الديمقراطيّة الغربية الموعودة: ليبيا نموذجاً

حميدي العبدالله

عشية قيام دول الناتو بغزو ليبيا وإسقاط نظام القذافي، لم تفصح هذه الدول عن دوافعها الحقيقية التي دفعتها إلى التخلص من نظام القذافي، رغم تعاونه الواسع مع الغرب. ومعلومٌ أن الهدف الحقيقي هو السيطرة المطلقة على ليبيا ونهب ثرواتها، خاصة ثروتها النفطية، وتقاسمها بين الدول الغربية التي شاركت في العدوان، تحديداً الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، بل ادعت أنها سعت إلى إسقاط القذافي لتحقيق الديمقراطية وإقرار حقوق الإنسان، وإقامة نظام عادل بديلاً من نظام ديكتاتوري حكم ليبيا منذ عام 1969 حتى لحظة سقوطه على يد «الناتو».

لكن ما يحصل الآن يؤكد عدم صحة ما روّجت له الحكومات الغربية والإعلام العربيّ الناطق باسمها والمعبّر عن مصالحها وسياساتها؟ ما يحصل الآن في ليبيا هو فوضى مسلّحة، إذ تتقاتل الميليشيات المسلحة للسيطرة على مقدرات ليبيا، ويدور القتال في المناطق المكتظة بالسكان مخلّفاً ألوف مئات الجرحى والشهداء. كما تحوّلت ليبيا إلى غابة من السلاح وتحكم شريعة الغاب العلاقة بين الفصائل المسلحة، فللأقوى الكلمة العليا. حولت هذه الصراعات حياة المواطنين إلى جحيم، وأمست الديمقراطية الموعودة كابوساً وأسوأ من أي ديكتاتورية حتى لو كانت ديكتاتورية غاشمة ومتخلّفة مثل تلك التي ميّزت عهد القذافي.

الأخطر في كل ما يحصل في ليبيا الآن، ليس أنه لم يؤدّ إلى الديمقراطية الغربية الموعودة وحوّل حياة المواطنين الليبيين إلى جحيم فحسب، بل إن الصراعات المسلحة التي تودي بحياة ألوف الشبّان والآمنين لا نهاية لها في وقت قريب، وهي تضع الأطراف التي سعت إلى إسقاط الدولة الليبية، بما فيها الحكومات الغربية وحكومات المنطقة التي تعاونت معها لإسقاط القذافي وبعض الأطراف الليبية التي كانت واجهت غزو الناتو، أمام خيار من اثنين:

ـ الأول غزو بري غربي لليبيا لمواجهة الميليشيات والجماعات المسلحة، وهذا ما تقدمت به رسمياً الحكومة الليبية الراهنة إلى مجلس الأمن. وبديهي أن الغرب لن يتورط في غزو بري، بل من الصعب عليه ممارسة عدوان من الجو في ظل تداخل مواقع الجماعات المسلحة المتصارعة.

ـ الثاني ترك الصراعات تأخذ مداها، ما يعني أن ليبيا سوف تعيش عقوداً في الفوضى المسلحة، على غرار ما حصل ويحصل إلى الآن في الصومال، ولكن الخطير في ليبيا أنها أقرب إلى أوروبا وهي تشكل في موقعها الجيوسياسي تهديداً لدول مركزية في المنطقة تشهد اضطرابات حادة مثل مصر والسودان ومالي والجزائر وتونس، ما يعرض مصالح الغرب ودول عديدة للخطر. وبالتالي، بات واضحاً الآن مدى الانتحار في خيارات الغرب القائمة على فكرة الاستحواذ المطلق، وعدم التعايش حتى مع أنظمة لطالما قبلت بأن تحافظ على مصالحه… شرط القبول بها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى