هل يغيّر فريق «14 آذار» موقفه من سلاح المقاومة؟

علي البقاعي

الموقف المميز لفريق 14 آذار، بجميع فصائله من «مستقبليين» و«قوّاتيين» و«أرزيين» و«مستقلين» ورؤساء وزراء سابقين ونواب وكتبة ومحللين ومذيعات ومذيعين، تأييداً للمقاومة في غزة وإدانة لجرائم القتل التي تمارسها آلة القتل «الإسرائيلية» حيال شعبنا في فلسطين، يستحق الثناء.

هذه التصريحات الوطنية والقومية الطيّبة حفزتني على إبداء العجب بصوت مرتفع كلما سمعت أحد المحللين السياسيين في «14 آذار» يهاجم المقاومة في لبنان ويتهمها بالعمل ضد مصلحة الوطن ويطالب بتسليم سلاحها ويمتدح في الحديث نفسه المقاومة في فلسطين وهي تمرّغ أنوف جنود «إسرائيل» وقادتها وتدمر دبابات الميركافا، تماماً مثلما فعل أبطال المقاومة اللبنانية قبل أعوام ثمانية في جنوب لبنان، مستخدمين الصواريخ عينها والقذائف والرصاصات والمواد الأولية ذاتها، ومردين جنود العدو ومزلزلين ثقة المستوطنين بقوة «جيش دفاعهم» ومرغمينهم على النوم في الملاجىء، وكان سلاحاً من المصدر نفسه، أي سورية وإيران. فكيف تكون المقاومة في لبنان «خيانة للوطن والأمة وتهديداً للمصير» وتكون مقاومة «إسرائيل» في غزة انتصاراً للأمة وعملاً بطولياً؟ وهل هناك نوعان من المقاومة؟ وهل هناك «إسرائيل» عدوة و»إسرائيل» صديقة؟

ألم يوقن هؤلاء بعد إنه العدو نفسه الحاقد الهمجي المجرم، بترسانته العسكرية، يستهدف الأطفال والنساء والشيوخ في مدارس غزة، وفي مدارس لبنان، ويدمر المستشفيات ومحطات المياه والكهرباء بالأسلوب ذاته في البلدين، وجنوده يعرفون، وخاصة «لواء غولاني» فخر صناعة القتل «الإسرائيلية»، أن الموت الزؤام ينتظرهم في كل زاوية وشارع سواء في شجاعية غزة أو في مارون الراس في جنوب لبنان؟ ألم يدرك هؤلاء إنه العدو نفسه يستهدفنا جميعاً بأقلياتنا وأحزابنا وتياراتنا ومذاهبنا لأن الأرض التي سرقها من شعب فلسطين لم تعد تكفي لاستيعاب ملايين اليهود فلا بد من مزيد من الأرض التي تحوي المياه والنفط والغاز والسهول والجبال وهذا متوافر كله في أراضي أمتنا وشطآنها وصحاراها.

أين أميركا صديقة هؤلاء؟ ولماذا لم تستخدم علاقاتها وسطوتها على العالم المسمى بـ«الديمقراطي» للجم «إسرائيل» وثنيها عن تدمير قطاع غزة؟ ولماذا لم يقطع حلفاؤهم من عرب أميركا علاقاتهم الديبلوماسية بـ«إسرائيل» أو على الأقل استدعاء من يمثلها في عواصمهم؟ ولماذا لم يتحرك مجلس التعاون الخليجي أو جامعة العرب لإصدار ولو بيان ضد همجية «إسرائيل»؟ أين سعود الفيصل الذي طالب ذات يوم بتدمير سورية بالصواريخ الأميركية؟ أين شيخ الفتنة المليونير يوسف القرضاوي وأين صلواته ودعواته؟! فليعلن «إسرائيل» دولة كافرة ويحلل قتل قادتها وضباطها وجنودها! أم أن «إسرائيل» دولة «أهل كتاب» إبراهيمية لا يجوز محاربتها وقتل جنودها مثلما يؤمن حقاً؟ وأين «موضوعيّة» نجوى قاسم في «العربية» و«اتجاه» فيصل القاسم «المعاكس» في «الجزيرة»؟

آن الأوان لمفكري «14 آذار» وفلاسفته وراسمي سياسته أن يوقنوا أن الشرق الأوسط الجديد الذي وضعت أسسه صديقتهم غونزاليزا رايس وأقنعهم به صديقهم جون بولتون لم يشملهم يوماً، وأن كل المحاكم والقرارات كانت بهدف ضرب المقاومة التي كسرت شوكة «إسرائيل» وأذلتها، وأن كل تواصل واجتماع ودعوة وزيارة ومبادرة يقوم بها الأميركيون في المنطقة هي لأجل «إسرائيل» ولأجل مصلحة «إسرائيل».

الوقت مناسب لأن يوقن قادة «14 آذار» أن المقاومة لا يمكن أن ترمي سلاحها أو تعيده حتى إلى مخازنه، بل إن الوقت أنسب ما يكون لتطوير هذا السلاح ومضاعفة جهوزية مقاتليها واستعدادهم، فالمؤامرة أصبحت أكبر وأخطر، ولم يعد الخطر متمثلاً بملايين المهاجرين اليهود إلى بلادنا فحسب، بل بات يتمثل بمئات ألوف المهاجرين من أنحاء العالم كافة تحت ستار الإسلام لإقامة «دولة الخلافة في العراق والشام» أو ما يسمى بـ«الدواعش» الذين يشاركون العدو «الإسرائيلي» مفهوم العداء للمقاومة الشريفة، وأن الخطر الآتي من يهود «داعش» سيكون بالقساوة نفسها، كذلك التدمير الآتي من يهود الخارج والمتمثل بآلة القتل «الإسرائيلية»، فكلاهما يريد طمس تاريخنا وتدمير إيماننا الديني ومثلنا الاجتماعية وموروثنا الثقافي، وكلاهما يعمل على إعادتنا إلى عصور ما قبل التاريخ، كلٌّ لأسبابه، والسبيل الوحيد لدحرهم وهزيمتهم وإعادتهم من حيث أتوا هو البندقية المقاتلة المؤمنة بحقنا في أرضنا وبدياناتنا السماوية المتآخية التي أفشلت مع حماة الديار مخططاتهم في سورية وستقضي على ما تبقى منهم عندما تحين الساعة لأجل أن تتفرّغ للمعركة الكبرى ضد «إسرائيل».

آن الأوان لأن يتوقف إخوتنا في المواطنية عن المكابرة والتنكر لواقعهم ومستقبلهم وأن يقفوا وقفة للتاريخ يعلنون فيها صوابية موقف المقاومة في لبنان وجدوى استراتيجيتها في الحرب ضد «إسرائيل» وأن العدو واحد يأتي كل مرة بلبوس جديد بينما عقيدته واحدة: «يهودية الدولة»، مرفقة بخطة للسيطرة على مقدّرات أمتنا وسحق إرادتنا وسرقة أرضنا وثرواتنا الطبيعية وتغيير تاريخنا ومسح جغرافيتنا وإعادتنا إلى عصور الظلام بكل ما للظلام من معان.

يقول أنطون سعاده «إن قضية فلسطين هي في عقيدة أمة حية وإرادة قومية فاعلة تريد الانتصار»، ويقول أيضاً «إن إنقاذ فلسطين هو أمر لبناني في الصميم، كما هو أمر شامي في الصميم كما هو أمر فلسطيني في الصميم. إن الخطر اليهودي على فلسطين هو خطر على سورية كلها، هو خطر على جميع هذه الكيانات». وفي مكان ثالث ورابع وخامس يقول إنه لا يمكن هزيمة هذا العدو إلاّ «بالبطولة المؤمنة المؤيدة بصحة العقيدة» لأن «صراعنا مع اليهود هو صراع وجود وليس صراع حدود»، وإن سلمنا هو أن يسلّم أعداؤنا بحق أمتنا في الوجود.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى