قصة الهزيمة في غزة: وداعاً نتنياهو

يوسف المصري ـ «البناء»

دخل العدوان «الإسرائيلي» على قطاع غزة لحظة استنتاج نتائجه على رغم أنه لا يزال مستمراً أو هو في حالة نزاع واحتضار كما تظهر مواكبة التعليقات «الإسرائيلية» عليه، سواء الإعلامية أو السياسية أو العسكرية.

أبرز الخلاصات الاستراتيجية على المستوى العسكري التي برزت تتوزع على ثلاث نقاط رئيسة ترصد المرحلة الجديدة التي دخلها الأمن «الإسرائيلي» بمواجهة نهج المقاومة:

الأولى، تفيد بأن مقاومة غزة نقلت المواجهة العسكرية إلى الأرض المحتلة التي يسميها الإعلام أرض «إسرائيل». وعملية نحال عوز التي هاجم خلالها المقاومون الفلسطينيون موقعاً عسكرياً «إسرائيلياً» وقتلوا خمسة من جنوده، كانت التعبير الأبرز عن هذا المستجد.

الثانية، نجاح المقاومة في إقفال مطار بن غوريون، ما يعني أن «إسرائيل» مكشوفة أمام صواريخ المقاومة، على رغم ما أدعته عن فعالية القبة الحديدية كإجابة استراتيجية على هذا النوع من التحديات.

الثالثة، هي قدرة المقاومة على جعل الجيش «الإسرائيلي» يدفع ثمناً باهظًا من جنوده ليس فقط عندما يحاول التقدم على الأرض بل بمجرد إبداء استعداد لوجستي لتنفيذ سيناريو بري. ومعركة غزة ضمن هذه الجزئية أصابت هيبة الجيش «الإسرائيلي» وأثخنت روحه المعنوية بجراح يصعب اندمالها.

ويلاحظ أن كل هذه الرسائل وصلت خلال الأيام الأخيرة لكل المستويات «الإسرائيلية» إعلامية وعسكرية وسياسية . وتم التعبير عنها في الإعلام من خلال وسائله المكتوبة و المرئية والمسموعة، كفت عن إطلاق تسمية «الجرف الصلب» على عدوان الجيش «الإسرائيلي» على غزة، وبدل ذلك أصبحت تستعمل مصطلح «حرب غزة». وداخل المستوى السياسي تم أيضاً الإعتراف المكتوم بإنجازات المقاومة الاستراتيجية المضافة، وتم التعبير عن ذلك ما تسرب للإعلام «الإسرائيلي» عن أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو طرح على الحكومة المصغرة عشية إطلالته مع وزير دفاعه ورئيس أركانه للإدلاء ببيان سياسي عن الحرب، سيناريو إعادة إحتلال غزة. ولكن أحداً من الوزراء لم يوافق عليه، حتى أولئك الذين يخرجون صباحاً ومساء على الإعلام مطالبين نتنياهو بأخذ قرار احتلال غزة. وتظهر هذه التطورات أن الاعتراف «الإسرائيلي» الضمني بهزيمة غزة أصبح واقعاً معاشاً في غرف القرار السياسي «الإسرائيلية» المغلقة. وكل الجهد الآن يتطلع لإيجاد مخرج لإخراج تل أبيب من مآزقها الغزاوي بقدر أقل من الخسائر الاستراتيجية العسكرية والسياسية. وأجمع قسم كبير من المحللين «الإسرائيليين» خلال الأيام الثلاثة الأخيرة على أن المستوى السياسي «الإسرائيلي» بات يتطلع إلى الجيش «الإسرائيلي» ليقدم إليه السلم الذي يمكنه من النزول عن شجرة أزمة غزة. ويبدو أن الجيش العالق في مصيدة عمليات المقاومة الفلسطينية عند جدار قطاع غزة، لم يتأخر في تلبية هذه المهمة فخلال الساعات الـ 48 الأخيرة، سرب مصدر عسكري كبير في الجيش «الإسرائيلي» للإعلام موقف الجيش مما يحدث ورؤيته لما يجب فعله تجاه تطورات حرب غزة وقوامه: إما إصدار أوامر له بتوسيع الهجوم داخل القطاع أو أوامر بالانسحاب وطي ملف الهجوم البري وبالتالي كل هذه الحرب. وكان واضحاً أنه تم تقصد تسريب هذا التقدير للإعلام حتى يسهل مخرجاً للقرار السياسي بإصدار أمر الانسحاب لأن الجيش يعرف مسبقاً أنه لا يوجد داخل الحكومة المصغرة أي وزير يريد إعادة احتلال غزة. وبغية جعل خيار الانسحاب هو كل المطروح على طاولة الحكومة المصغرة، وأضاف المصدر العسكري مطلباً تعجيزياً يفيد أنه في حال تم إقرار توسيع الهجوم البري، فإن على المستوى السياسي أن يضع في اعتباره أن الجيش سيكون مضطراً لتبديل كل جنود الاحتياط الذين تم استدعاؤهم ليرابطوا عند جدار غزة منذ نحو أكثر من عشرين يوماً بانتظار أوامر الهجوم. وهنا يتحدث المصدر عينه عن حركة تنقلات واستدعاءات تشمل على نحو 70 ألف جندي احتياط الأمر المكلف مادياً وزمنياً.

وتتجه «إسرائيل» منذ نحو ثلاثة أيام لتنفيذ سيناريو الانسحاب تحت ستار من المجازر ضد مدنيي غزة. وبحسب مصادر متقاطعة فإنه هذه آخر ورقة تملكها «إسرائيل» في ظل موازين جديدة سياسية وعسكرية وداخلية ودولية في غير مصلحتها.

فوضى سياسية

يوم الثلاثاء الماضي قررت إدارة أوباما الخروج من صمتها إزاء غضبها من نتنياهو. الرئيس الأميركي هاتفه قائلاً: «أنت لست في وضع يسمح لك باختيار الوسطاء». جرت هذه المهاتفة على خلفية تباين واشنطن وتل أبيب بخصوص دور القاهرة في وقف النار في غزة. نتنياهو يريد مصر للاستثمار في خلافها مع حماس، كيري متحمس لدور تركي – قطري يفضي إلى قيام الأخيرة بتمويل مشروع مارشال في غزة في إطار تسوية لاحقة أشمل، إضافة لمواقف مضمرة من العملية السياسية في مصر. في هذه الأثناء كان الجيش «الإسرائيلي» بدأ يستنفد رصيد المهلة الزمنية الدولية المعطاة للحكومة «الإسرائيلية» لإنجاز أهدافه. وفي غضونها حصل الاتصال الآنف ذكره لأوباما بنتنياهو ليذكره بأن عليه وقف إطلاق النار فوراً، مؤكداً له ضمناً أن كيري هو من يختار الوسطاء وليس أنت لأنك عسكرياً لست في موقع من يقرر من هو الوسيط. وكرد على الإهانة الأميركية قرر نتنياهو تسريب ما أسماه بخطة كيري للحل بهدف حرقها سياسياً، ووصفها الإعلام «الإسرائيلي» بأنها أشبه بخطة حماس. رد كيري بأن ما عرضته «إسرائيل» ليست مبادرة بل مذكرة تشاور. لم يكتف كيري وقرر رد الصفعة عبر تسريب مضمون محادثة له مع نتنياهو تظهر أن الأخير هو الذي طلب مني أن أساعده على وقف النار. تلا ذلك تصعيد أميركي إضافي ضد نتنياهو تمثل بوقف واشنطن كالعادة وراء موقف لبان كي مون يطلب فيه وقف النار في غزة فوراً. من جهته، نفى نتنياهو تسريبات كيري عن طلبه وقف النار، وكرد على مجمل الهجمة الأميركية عليه خرج برفقة وزير دفاعه ورئيس أركانه لإعلان موقف رسمي قال فيه إنه مستمر بالحرب. معلق التلفزيون «الإسرائيلي» تقصد أن يفسر خلفية إطلالة نتيناهو عندما لخصها قائلاً: قال نتنياهو لأوباما لقد سمعتك… ولمون لقد سمعتك، ولكنني ذاهب للحرب.

القصة على الجانب الفلسطيني

جرى اجتماع باريس في شأن غزة مع تقصد عدم دعوة مصر ولا حتى أبو مازن إليه. رد الأخير بزيارة قام بها إلى الرياض. وفي غزة ورام الله اقترب موقفهما بعد رسالة مؤتمر باريس التي توحي بأن هناك رغبة بالعودة بالوضع الفلسطيني إلى ما قبل الاعتراف الدولي بمنظمة التحرير الفلسطينية. حتى القاهرة اقتربت من فكرة التعاطي إيجابياً مع طرح تشكيل وفد مشترك فلسطيني يضم حماس والجهاد الإسلامي برئاسة أبو مازن يأتي إلى القاهرة لدراسة تعديلات على المبادرة المصرية. شعر خالد مشعل الموجود في الدوحة أن التطورات تسبقه، اتصل بأبي مازن سائلاً عن ضمانات الذهاب إلى القاهرة، أجابه: «كيري اتصل به وأبلغه أنه مع رفع الحصار عن غزة». عندها وافق مشعل على الذهاب بوفد مشترك إلى القاهرة. ومنذ يوم الثلاثاء تواجه عملية تشكيل الوفد تحديات قررت القيادات الفلسطينية التكتم على أسبابها، خصوصاً بعد السجال الإعلامي الذي حدث بين حركتي حماس وفتح حول حقيقة أن الأولى وافقت على هدنة إنسانية لأسبوع. في معلومات لـ «البناء» أن الاتصالات لا تزال عند الوضع الحالي: حماس لم تتلق – حتى كتابة هذه السطور – بعد دعوة رسمية للذهاب ضمن الوفد من القاهرة القاهرة تعتبر أن مسألة فتح معبر رفح هي قضية مصرية فلسطينية خالصة ولا علاقة لها بمطالب المقاومة بفك الحصار المقصود به المعابر الستة بين غزة و»إسرائيل». تقول القاهرة إن محادثات ترتيب آليات فتح معبر رفح بشكل مستديم كانت جرت قبل أحداث غزة وتم الاتفاق بالمبدأ على الخطوط العريضة، ولكن كان يتم انتظار تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية من أجل وضع الترتيبات على الاتفاق الذي وافقت عليه جميع الفصائل الفلسطينية، غير أن حرب غزة عطلت هذا السياق. المصريون يريدون أن تشرف قوات فلسطينية تابعة لأبي مازن على الأمن في معبر رفح.

إلى أين تذهب حرب غزة؟

بغض النظر عن المشاحنات الدولية والإقليمية المتصلة بها، فإن النتائج المنظورة منذ الآن تؤكد التالي:

تأكد هزيمة الأهداف «الإسرائيلية» من خطة الجرف الصلب، المتمثلة بضرب الأنفاق كحد أدنى ونزع سلاح المقاومة كحد أعلى.

حكومة نتنياهو مقبلة على دفع ثمن الهزيمة داخل «إسرائيل». فكيري سيكون في لحظة تصفية حساب طويل مع نتنياهو، ومستوطنو منطقة غلاف غزة يعتبرونه مسؤولاً مع حكومته المصغرة عن إضعاف الجبهة الداخلية. اليمين المتطرف سيزايد عليه مدعياً أنه هو الذي جبن بعد أن أمر الجيش بالتحرك إلى حدود غزة وبدلاً من توجيه أوامره له بدخول القطاع أبقاه منتظراً تحت مطر قذائف الهاون للمقاومة، مما تسبب بالخسائر الفادحة بين صفوفه.

الجيش «الإسرائيلي» سيعلق أيضاً فشله على شماعة غباء نتنياهو.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى