتجاهات.

يقول: «تأثرت بالفنان السوري سعيد مخلوف، شيخ النحاتين السوريين، قبل أن أخط لنفسي نهجاً خاصاً وأسلوباً متفرداً يميّز أعمالي عن سواها في الوسط الفني. وأسعى في كل مرحلة إلى ما يشبه عملية خلق جديدة أضيف عبرها عنصراً مغايراً وروحية خاصة تميز المرحلة الفنية التي وصلت إليها، فالنحت هو عملية خلق وإبداع متجددة».

أما المدة الزمنية التي يستغرقها لإنجاز العمل النحتي فتختلف وفقاً لنوعية العمل وحجمه، إذ يبدأ كل شيء بفكرة متخيلة تتحوّل لدى اكتمالها إلى حيز التنفيذ من خلال الاشتغال على الكتلة الأساسية للعمل بواسطة اليدين والإزميل والمطرقة، وقد يستغرق هذا العمل أو ذاك ثلاثة أيام أو أسبوعاً أو شهراً. فعلى سبيل المثال يعمل علاء الدين على مجسم لديه منذ عشر سنوات ولم ينتهِ منه إلى الآن.

يضيف علاء الدين: «مشروعي الراهن هو إعطاء دروس للأطفال بدءاً من الصفر، ففي النحت نوع من تفريغ الطاقات للصغار الذين أحاول تدريبهم على كيفية التعامل مع الكتلة والفراغ والإحساس بالأحجام الطبيعية للأشكال، وخاصة أن النحت يتعامل مع الأبعاد المختلفة للجسم المشتغل عليه والتي تتطلب ملامستها جميعاً والإحساس بها. هذا المشروع يطور الأطفال شيئاً فشيئاً، كل بحسب عمره، فبعد التعامل مع الأبعاد يصار إلى صب العمل وقولبته وهذا فعل يهواه الطفل عامة. كما أن هذا المشروع يساعد في تنمية ذائقة بصرية للأعمال النحتية الموضوعة في الشوارع والمتاحف، وبالتالي إدراكها وفهمها عبر شرح مجموعة من المبادئ والأسس الأولية».

يستعمل ماهر لون الخشب الأساسي في أعماله ويضيف أحيانا بعض التعتيق بما يخدم الفكرة ويزيد من جماليات العمل النحتي، موضحاً: «النحت بالحجر أسهل من النحت بالخشب إذ نستخدم في الأول أدوات كهربائية للقص والحفر، أما النحت الخشبي فيستدعي استعمال الإزميل والمطرقة فحسب. لكن الخشب، ورغم صعوبة العمل عليه، يولد شيئاً من الدفء والحميمية، أما الحجر فهو بارد تماماً».

يلفت إلى أنه اشتغل حديثاً على عملين فنيين من وحي الأزمة، أحدهما عنوانه «طائر الحرية العفن» وهو عبارة عن طائر يشبه الطيور الجارحة صنعه بطريقة خاصة مدخلاً عليه بعض ألوان العفونة للتأكيد على الأفكار العفنة للعصابات الإرهابية والتي تنادي بها طوال الوقت، إضافة إلى عمل آخر عنوانه «داعش مرت من هنا» وهو عبارة عن رأس إنسان أحرقه إلى درجة التفحم بعد الانتهاء منه ليعرضه أخيراً بهذا الشكل، كدليل على همجية التنظيم الإرهابي.

حول المشهد الثقافي يقول: «ثمة حضور فني تشكيلي واسع في المحافظة ونشاط للمقاهي الثقافية التي ساعدت في تنشيط الحركة الفنية، إلاّ أن المحافظة تفتقر إلى صالات العرض وإلى مرتاديها على حد سواء ما يستلزم عملاً جاداً ودؤوباً لتغيير هذا الواقع.

الفنان ماهر علاء الدين من مواليد عام 1961، له أكثر من عشرين ألف عمل موزعة في كل من دمشق وحلب وألمانيا واليابان واليونان وقبرص والجزائر وتونس ولبنان ومصر والبحرين ودبي والكويت وسواها، إضافة إلى عشرة أعمال تقتنيها وزارة الثقافة في دمشق، وعملين في المتحف الفني الحديث في اللاذقية كما شارك حديثاً في ملتقى نحتي في ألمانيا بالتعاون مع الفنانة هيام سليمان.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى