بين الاقتصاد الوطني والوطنية الاقتصادية

عامر نعيم الياس

استخدم مصطلح الاقتصاد الوطني خلال العقود المنصرمة للإشارة إلى مجمل الحركة الاقتصادية المنضوية في إطار الدولة الواحدة الموجّهة في غالبية الأحيان لحركة الاقتصاد الكلي في البلاد، كما استخدم المصطلح في بعض الدول للإشارة بشكلٍ ضمني إلى العدالة الاجتماعية واستملاك الدولة لوسائل الإنتاج في إطار ما يسمى بالقطاع العام، لكن التطور الذي حصل في المفاهيم الاقتصاية خصوصاً ما تعلّق بالعولمة والسيطرة الأميركية المطلقة على النشاط الاقتصادي العالمي واتفاقات التجارة الحرة التي زادت من ارتهان الجنوب لمصلحة دول الشمال وفرضت الرسوم على واردات الجنوب إلى الشمال فيما ألغيت بالاتجاه المعاكس بهدف تصريف البضائع وإغراق الأسواق. في مواجهة كل ذلك تحوّل مصطلح الاقتصاد الوطني شيئاً فشيئاً إلى ما معناه الاقتصاد المحلّي وبات من الملح حماية الاقتصادات الناشئة وحتى الضعيفة بما يمكن تسميته «الوطنية الاقتصادية»، وهو ما حاول الغرب الناهب طيلة العقود الماضية إخفاءه عن دولنا تحت ستار العولمة والسوق المفتوحة وساعدها في ذلك ليبراليون عرب مجندون لخدمة هذا الفكر الخبيث فكر «العالم قرية صغيرة»، وكمثال على ذلك نورد باختصار القوانين والمعايير الناظمة للوطنية الاقتصادية في كل من الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا:

الولايات المتحدة: على رغم أنها الأب الشرعي لمصطلح الاقتصاد المنفتح، وتعد الوجهة الأولى للاستثمارات الأجنبية إلا أنها وضعت قواعد لضبط شهية بعض الشركات الأجنبية وحماية مصالحها المتعلقة بالأمن القومي والبنى التحتية الحيوية. ففي عام 2006 أعطى الرئيس الأميركي الضوء الأخضر لشركة موانئ دبي الحكومية العالمية لشراء ستة موانئ أميركية، لكن الشركة تخلّت عن المشروع في مواجهة رفض الكونغرس ولجنة الاستثمارات الأجنبية التي تشكل رادعاً لحماية البلاد، وعن هذه الأخيرة تقول صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية «منذ عام 1975 تملك الولايات المتحدة لجنة وزارية تدعى لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة تتولى دراسة العمليات الاقتصادية كافة التي من شأنها أن تؤثر في الأمن القومي ولديها مهلة 75 يوماً لدراسة الاستثمارات التي تعرض عليها».

ألمانيا: عام 2008 اعترى الحكومة الألمانية قلق من محاولة بعض صناديق الثروة السيادية الأجنبية شراء بعض الشركات الألمانية، وأعطت الحكومة الصلاحيات كافة لمنع هذا النوع من العمليات، ولا سيما في مجالات «الدفاع والاتصالات، ويناط أمر دراسة المشاريع بوزارة الاقتصاد في مهلة أقصاها 60 يوماً» والكلام أيضاً هنا لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية اليمينية.

فرنسا: أصدرت السلطات الفرنسية قبل شهرين قراراً يوسّع سلطات الرقابة على قطاعات الاستثمار الأجنبي الذي يشمل خمسة قطاعات هي النقل والطاقة والمياه والصحة والاتصالات، ونقلت صحيفة «ليبيراسيون» عن وزير الاقتصاد الفرنسي ترحيبه بالقرار لأنه «يأتي في خدمة سيادة فرنسا والحفاظ على القطاعات الاستراتيجية».

إن القرار الأخير الصادر عن السلطة التنفيذية في فرنسا يتماشى مع الآلية الاقتصادية الناظمة لعمل اقتصادي ألمانيا والولايات المتحدة الأميركية، بما يكرّس مبدأ «الوطنية الاقتصادية» ضارباً بعرض الحائط مبدأ «دعه يعمل» الذي لا يجد صداه سوى في دول عالم ثالث تقدّم السياسي على الاقتصادي من دون الأخذ في الاعتبار الثابت القائم على الوطنية قبل كل شيء باعتبارها محور أي سياسي وأي اقتصادي.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى