هياج الإرهابيين بعد القسم… والطريق المسدود؟!

د. تركي صقر

كان متوقعاً أن يجنّ جنون الدول والقوى والجهات الداعمة للحرب الإرهابية في سورية لمجرّد الإعلان عن إجراء الانتخابات الرئاسية، فكيف بعد أن أجريت هذه الانتخابات بنجاح منقطع النظير وانتهت بأداء اليمين الدستورية وتوجت بخطاب القسم المدهش… ألا يكون هذا سبباً إضافياً لأن يُصاب مشغّلو الإرهاب الكوني في سورية بفقدان التوازن وهستيريا ما بعدها هستيريا. هذا ما حصل فعلاً حتى إبان أداء القسم وبعده، حيث أوعز هؤلاء لأدواتهم الإجرامية «الداعشية» وغير «الداعشية» أن توقف حروبها الداخلية وتضع خلافاتها جانباً وتصعّد عملياتها أنّى استطاعت لإحداث صدمات عالية التوتر من الجرائم والفظائع والأعمال الإرهابية بهدف صرف الأنظار عما أحدثه نجاح الانتخابات الرئاسية وخطاب القسم من تأثيرات عميقة ومفصلية في مجرى الأزمة السورية بعد أكثر من ثلاث سنوات من عمرها.

يخطئ من يظن أنّ ما جرى ويجري من تصعيد في العراق منفصل عن التصعيد الجاري في سورية ومخطئ من يعتقد أن «داعش» أو أيّ فصيل إرهابي آخر يتحركون من تلقاء أنفسهم، أو بعيداً من أوامر واشنطن وحلفائها في المنطقة، وتصريحات المسؤولين الأميركيين حول تصنيف الإرهابيين إلى متطرفين ومعتدلين وتسليح المعتدلين فقط محض افتراءات أميركية مفضوحة بدليل أنّ عملية اجتياح «داعش» الواسعة في العراق ما كانت لتتمّ لولا الضوء الأخضر الأميركي، وما كان ليتمكن هذا «الداعش» من الاستيلاء على أحدث انواع الأسلحة الاميركية المعطاة لوحدات من الجيش العراقي لولا الموافقة المسبقة من إدارة أوباما التي تعرف ان هذه الأسلحة ستنتقل معظمها الى الأراضي السورية بسهولة ويسْر، وبالتالي تقع في ايدي المتطرفين شاء من شاء وأبى من أبى.

ما كان «داعش» وغيره من أدوات التطرف التكفيري الوهابي الإرهابي لتهوج وتموج في مختلف المناطق السورية وضدّ الجيش العربي السوري في شكل جنوني، وبخاصة ما جرى بخصوص وحدة من وحدات الفرقة 17، وما جرى أيضاً في ريف حماة وجرود القلمون ومحيط دمشق وحلب ودرعا لولا ان توسّعت في العراق بزخم اميركي وسعودي وتركي ووضعت يدها على أموال طائلة من بنوك الموصل، وبسطت سيطرتها على أهمّ الحقول النفطية هناك، واستولت على كميات كبيرة من الأسلحة الثقيلة والمتوسطة من معسكرات الجيش العراقي تحت سمع وبصر منظومات عديدة من أجهزة الاستخبارات الاميركية التي لم تبرح العراق منذ الغزو الأميركي وحتى الآن، وزاد هذا التصعيد والهيجان بعد أداء القسم لتحقيق هدف غربي أميركي طالما تحدثوا عنه ألا وهو استعادة قوى الإرهاب لزمام المبادرة وتغيير ميزان القوى على الأرض لصالحها.

ومن المثير للسخرية ان تعلن واشنطن انها بصدد تزويد العراق بمروحيات ومقاتلات وصواريخ نار الجحيم هيل فاير لمكافحة «داعش»، بعد ان كان «داعش» قد اجتاح محافظات عراقية عدة وبعلم اميركا نفسها، بل وبعد ان تمكن من بسط نفوذه على أكثر من 120 الف كيلو متر مربع من أراضي العراق، وبعد ان أعلن دولة الخلافة الاسلامية وحصل على أسلحة كثيرة فعّالة نقل قسماً منها الى سورية، وهي أسلحة أميركية كما اشرنا سابقاً، وبذلك تلعب واشنطن لعبة مزدوجة كما عهدناها دائماً مما يؤكد انّ إدارة أوباما لم تكن جادة في محاربة الإرهاب، إن لم تكن هي التي تدير خيوط اللعبة وتحركات المنظمات الإرهابية في هذا المكان او ذاك والا ما تفسير ان تعلن مساندتها الحكومة العراقية في حربها ضد «داعش» في الوقت الذي تساند «داعش» ومثيلاته الأشد تطرفاً في سورية في شكل او آخر سراً وعلناً لوجستياً واستخباراتياً، ولم تعلن عن أي إدانة لما يقوم به من جرائم منذ بدء الأحداث في سورية وللعلم فقط فإنّ إدارة أوباما قبل أيام وبعد إدانتها بساعات القصف «الاسرائيلي» مدرسة تابعة لغوث اللاجئين في غزة ذهب ضحيته عشرات الأطفال أرسلت لجيش العدوان الصهيوني كميات كبيرة من الذخيرة لمواصلة عدوانه لتدمير غزة على رؤوس ساكنيها هذه هي سياسة المكر والخداع والتضليل الأميركية…

لقد بات واضحاً انّ «القاعدة» وتفرّعاته من المنظمات الإرهابية قد حوّلتها الإدارة الاميركية الى أذرع لها بل غدت هي الجيوش السرية للولايات المتحدة تستخدمها لتنفيذ سياستها في الشرق الأوسط كبديل عن جيوشها الجرارة وتدخلها المباشر وتعويضاً عن الفشل الذريع الذي مُنيَت به نتيجة التدخل العسكري المباشر وهنا لا تخسر واشنطن نقطة دم واحدة من جندي اميركي ولا تدفع دولاراً واحداً لتمويل الحروب الإرهابية فقد كلفت السعودية ودول الخليج الأخرى بفتح خزائنها وتمويل الحملات الإرهابية كلها ومهما بلغت التكاليف كما كلفت السعودية في شكل خاص بتجنيد ما سمّتهم المجاهدين من كل حدب وصوب من إندونيسيا الى موريتانيا مروراً بجمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية وجبال الشيشان وشحنهم بالفكر الوهابي التكفيري وبشعارات دينية مزورة ومقلوبة ولا تمت للإسلام الحنيف بصلة.

ان تهييج العصابات الإرهابية في دورة دموية جديدة هوجاء جاء انتقاماً من السوريين الذين عبروا من خلال إقبالهم الكثيف على انجاز الاستحقاق الرئاسي عن ولائهم المطلق لوطنهم وانتمائهم اليه وتمسكهم بدولتهم وسيادتها ومؤسساتها باعتبارها الملاذ وخشبة الخلاص من التكفيريين والارهابين وأصحاب المشروع التدميري للوطن والمستقبل وفي حين فشل هؤلاء في تعطيل الانتخابات الرئاسية يأملون بأن تؤدي دورة الإرهاب الدموية الجارية الآن الى شل التفكير باستحقاقات مرحلة ما بعد الانتخابات وقطع الطريق امام ترجمة ما جاء في خطاب القسم من رؤية متكاملة لتضميد الجراح وإعادة الإعمار والمضي في المصالحات الوطنية لتشمل الجغرافيا السورية كلها.

إن هذا التهييج لم يكن غائباً عن ذهن القيادة السورية ولم يكن بعيداً من حساباتها وهي التي وطنت نفسها للسيناريوات الأسوأ مدركة ان المعركة مع الإرهابيين ومشغليهم طويلة وأنها كلما حققت نجاحات على الصعيد العسكري والوطني في هذه المعركة صعدوا من جرائمهم وقد جرهم إفلاسهم الميداني في كل المواجهات إلى استخدام الأساليب الوحشية المتبقية في أيديهم وهي ارتكاب الفظائع بحق المدنيين وزيادة اعداد الشهداء والضحايا ورفع فاتورة التدمير والتخريب إلى الحد الأقصى تعطيلاً لدورة الحياة المعيشية والطبيعية للمواطنين.

لكن ما عجزوا عن تحقيقه طوال السنوات الماضية وكانوا بكامل الدعم والقوة والتضليل لن يستطيعوا تحقيقه بعد النجاحات الكبيرة على الأرض وبعد انكشاف خيوط المخطط كلها أمام أنظار الجميع وحدوث تحول شعبي ووطني كلي لمصلحة الدولة السورية وجيشها البطل والهياج الإرهابي الجديد طريقه مسدود ومحكوم عليه بالفشل كما فشل أكثر من مرة ولن يستطيع أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء ولن يستطيع أن يقطع مسيرة المستقبل التي رسمها خطاب القسم، فالمسيرة ماضية نحو أهدافها ولن تتوقف مهما كانت الظروف.

tu.saqr gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى