كيان يهتزّ… ومنظومات تتهاوى

معن بشّور

لن تستطيع حرب الإبادة الجماعية الصهيونية ضدّ الشعب الفلسطيني في غزّة، والمجازر المتتالية صباحاً ومساءً في حق الأطفال والنساء والشيوخ، ولا حتى الغارات الإجرامية على البيوت وعائلاتها، والأسواق وروّادها، والمدارس واللاجئين إليها، والأبراج السكنيّة وقاطنيها، أن تخفي المشهد الحقيقيّ للحرب الدائرة التي دخلت قبل أيام أسبوعها الرابع. مشهد يشي بأننا أمام كيان يهتزّ رغم «تفوّق» مدعوم أميركياً بالقوة النارية، وأمام منظومات داعمة له تتهاوى الواحدة تلو الأخرى، على غير مستوى، وفي غير منطقة من مناطق العالم.

أوّل المنظومات التي تتهاوى هي النظام الرسمي العربي، ولقيطته في إدارة «جامعة الدول العربية»، وهو نظام بدأ يكشف عمّا هو أكثر من عجز وصمت، بل عن تواطؤ وتآمر بات ممكناً معه القول إن الحرب على غزّة تكاد تكون باستثناءات ضئيلة – حرباً «عربيّة» رسمية بأيدٍ صهيونية، وأن أهدافها تمّ تحديدها في قصور ومقرّات عربية، وفي دوائر صهيونية وأميركية، وأن تمويلها، مثل تمويل سابقات لها من الحروب على الأمّة وأقطارها الكبرى، هو تمويل من ثروات وموارد عربية يخشى المتحكمون فيها من رياح الثورة والتغيير التي حملتها، ولا تزال، روح المقاومة المشتعلة في الأمّة.

الثانية في تلك المنظومات التي تتهاوى هي المنظومة السياسية الدعائية المغلفة بلبوس طائفية ومذهبية وعرقية، والتي حاولت أن تستبدل عدواً حقيقياً مزروعاً في قلب الأمّة لمنع وحدتها ونهضتها واستقلالها، بأعداء مصطنعين كلّ ذنبهم أنهم تمرّدوا على التبعية الاستعمارية، والإرهاب الصهيوني، وانتصروا لمقاومة الأمّة في وجه مغتصبي أرضها ومدنّسي مقدساتها وقتلة أبنائها ومصادري إرادتها.

ثالث تلك المنظومات هي المنظومة الإعلامية الغربية، وتوابعها من إعلام عبري بلغة عربية، فانكشفت كم هي زائفة مهنياً وسائل إعلامية دولية وعربية كبرى، وكم هي كاذبة لا تتحمّل مراسلاً يسجل مشاهداته، ولا تطيق مراسلة تعبّر عن ألمها أو تصرخ وجعاً في وجه جرائم يستحق مرتكبوها كل محاسبة وعقاب أمام أبسط محكمة ووفق بديهيات أي شرع أو قانون.

إن لانكشاف تضليل هذه المنظومة الإعلامية الغربية وتوابعها أيضاً مفعول رجعي يكشف حجم التضليل والتحريض الذي سبق أن مارسته تلك المنظومة قبل محرقة غزّة، وستمارسه اليوم وغداً، فمن يكذب يوماً يكذب أبداً، وهي حقيقة تستدعي من كلّ من وقع يوماً أسير كذبها في هذه القضية أو تلك، أن يراجع مواقفه بجرأة تامة، فالمراجعة حكمة نلجأ إليها في الملمّات، والتراجع شجاعة نحتاج إليها في الظروف الصعبة.

الرابعة في المنظومات المتهاوية هي الشبكة الواسعة من نخب إعلامية وثقافية واسعة ربطت أقلامها «وأفكارها» بآلة الإجرام الدموية الصهيونية فبرّرت للعدو عدوانه وأخفت مغالطاته السياسية والأخلاقية وراء إثارة تناقضات عابرة وتحريك أحقاد دفينة وإشعال صراعات ما تحكمت يوماً في شعب وأمّة إلاّ وقادتها إلى الانهيار.

أما الخامسة في هذه المنظومات فهي التي أطلق عليه زوراً اسم «المجتمع الدولي» والكثير من منظماته التي رفعت صوتها عالياً باسم حقوق الإنسان، وحقوق الطفل، وحقوق المرأة، فإذا بها تصمت صمت القبور أمام جرائم تنهش أجساد الأطفال، وتمزّق حرمة النساء العزّل، وتفتك بأرواح الشيوخ العجّز، وتستبيح أبسط حقوق الإنسان، بل أبسط القوانين والمواثيق الدولية والإنسانية، فأين هي حروب «التدخل الإنساني» التي حملت لواءها منذ أكثر من عقدين دول غربية لتبرير حروبها على شعوب وأمم مستضعفة، وأيّ حرب ضدّ الإنسانية أفظع من هذه التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزّة وضدّ أهلها.

السادسة في المنظومات التي تتهاوى هي منظومة الأفكار التي تمجّد القوة وتعتبرها حقاً، وتزدري حقوق الشعوب لأنها لا تملك القوة المطلوبة، فتريد ترسيخ ثقافة الاستسلام في مجتمعاتنا وفي مواجهة ثقافة المقاومة، متجاهلة أنه في الصراع بين موازين القوى وموازين الإرادات، تتآكل القوة وتتنامى الإرادة، خاصة عندما تتوافر للشعوب مقاومة باسلة ما لجأت إليها يوماً هذه الشعوب المقهورة إلاً وانتصرت بها.

السابعة في المنظومات المتهاوية هي تلك المحاولات بمختلف الوسائل والأساليب لحرف أمّتنا عن حروبها الحقيقة وإغراقها في احتراب واقتتال وتناحر أهلي يدمّر مجتمعاتها ودولها وجيوشها ويمزّق وحدتها ويحطّم العيش الواحد بين أبنائها ومكوّناتها، فإذا بالغالبية الساحقة من أبناء الأمّة تعي أخطار التطرّف الذي هو في النهاية من صناعة أهل التفريط ويهدف إلى التغطية على مخططاتهم ومؤامراتهم وارتباطاتهم.

لا تحقق الشعوب الانتصارات الصاعقة بين يوم وآخر، لكن في الحروب هذه تحقق المقاومة دائماً تقدماً يومياً على سائر جبهات المواجهة العسكرية والسياسية والإعلامية والثقافية والأخلاقية، وتحرز تراكماً يبدو كمياً ومحدوداً في بداية الأمر ثم ما يلبث أن يتحوّل إلى فعل نوعيّ يغيّر معادلات ويفتح للشعوب آفاقاً جديدة.

إنّه تماماً ما نشهده اليوم في غزّة وعموم فلسطين، ولن يكون بعيداً البتة اليوم الذي ستندم فيه «تل أبيب» وحلفاؤها والمتواطئون معها على قرارها «التورط» في الحرب على غزّة، وتكشف أن حربها ستنتقل من شوارع غزّة وأحيائها ومخيماتها ومستشفياتها ومدارسها ومنازلها لتصبح حرباً شاملة على مستوى الإقليم برمته، حرباً ستسقط فيها حتماً «المنظومة الأم» لجميع هذه المنظومات، أي المنظومة الصهيونية الاستعمارية، وستلمع في سماء الأمّة، ومعها الإقليم والعالم، نجوم الحرية والكرامة والعزّة، وتشرق شمس الانتصار على آخر قلاع العنصرية والإرهاب في العالم، بإذن الله.

المنسّق العام لتجمّع اللجان والروابط الشعبية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى