قصائد لسوزان عليوان ترثي مدن الطفولة

صدر للشاعرة اللبنانية سوزان عليوان ديوان عنوانه «الحب جالس في مقهى الماضي». والشاعرة عليوان من مواليد بيروت سنة 1974، من أب لبناني وأم عراقية الأصل، تخرجت عام 1997 من كلية الصحافة والإعلام من الجامعة الأميركية في القاهرة. بسبب الحرب في وطنها، أمضت سنوات طفولتها وشبابها بين الأندلس وباريس والقاهرة. من أعمالها «عصفور المقهى» و«مخبأ الملائكة» و«لا أشبه أحدا» و«شمس مؤقتة» و«ما من يد» و»كان اسمه الحب».

يبدأ ديوان «الحب جالس في مقهى الماضي» بما يشبه الاعتراف، تقول عليوان: «أغني لعلني أولد/ أغني لأنني أموت. أغني كأنني لم أولد/ أغني وكأننا لا نموت»، وفي الصفحة الأخيرة بعد عشر قصائد، هي مجمل الديوان، سيكون القارئ أمام حقيقة أن «الجنود دمى من رصاص/ والرصاص رصاص/ والدم دم».

الديوان الجديد فضاء شعري وإنساني يضاف إلى مجموعات شعرية تواصل عليوان إصدارها منذ نحو عشرين عاماً بدأب وحنو على القصيدة. وقد يرى القارئ الديوان الواحد أحياناً قصيدة واحدة، وقد يرى الدواوين نفسها قصائد ممتدة تحتفظ بروحها ويؤدي سابقها إلى اللاحق.

لكن الشجن، وربما الأسى، يفرضان مساحة نفسية أكثر اتساعاً وعمقاً في الديوان الجديد، بدءاً من القصيدة الأولى «رسالة عيد الميلاد» حيث «لا مطر لأغسل سقوط العالم/ لا غربة أعمق من أن أحبك على عكاز-بخطوتين دون الأربعين/على درب معتدة بضلوعي/ لأشياء لا تعرفني أفني/ لعلني أعرف كيف ينهض طائر من رمادك».

على غلاف الديوان لوحة رسمتها الشاعرة «من وحي ملاك مرسوم بالطبشور الأبيض على جدار في باريس، لفنان مجهول». وهو في 159 صفحة قطعاً كبيراً وصدر على مألوف الشاعرة عليوان، على نفقتها الخاصة.

سوزان عليوان على سفر دائم. قلبها حقيبة، روحها كومة مفاتيح وأقفال. تكتب، ترسم، وتحلم أحياناً. والشاعرة التي تتكرر في قصائدها ولوحاتها تنويعات من مشاهد غربة ودهشة دائمة، ولدت في بيروت وعاشت جزءاً من طفولتها إبان الحرب الأهلية التي اندلعت عام 1975. وبروح الطفولة تصف العاصمة الفرنسية في قصيدة «الزهرات العواتم» قائلة: «باريس مطر يتساقط/ ليل موحل/ شوارع ممحوة/ شجر فاحم لفرط وحشته/ بلعب الورق يتسلى باريس مطر يتساقط/ وها هم يسقطون معاً… الطغاة والأطفال المطمورون بثلج الطريق». لكن باريس ليست صورة ثابتة وجامدة لمدينة بل هي أكثر من مدينة، ففي قصيدة «ملائكة الألوان المائية» تقول عليوان: «باريس عربة هدايا تضيء أعيننا؟». وتقول في مطلع قصيدة «كلما أهديتك كوكبا»: «الرابعة والربع فجرا/ بيروت بعد المطر… شوارع بعيون غرقى/ ليل مورق بإشارات مرور/ كلب يتعكز على كتف ظله/ بائعة مناديل/ بسبات مصطبة على رصيف/ رق الحبيب/ وأشواق بإلحاح أطفال متشعلقين بأكمامي». والقصيدة نفسها تحتفي بأغنية «رق الحبيب» التي لحنها محمد القصبجي وكتب كلماتها أحمد رامي وكلاهما عاشق صامت لأم كلثوم، وتتضمن بيتاً جميلاً هو «من كتر شوقي سبقت عمري». وتستمرّ روح الأغنية مع بطلة القصيدة في تيه مدينتها فتقول في نهاية القصيدة: «منذ مطلع الأغنية وأنا في رجاء رسالة/ والنجوم أكف على أحبار تلوح تماماً كما يرسمها الصغار. من أدعو إلى طاولتي والأرق قطار فارغ؟ / لشبح القصبجي مقعد شاغر. عروش في روحي لرامي الذي عاش عاشقاً ذليلاً. نصف الحكاية دمعة. كل الحكاية -وجهك الذي لا يرويه نهر- وضحكة مدينة لا تتذكر أحداً».

سوزان عليون فنانة تشكيلية أيضاً تقول عن الرسم: «أنا لست رسامة. أرسم لأنني أحبّ الرسم ولأن هناك من يحبّ رسومي، تماماً مثلما يرسم الأطفال وللأسباب نفسها. شعري ورسمي يحملان رسالة واحدة، لكن الأول ينطق باللغة فيما ينطق الثاني بالألوان. الأول يحمل قلماً فيما يحمل الثاني فرشاة. الشعر والرسم هما يداي اللتان تحلمان بالنور وتسعيان معاً، وبالحرارة ذاتها، إلى إضاءة الشموع الصغيرة في عالم مظلم وظالم. أومن بأنّ الصفاء، وجدانيّ وذهنيّ، ينبع من أعماق الإنسان، ليس من ذاكرته ولا من أمله في المستقبل، إنّما من تفاعله مع لحظته في العالم وفاعليته في الحياة. هو نعمة من عند الله بالدرجة الأولى. كما أنّ هناك معادلة لا بدّ من توازنها كي تشفّ الروح، أي أن يقترب الإنسان قدر الإمكان من تصورّه عن نفسه. منذ طفولتي وأنا أعرف ما أريده في حياتي وأسعى إلى تحقيقه. بين ذاتي وبيني صداقة قديمة وحميمة. بيننا مكاشفة ومصارحة ومحاسبة دقيقة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى