الدولة اليهودية أم الدولة الإسلامية؟!

عامر نعيم الياس

ألف وأربعمئة شهيد فلسطيني في قطاع غزة حتى لحظة كتابة هذا المقال، لا تزال آلة القتل الصهيونية مستمرة في مذبحة مدعومة دولياً على أراضي قطاع غزة، تستهدف المدنيين ولا أحد سواهم في ضوء الفشل في تحقيق أي إنجاز عسكري نوعي سواء على مستوى تدمير البنية الصاروخية لحركات المقاومة الفلسطينية، أو على صعيد تحقيق إصابات مباشرة في الهيكلية السياسية أو العسكرية التي تقود عمل فصائل المقاومة على الأرض، هنا لا يمكن إنكار استمرار المجتمع الدولي الرسمي ومؤسساته في الإطار العام على وتيرة التعاطي نفسها في ما يخص الكيان الصهيوني، لكن التعاطي المختلف للإعلام الغربي مع العدوان على غزة، وحتى التعاطي السياسي من جانب مجلس الأمن والولايات المتحدة خصوصاً رسّخ خطوطاً جديدة يمكن تمييزها عما سبقها، إذ لم يعد بالإمكان التغاضي عن حجم المجازر ومواجهة الغضب الشعبي المتزايد في أوساط المجتمعات والنخب الغربية خصوصاً الفنية منها والإعلامية، فضلاً عن صلف الحكومة التي يقودها بنيامين نتنياهو في التعامل مع حراك الدول الكبرى لوقف إطلاق النار في المنطقة، لا سيما ذلك الحراك الأميركي الذي قاده وزير الخارجية جون كيري والذي فشل مرةً أخرى في تحقيق أي خرق بسبب إصرار نتنياهو على مواقفه، موقف يذكرنا بالجولات المكوكية التي قام بها كيري قبل أكثر من خمسة أشهر لإحداث خرق في مسار التفاوض بين السلطة الفلسطينية وحكومة الكيان لكن من دون جدوى، فهل تحوّل الكيان الصهيوني إلى عبء على الولايات المتحدة وحلفائها؟ هل تشكّل الدولة الإسلامية والفكر الإرهابي المتطرف الرافع لدول وإمارات الشريعة البديل الناجع لتنفيذ السياسات الغربية؟ ألا يوحي الخط البياني لمواجهات العدو الصهيوني مع المقاومة في المنطقة بالتراجع؟

صحيفة «فورين بوليسي» الأميركية تحدّثت عن استياء في وزارة الخارجية الأميركية بشأن رفض «إسرائيل» خطة كيري لوقف النار، وأشارت إلى بيان مجلس الأمن الذي يطالب بوقف إطلاق نار فوري وغير مشروط في قطاع غزة «فعلى رغم العلاقات المترنحة بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، كان يمكن الاعتماد على إدارة أوباما في حماية ظهر «إسرائيل» في مجلس الأمن. ذلك تغيّر حين أصدر مجلس الأمن بدعم من الولايات المتحدة بياناً رئاسياً رسمياً يطالب فيه بوقف إطلاق نار فوري وغير مشروط. الخطوة الأميركية تعكس استياءً في وزارة الخارجية الأميركية بشأن رفض «إسرائيل» خطة كيري لوقف النار».

تدرك واشنطن قبل غيرها محدودية قدرات الكيان الصهيوني في مواجهة محور المقاومة في المنطقة الذي تفرض عليه الحروب والمواجهات منذ عام 2001 لتدميره وتغيير أولوياته وبوصلته لكن من دون جدوى، التجارب التي حصلت في تموز 2006، والعدوان على غزة في 2008 وما يجري اليوم، تؤكد تراجع مستوى الفعل «الإسرائيلي» في المنطقة، وإخفاق السياسة الأميركية في تحويل بوصلة الصراع نهائياً عن الكيان الغاصب باتجاه دول أخرى، فضلاً عن نجاح الفلسطينيين خلال العقدين الأخيرين في مخاطبة الرأي العام العالمي والمجتمعي الغربي ما أدى إلى تشكيل رأي عام ضاغط لا يتوقف عند المستشرقين أو اليساريين من الأوروبيين والأميركيين بل يتعداه إلى نخب فاعلة ضاغطة على الحكومات الغربية، وعليه بات البحث عن بديل ناجع في مواجهة المحور المقاوم أكثر إلحاحاً وله الأولوية، بديل من داخل الدول العربية ذو هوية إسلامية تجنّب اليهود الغضب والنقمة، وتدمّر ما تبقى من روح سمحة للإسلام، وتطلق يد ممالك النفط في تحقيق حلم تدمير الجمهوريات العربية، وبالفعل بزغ الفكر الجهادي باعتباره حاملاً لمشروع الفوضى الخلاقة وتدمير الدول العربية خصوصاً المعارضة للسياسات الأميركية ذاتياً من دون الحاجة إلى زج الكيان الصهيوني الذي عجز في أكثر من فرصة أعطيت له على تغيير خريطة المنطقة وإقامة مشروع الشرق الأوسط الجديد.

إن مأساة مسيحيي الموصل غيّبت نهائياً بسبب الحرب على غزة بالشكل، ولكن في المضمون غيّبت غربياً لأنه لا يجوز التشويش على تحركات الدولة الإسلامية في العراق وسورية فالفائدة التي تحققها للمشروع الأميركي في المنطقة لا تقارن بالفعل «الإسرائيلي» ولا حتى بالدين المسيحي الذي يدّعي الغرب انتماءه إليه، داعش والنصرة والقاعدة والإخوان والحركات الجهادية، مسميات عدة ظهرت في الإعلام الغربي لم تلصق بأي منها تهمة الإرهاب، ولا حتى بأفعال قطع الرؤوس وأكل الأكباد، تحوّلنا فجأة من تسمية الإرهابيين إلى آكلي لحوم البشر، مصطلح هوليودي آخر لا يقدّم ولا يؤخر في السياق السياسي العام لحرب التدمير التي يقودها الغرب علينا، فيما تنظيمات إمارات الشريعة الإسلامية تسرح وتمرح على أراضي بلاد الشام والرافدين، ومجلس الأمن لا يستطيع سوى إصدار بيان رئاسي بحق داعش ودولتها يحذّر من شراء النفط من الدولة الدينية الجديدة، هو بيان وليس قرار على رغم أن التنظيم إرهابي باعتراف الدول الخمس الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن، هو بيان يعبّر عن واقع غياب أي قرار بمواجهة الأذرع الجديدة والفعالة في المنطقة.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى