«الديمقراطية»… الكذبة الملعونة

ثائر أحمد إبراهيم

عدني أن تنصت قليلاً إلى محدثك عن «الديمقراطية»، وأعدك أن تتقافز في رأسك جميع رغباتك المقموعة لاستخدام أقذع الألفاظ ردّاً على هرطقات الحضارة المبهرجة.

ما عليك إلاّ أن تدقق في كلام محدثك «الديمقراطي»، لتعرف أنها كذبة روّج لها وأصّلها أولئك الساعون إلى سلبك عقلك.

هم أرادوها مطيّة يركبونها متى أحسّوا بضرورة إطاحة حريتك.

لا تصدقهم فهم كاذبون.

إنها وسيلة ناجعة للتدخل في شؤونك.

عساك لا تصدق مقالي أو ربما تصدق. مهما يكن الأمر، أدعوك إلى التفكر بعد الاستماع.

لعلك انتبهت إلى الحالات التي وقف فيها عقلك مبهوتاً أمام حماسة محدثك بغضّ النظر عن فحوى الحديث.

هل ميّزت موبقات التفكير المستخدمة لتبرير أو إمرار الكذبة الكبرى المنسوجة وفق معتقدات حاخامات البيت الأبيض الماسوني.

تذكّر أولاً أن «الديمقراطية» سرّ الداء ورمزه، وهلّم بعدئذ لنسمع ما لم يسمع قبلاًً عن عتاة الديمقراطيين الغربيين إنكليز وفرنسيين وأميركيين و… .

تعال لنتبيّن فكرةً واضحةً في مقالة محدثي «الديمقراطية» غير إيعازاتهم الموجهة للجميع كي يكونوا جنود الخنوع والخضوع والتسليم بما يريده الحاخام الأكبر «الديمقراطي».

قبل ذلك أنبئك بأنك ستسمع ألف ناعق يستهزئ بما قد تصل إليه من حقيقة ضاغطاً على فكرك بمختلف أنواع الضغط الإعلامي الذي درب على فعله لدى دفاعه الساعي إلى إبطال صدقية القائلين بنظرية المؤامرات.

لا تعبأ بهم واستمر، فبالجد والمثابرة تبلغ الغاية.

لست أشك أو أرتاب، ولست أخالك ستفعل، في أن حقيقة الباطل باطل، وأن باطل الحقيقة باطل، ولو اتفقنا على ذلك فمن الحق أن أُقِرّ وتقرّ معي بأنه لا يمكن أن يصبح حقيقة ما كان أساسه باطلاً، فالباطل وفي أحسن حالاته لا يعدو كونه الهباء.

الحقيقة أن أميركا قامت على الدم، وأن أوروبا عاثت بأرواح البشرية وفعلت ما لم تفعله شياطين الدنيا، فمعظم حروب العالم شنها دعاة «الديمقراطية» في دول الضباب والربا والإمبريالية العفنة، وأما الباطل فهو ادعاء أولئك القتلة بأنهم صانعو سلام، وبأنهم أحباء الشعوب ومخلصوهم من بطش جلاديهم.

سيقولون إنه لا يمكن لطاغية أن يبني دولة قانون، وهذا كلام في التاريخ يلقيه التسليم بداهة برفض حكم أي طاغية، إلاّ أن تعريف الطاغية في معتقدات صانعي «الديمقراطية» تختلف جذرياً عن حقيقة الطاغية في عرف الكون كلّه، لذا لا تفاجأ عندما يخبرونك بأن حمورابي كان راهباً متنسكاً في كهوفِ العبادة، فهو صاحب المدوّنة الأعظم والأكثر ديمقراطية في التاريخ، حتى قيل إن ما نصت عليه مدونته المشهورة أعطى المرأة من الحقوق ما لم تعطه «الديمقراطية» الفرنسية في القرن العشرين. إنه أكبر جنون روجت له قوة العدالة، فقارئ سيرة حمورابي لا يمكن أن يغفل سيل الدماء النازفة لأجل بناء دولة القانون المندرسة، وفي المقلب الآخر سيثبتون لك أنّ مؤسسي دولة اللاهوت المحمدية في عهد محمد بن عبد الله ص والخلفاء الراشدين سفاحون قتلة اخضعوا الدنيا بحدّ السيف.

لست أنا من يقول ذلك، إنه التاريخ الذي صنعه دعاة «الديمقراطية».

لم يعد أحد يخجل من مؤرخين «ثقاة» اتبعوا إرادة صنّاع التاريخ ونفذوها، فالجميع يعلم أنّ التاريخ كتبته الأقلام المرتزقة.

لست أطلب أن تصدق بالمطلق ما أقول، فهذه قاعدة لا تنطبق على الجميع أعني الخجل من كتاب التاريخ ومزوّريه ، فالخجل واجب إذا رُمت نقد بعض التاريخ، خاصة ذاك المتعلق بحُماةِ الحرية في عصور النهضة المزعومة، والعار قائم وملم بالأصول والفروع والأحفاد والمحبين والمناصرين لكل معارض أو مشكك في تاريخ الأحرار الغربي وسيرة أسياد «الديمقراطية» بدعة القرون الحديثة.

لو علمت أن نابليون العظيم باني دولة الحق والقانون في أوروبا العصرية ما هو إلاّ سفاح قاتل مهووس فكيف تصدق تاريخهم بعد ذلك.

ولو علمت أن الدولة «الديمقراطية» التي أبت إلاّ أن تفيض بقدسيتها النابعة من حبها للحرية على العرب الجزائريين بأكثر من مليون شهيد بَخِلَ عليهم تاريخ الحضارة بقليل من الاحترام عندما رفض الاعتراف بشهادتهم أو الاعتذار لمصرعهم، هي ذاتها الداعية إلى تحرير أهل البيت السوري من سوريته، وأهل البيت العربي من عروبته بدعمها كائنات همجية مجرمة أقل ما يقال عنها إنها خارج مملكة الإنسانية، فكيف ستقتنع وتقنع الآخرين بصدق التاريخ.

الجزائريون الذين لم يكونوا شهداء على لاحقات الحوادث ولم يكن بينهم من شاهدَ هولَ ما صنعته «ديمقراطية» فرنسا بالعالم في زمنٍ كان لها فيه اليد العليا، كانوا ضريبة لا بد منها في رحلة «الديمقراطية» السمحاء، مثلهم مثل أهل سورية الكرامة المراقة دمائهم بأيدي الثوار العبيد.

ثوار الخير من فرسان الهيكل ورجالات فرنسا الخاضعين لربهم بما تفضل عليهم يوم نصرهم على جلاديهم وقت الثورة الصناعية هم الأقدس، فقد استمتعوا بالرد على الإجرام بالإجرام.

هؤلاء ليس عليهم مأخذٌ ولا لوم، ندعو لهم ونمجدهم على ما أتحفونا به من دروسٍ «ديمقراطية» في كيفية قطع الرؤوس وتطوير آليات الاستنطاق والتعذيب وأخذ الصالح بالطالح ليُروا العالم جمال الردّ الهادئ المسالم على ظلم ماري أنطوانيت ومليكها المغرور.

لا تستغرب إذا عرفت أنّ التاريخ سها عن أن يسجل أن ثوار الغرب ما كانوا أفضل حالاً من ثوار أمة أُشغِلتْ بفكِ الطوق الآسر لها والمفصل على مقاسها بتوافق الراغبين في «ديمقراطيتها» وتراضيهم.

هكذا كانت الثورات، وهكذا هي اليوم، بقر بطون وتقطيع أوصال وشرب دماء وانتزاع أحشاء.

لا أذيع سرّاً إذا قلت إنني كنت من أكثر المعجبين بالفلسفات السياسية العلمانية والوجودية والدينية والعقيدية والحزبية الديمقراطية المعاصرة، حتى تبنّت رجعيات النكد الخليجي العفنة مهمّة التبجيل لها، إذ عقدت لأجلها مجالس الرقص الشرقي وغيره في مدارسٍ وحانات وزواريب أولى بعمليةٍ إرهابية وفق المعتقد الغربي لمفهوم الإرهاب لا تبقي ولا تذر، رجعيات أولى بالزوال مع من أدرجها وروّج لها من آلهة حكام صهيون وأذنابهم، عصابات القتل والسرقة، مافيا الظلام، أعضاء المحافل الماسونية الوهم. غير أنني وبعد معرفتي بنتائج التطبيق وبتكتيكاته لعنت الحالة ومحلليها، وكفرت بـ«الديمقراطية» ومنظريها، وعدت لأمجّد جميع الأوتوقراطيين الأشراف المهتمّين بسيادة بلدانهم.

سيقنعونك بأنه «لا تقوم طويلا دولة على ركائز الاستبداد» فتلك دول تحمل بذور فنائها في تكوينها، وأجزم بأنك لو تابعت سلسلة التحف الفكرية «الديمقراطية» الحديثة لن تضل أو تضلل عن جمال الانحلال الرأسمالي وسحره في تلك الدول، وفي مقدّمها بلاد العم سام المتماشية مع معتقدات مارك توين أكثر المخبولين عشقاً لـ«ديمقراطيتهم» النيرةِ التي ستتذوّقها عند تلاوته للمشهد «الديمقراطي» في كوخ العم توم.

ثق أنه لو كان المقصود بذلك الحديث «ديمقراطيات» الوهابية التلمودية والصهيونية التلمودية فإنّ كل ما قيل عن سيرورتها سيكون بشارة خير على فناء دولة الاستبداد الأعظم تاريخياً الولايات المتحدة الأميركية . وثق أن التاريخ الذي أنكر على الإرهابيين المزعومين في حركات المقاومة الوطنية بمختلف تسمياتها ألوف السنوات التي أمضوها في أرضهم العربية سيسجل فناء الظُلاّم الديمقراطيين قريباً.

التاريخُ ذاته الذي أعلن هتلر إرهابياً من الطراز الرفيع لاحتلاله في مسيرة طموحه الخطير مناطق الألزاس واللورين من بلاد السيد شارل ديغول أعلن أن ذئاب الفرنسيين والبريطانيين مزهقي أرواح ملايين العرواقين سكان الأرض الأم الأميركية في رحلة بناء الدولة «الديمقراطية» المزعومة أبطالاً للحرية.

تلك ليست ازدواجية معايير، بقدر ما هي رؤية مفردة بعين الدجال الأعور.

هل علم «الديمقراطيون» ممتهنو استعمار الشعوب بمَ فعل هتلر العصر الراهن بالألزاس الغربية وقطاع اللورين على أرض فلسطين المقدسة. بلى، لقد علموا، لكنهم خرسوا عن القول الحق؟

هل سجل التاريخ دعم شيوخ ومؤمني الإليزيه المخاض المرتب بمعرفة ورعاية صاحبة أقذر ابتسامة عرفتها مزابل واشنطن المسعورة غوندي رايس، الحالمة بولادة شرق أوسط قبيح على شاكلتها؟ الإجابة حتماً معروفة.

التاريخ نفسه أنكر على عصابات المقاومة الوطنية والإسلامية وعلى من دعهم من الدول المارقة في المنطقة الإسلامية والعربية وفق المعتقد الأنكلو ـ صهيوني وعلى من تجرّأ على ذكر حقوقهم أمثال شافيز اللاتيني ولي سونغ سيد العذرية النووية حقهم في إنجاز استحقاق الدولة الحرة المتطورة المتحضرة، الديمقراطية كما يشاؤون هم، لا كما يشاء بلهاء مدن الضباب. إنها المهزلة.

الدول غير العصرية من دول المغرب والمشرق العربي وغير العربي في العالم الخامس والسادس والسابع ومن تم تصنيفهم على قاعدة البيانات «الديمقراطية» بدول العالم الثالث مسلوبي الإرادة ومستحقي إدارة واعية ساعية إلى نفطهم وألماسهم وباقي ثرواتهم الطبيعية، هم بالتأكيد أكثر الدول الراغبة في ديمقراطية منسوجة بأيديهم لا بأيدي أكاسرة العصر الحديث وأباطرته.

الاسكندر الأعظم فاتح العالم في رؤية الأوروبيين هو ديكتاتور شرس، بيد أن المدقق سيعرف أن دولته غير المعاصرة ما هي إلا بُقْيا أساطير من بقايا نظام جورج واشنطن والقديس أيزنهاور.

في إيران ثورة إسلامية أبعد ما تكون عن التحضر الغربي المصحوب بنعيق غربان البيت الأسود الأميركي الواقع – ويا لسخرية القدر – في الجهة الشرقية من أماكن هبوب زوابع الدول العلمية المتحضرة في صحراء نيفادا. هناك حيث «الديمقراطيون» الأوربيون هم شركاء الحرية الحقيقية عند إجراء التجارب المباحة على كل سلاح جرثومي أو ذري، ولربما في يوم مأمول تلعب القدرة الخفية وفق المفهوم الوجودي دورها بقلب السحر على من عصى لتفني بخطأ تجريبي تلك الحضارة الوحشية، مقتطعةً معها من التاريخ كامل الوقت الذي أمضاه «الديمقراطيون» في تنغيص حياة البشرية.

عندئذٍ فحسب سيكون لدينا الجلد لدعم القول المطروح والاتهام الملزم بتجريم كلّ ما يمت إلى الأصالة والأسطورة والرمز والقادر بصلة مرفقين به ما اقتطعته تلك الوحوش في هيروشيما ونكازاكي من فكر إنساني حق عليه العقاب من دون تعصب أو تمييز.

إن الدول الشمولية الظلامية محبة الموت بحسب مفهوم الغرب الحرّ، لن تكون قادرة على التحرّر من همجيتها وأحزابها الشمولية إلاّ إذا تابت إلى موجد الأحرار وانصاعت لتوجيهات الحذاء الديمقراطي الأبيض، لكن لأنها ذات فكر متحجّر لن تنصاع لما أؤتي إليها من رسالات «ديمقراطية» ولا بدّ عندئذٍ من فرض الحرية عليها قسراً، فالحرية والقسر آنذاك لا يتناقضان حتى لو خلّفا عراقاً عنوانه خمسة ملايين قتيل وملايين المشردين وبلاد أبيدت وانتهكت حرمات أهلها وسرق تاريخها وثرواتها، فذلك كله لن يهم ما دام حصل كرمى عيون «الديمقراطية»!

كنا نظن أن أهم مبدأ من مبادئ «الديمقراطية» المزعومة هو حرية الاختيار وإعطاء الأولوية للأفضل في عملية اصطفاء يقوم بها من يقوم بها، لنحصل على نسبة 51 في المئة من أصوات مؤيدة في انتخابات نزيهة، منكرين النسبة 99 في المئة إذا حدثت في انتخابات الحاكم الجائر، لكن الطوفان الناخب السوري الكاشف عن المزاج الشعبي في وطن العروبة المتروك من إخوانه في وجه عاتيات القوى المخربة أسقط ادعاءات حكم الشعب نفسه بنفسه حين تعارض مع قرار الحذاء الأبيض الماسوني. ألهذا الحد وصل الاستهزاء بعقول البشر؟ من سيصدق بعدْ تلك الأكاذيب؟

ستسأل سؤال حق عن تلك الأسطورة الممسوكة بيمين الماسون الأكبر وبيساره، وسيخبرونك أنها إرادة الله بتأييد شعبه المختار، عندئذ عليك تذكر كليم الله وسحرة فرعون المبهوتين. تذكر أن كل ما كان في يمينهم ويسارهم ليس سوى حبال مهترئة خداعة للبصر.

يريدون تدمير الرمزية وصورة البطولة، فإذا كان البطل في دول البطولة منسيّاً فمن هو الجدير بالثناء؟ سؤال إياك أن تغفل معرفة جوابه.

واجههم بسؤالك، وافحمهم بمقالك، وارغمهم على الإجابة.

أيعقل أن نقوم ونقعد على حكاية الجيش الذي لا يقهر بعدما مرّغت عصابات الحق من محبي فلسفة الشهادة «كرامته» غير الموجودة أصلاً بتراب جنوب لبنان وغزة والضفة الغربية والعراق، أم أن قدسية البراعة الروحانية لمستخدمي بلاك ووتر ووكالة الاستخبارات المركزية العاجزين أبداً هم ولاعبو الحنكة الغيبية عن الإيقاع بفيدل كاسترو بعد أكثر من ستمئة محاولة اغتيال فاشلة، والنائمين في القطران عن ثورة العزة والإيمان في إيران المسلمة التي وجهت أكبر صفعة لعقل «الديمقراطية» الشيطاني بامتياز، والفاشلين وبكل فخر في قلب نظام الممانعة الشافيزي النفطي في فنزويلا، والزاحفين رغم «ديمقراطيتهم» المدمرة على مدار واحد وأربعين شهراً من القتل والتخريب من كراسيهم وحتى أعتاب عرين الأسد في دولة العرب الأخيرة ليطلبوا النصر الذي ضاع منهم في صيف تموز، يمنعون عبيدهم والمعتقدون بقدسيتهم من الاعتراف بالهزيمة القائمة.

«الديمقراطية» يا صديقي كذبة كبرى استخدمها أستاذ حسود ليبرّر طردَه تلميذاً خالف كلامه وأظهر غباءه بعد مناقشة دارت بينهما ادعي فيه على الطالب بالخروج على القانون والأصول المتبعة في مدرسة وقف مديرها وطلابها لمناصرة الباطل، مرغمين التلميذ غير «الديمقراطي» على مغادرة مدرسته من دون أن يمنح حق الدفاع عن نفسه، ليكتشف العالم بعد مقاومة عنيفة خاضها ذلك التلميذ ضد مصاعب الحياة وانتصر فيها أنه عالمٌ مبدعٌ لم تكن له غاية في المناقشة إلا أن يعطي الناس من فيض عقله الراجح.

«الديمقراطية» المفصلة لا لخدمة المؤمنين بها، بل لخدمة مستثمريها سارقي خيرات الشعوب، هي لعنة مؤكدة، إن لم تكن في الفكرة فهي في التطبيق مفضوحة.

فهل يصحّ منا بعدما تذوّقنا مرّها أن نشايعها؟

سؤال برسم من يقرأ ويراجع.

محام

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى