مفاهيم النهج الثوري

وليد زيتوني

ربما أصبح الخوض في مفهوم الثورة مغامرة غير محسوبة على المستويين الفكري والعملي، نظراً إلى اختلاف الرؤى التي تتناوله، خصوصاً بعد الفورات الجماهيرية، والحراك السياسي الذي تناول مجتمعات عديدة في العالم، بعد إتمام الهيمنة والسيطرة الأميركية كقوة منفردة على الساحة الدولية. فالثورات الملونة في أوروبا وآسيا وأميركا الجنوبية، إضافة إلى ما سُمّي «الربيع العربي» قد أغدقها بمضامين أُخرى، جعلها تدور خارج مسارها الطبيعي.

فالثورة من حيث موقعها، هي فعل تغييري يستهدف الأرقى والأحسن والأفضل، بتنوّع الوسائل والأدوات والمناهج. غير أنّ التغيير بحدّ ذاته ليس عملاً ثورياً إذا لم يقترن بأهداف إيجابية لمصلحة المجتمع أو الدولة. الثورة إذن هي تغيير إيجابي، أما التغيير للتغيير فلا يمكن تسميته بالثورة. كثيراً ما يحصل التغيير لمصلحة القوى المحافظة، وفي حالات أخرى يؤدي إلى أوضاع أكثر تخلفاً وظلامية ورجعية، وهو ما يحصل الآن على مستوى العالم العربي.

أول مفاهيم الثورة هي وحدة الهدف الاستراتيجي ضمن منظومة توزيع الأدوار التكتيكية الملائمة للقدرة، على القوى الثورية المعنية إن كانت ضمن التنظيم الموحد، أو في إطار تحالف عريض. إن تعدّد الأهداف الاستراتيجية يجعل هذه القوى تفقد البوصلة وبالتالي تتشتت وتنقسم ومن ثم تتصارع في ما بينها لتصبح الثورة مجموعة من العصابات غير المنضبطة تؤدي بالتأكيد إلى خسارة الثورة.

ثاني هذه المفاهيم المسألة الاخلاقية، والمقصود هنا بالأخلاق كمنظومة للقيم الجماعية التي تتصف بها الثورة، ومن خلالها تتميز الثورة، إن كان لناحية السلوك العام أو لناحية فهمها للواقع وضرورة تغييره. فالثورة تستهدف الانتصار بالشعب وليس على الشعب وبالتالي العمل بالأوساط الشعبية. وهذا ما يتطلب فهماً دقيقاً لكيفية الإفادة من القيم الإيجابية، والعمل على التخلص من العادات والأفكار والتقاليد الدخيلة التي لا تتناسب مع أهداف الثورة. فالحرية والنظام والواجب والقوة مجتمعة تشكل رافعة لتحقيق المثل العليا المتمثلة بالحق والحقيقة والخير والجمال. إلا أن الاستدمار الغربي وبأشكاله القديمة والحديثة كافة، عمل ومن خلال إعلامه على تدمير قيمنا وأخلاقنا، واستبدالها بقيم تؤمن مصالحه المادية والسياسية والعسكرية. ولم اقصد بالإعلام هنا الإعلام المباشر على رغم أهميته وإنما بالوسائل القديمة والحديثة التي يمتلكها. فمن المثل الشعبي الذي يدعو إلى الخنوع، ومحاباة الأقوى إلى الرواية والأدب الهادف، وصولاً إلى السينما ذات المضامين الترميزية ومنها إلى العلوم المزيفة للواقع كالانتروبولوجيا والاتنولوجيا وبعض العلوم الإنسانية الأخرى، سياق واحد محكوم بأمر عمليات تمهيدي يستهدف ضرب كل ما يمت إلى قيمنا الإيجابية وحضارتنا. بل في حالات كثيرة يستهدف سرقة هذه الحضارة لوسمنا بالتخلف، وجعلنا نلتحق بقشور حضارته.

أما ثالث المفاهيم، ويرتبط بالمفهوم الثاني بشكل عضوي وينبع منه، ألا وهو الأنانية والغيرية. فالثوري هو من يعمل للمشروع، أو لهدف الثورة الأساس، وعلى هذه القاعدة يكون النضال والاندفاع بعيداً من أي مكسب شخصي. ولعل الفداء هو أروع وأعلى الأمثلة على الغيرية. هذا لا يلغي الطموح الفردي متى كان طريقاً حقيقياً لدفع الثورة إلى الأمام. أما الانكفاء عن العمل لدواعي تقدم الآخر فهي أنانية وليست طموحاً. إن الثورة تتسع لجميع مناضليها كل بحسب قدرته، وكل لدور يلعبه من أجل انتصارها.

إن مأسسة الثورة ضرورة يفرضها العمل لأجل التنظيم، وبالتالي المسؤولية تكون على قاعدة التكليف لا التشريف. لأن الثورة العظيمة تتطلب أخلاقاً عظيمة، كما أن أكتاف المناضلين أكتاف جبابرة، وعلى هذه الأكتاف الصامدة الصابرة تنتصر الثورة. من هنا يكون التنافس على الإدارة وليس على السلطة هو قاعدة لمشروع واضح المعالم، بيّن السبل، نقيّ الخطوات، شفاف كعين الشمس.

نحن مدعوون الآن، وأكثر من أيّ وقت مضى، لنستعيد حالة النقاء الثوري، ونترهبن كل بحسب قدرته على العطاء.

مدعوون إلى أن نستعيد ثقافتنا ومفاهيمنا من الزيف الخارجي.

مدعوون إلى أن نسترجع قوتنا بالتضامن والدفاع عن بعضنا بعضاً.

مدعوون إلى الجهاد مجدّداً، لأنّ الزمن، زمن صراع، وأمتنا بين الموت والحياة. فلنكن أمل الأمة.

عميد ركن متقاعد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى