حرب عالمية ثقافية داخل حرب غزة

يوسف المصري ـ «البناء»

داخل القرية العالمية ذات الطفرة المعلوماتية، كانت غزة طوال الأيام الماضية في موقع القلب. كانت مركز الحدث في هذه القرية التي تتفاعل كل ثانية ضمن منظومة مليارات المعلومات الصادرة والمتلقية عبر المجال السيبيري الفايسبوك والتويتر، الخ… والاستنتاج الرئيس مما حصل، هو أنه لم يعد ممكناً حجب جرائم الحرب لأسباب عنصرية. ويشكل هذا الواقع الجديد، أحد أبرز الجبهات الجديدة التي منيت عليها «إسرائيل» بهزيمة في حربها الراهنة ضد غزة. لم تكن «إسرائيل» غافلة عن أهميتها على نحو ما هو موجود عند العرب. لقد أعدت العدة لها فتسعون في المئة من مجال السينما والإعلام الأميركي يسيطر عليه يهود احتفظوا داخل إنسانيتهم بميول عنصرية صهيونية. هؤلاء في أيام حروب «إسرائيل» لقتل الفلسطينيين لا يعودون مجرد نخبة الفن العالمي، بل يصبحون شركاء في صناعة مشهد سفك الدم الفلسطيني على أرض الواقع في غزة وعلى حاجز قلندوة وداخل مخيم جنين وحي الشجاعية الخ… يقفز هؤلاء كجزء من طواقم الاحتياط الذين يستدعيهم القرار رقم 8 «الإسرائيلي» تعبئة الاحتياط إلى مركبات مدججة بسلاح تسويغ قتل الفلسطيني عالمياً، ليمارسوا انطلاقاً من مواقعهم المسيطرة على شركات صناعة السينما كفوكس وميترو وبيرامونت الخ… ، تزويراً أخلاقياً وإنسانياً للحقائق. هذه المرة شهدت هذه الجبهة الثقافية العالمية انتفاضة على رأس المال اليهودي المتحكم بصناعتها في الغرب. صحيح أن اللوبي اليهودي نجح لحد ما في مطاردة ارهاصاتها فضغط حيث استطاع وقرصن حيث نجح في اختراق مواقع إلكترونية. وأحداث الحرب على جبهة الثقافة العالمية المكملة للحرب السياسية والعسكرية في غزة مليئة بدلالات الهجوم الصهيوني المعاكس على هذه الجبهة: النجمة العالمية مادونا غردت على التوتير خاصتها «إنها تهدي الورد لأطفال غزة الذين لا يستحقون الموت». ثم صححت !؟ كلامها بعد أن هددها «جنرالات» الثقافة والفن اليهود. النجمة سيلينا غومز دعت للصلاة من أجل الفلسطينيين ثم تراجعت إذعاناً للضغوط. وثمة مئات النماذج الأخرى، وكلها تدلل على يقظة الضمير العالمي بفعل أن الصورة والمعلومة تحررت من حبسها بفعل الطفرة المعلوماتية، ولكن بالمقابل فإن العرب لا يواكبون موجبات هذه الجبهة الأكثر إيلاماً من الجبهتين السياسية والعسكرية.

… انتصار غزة هذه المرة عالمي – ثقافي بالإضافة لكونه فلسطينياً ومهدياً لجيل جديد من حركة المقاومة الفلسطينية قضية وأسلوباً. وأبلغ خلاصة تقدمها تجربة إرادة غزة عام 2014 هي أنها أخذت «إسرائيل» إلى مرآة عالمية تبين بشاعة وجهها ليس فقط منذ نشأتها كدولة إجلائية عنصرية، بل أيضاً منذ أن توسل مبتدعوها قضية تضخيم المحرقة من أجل تغطية قتل «إسرائيل» للفلسطينيين. المفكر الفرنسي غارودي أعرب عن هذا المعنى حتى الكوميدي الأميركي من أصل يهودي جون ستيوارت انتقد تزييف الإعلام الأميركي الذي يسيطر عليه أبناء جلدته، لأحداث غزة. وكان الأقل انتقاداً من اللوبي اليهودي على موقفه، ربما لأنه يهودي. والأهم من بين كل هذه المشاهد، أن السائرين في تظاهرات الولايات المتحدة الأميركية دفاعاً عن غزة لم يكونوا كلهم هذه المرة عرباً فقط. نسبة عالية منهم كانوا أميركيين من طلاب الجامعات الأميركية. بنى اجتماعية ونخبوية في الغرب انتفضت بمناسبة مقاومة غزة وانتفاضة الضفة الغربية ومدن الـ48، والمطلوب أن تستمر هذه المقاومة والانتفاضة حتى لا تضيع فرصة ربح معركة الجبهة الثقافية العالمية التي من الممكن أن تعوض للفلسطيني خسارته على الجبهة العربية الرسمية.

ما يحدث في غزة أكثر من جولة في معركة بل أكثر من حرب، إنها بداية تصحيحية للتاريخ الذي زوره الصهاينة في فلسطين. فهل نحن فاعلون. والسؤال الملح في هذه اللحظة هو كيف نصنع الوعي الإعلامي العربي لقضية غزة وفلسطين على الجبهة الثقافية العالمية. حذارِ من الاعتماد على تمويل البترو دولار لإنشاء حيثية عربية على هذه الجبهة… الأمل معقود على مبادرات عاجلة يقوم به المجتمع المدني العربي والإسلامي المتنور وقوى الأحزاب والتيارات والطلاب والنقابات.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى