الأزمة الاقتصادية العالمية والكساد العظيم في القرن الحادي والعشرين 1

مايكل تشوسودوفسكي

يهيمن الركود الاقتصادي على دول العالم كافة، ما أدّى إلى بطالة جماعية، وانهيار في البرامج الاجتماعية في عددٍ من الدول، وإفقار الملايين من الناس. وتترافق هذه الأزمة الاقتصادية مع حملة عسكرة عالمية تحت عنوان «حرب بلا حدود» بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو، كما يرتبط سلوك البنتاغون في سياسة «الحرب الطويلة» ارتباطاً وثيقاً بإعادة هيكلة الاقتصاد العالمي.

من الواضح أننا لا نتعامل مع أزمة اقتصادية راكدة أو محدودة. فالهيكل المالي العالمي يحافظ على الأهداف الاستراتيجية والأمنية الوطنية. وفي المقابل تعمل الأجندة العسكرية للولايات المتحدة وحلف الناتو على تأكيد الموافقة على نخبة رجال الأعمال القوية التي تلقي بظلالها بلا هوادة على عمل الحكومة المدنية وتقوّض بالتالي مهامها. يأخذ هذا الكتاب القارئ خلال أروقة مجلس الاحتياط الاتحادي ومجلس العلاقات الخارجية، خلف الأبواب المغلقة لبنوك التسويات الدولية، في مجالس إدراة أفخم الشركات في وول ستريت حيث تجري المعاملات المالية بعيدة المدى بشكل روتيني من خلال محطات كومبيوتر تتصل بأسواق الأسهم الرئيسة… بمجرّد كبسة زرّ.

كلّ المؤلفين في هذه المجموعة يجهدون للكشف عن شبكة معقدة من الخداع وتشويه وسائل الإعلام التي تعمل على إخفاء النظام الاقتصادي العالمي وآثاره المدمّرة على حياة الناس. بينما يعتمد تحليلنا على دور هذه العوامل الاقتصادية والسياسية القوية في بيئة مليئة بالفساد والتلاعب والاحتيال المالي. على رغم التنوّع في وجهات النظر المقدّمة في هذا الكتاب، إلا أنّ معظمها يصبّ في خانة واحدة: تقف الإنسانية الآن على مفترق طرق خطير حيال الأزمة الاقتصادية والإجتماعية في التاريخ الحديث. فانهيار الأسواق المالية في العامين 2008، و2009 جاء نتيجة للغش والتلاعب المالي المؤسسي. فنُفّذت عمليات «إنقاذ البنوك» بناءً على تعليمات من وول ستريت، والتي قادت إلى أكبر عملية نقلٍ ماليّ عرفها التاريخ المسجّل، وخلقت في الوقت عينه ديوناً عامة من الصعب التغلّب عليها.

ومع التدهور المعيشي الحاصل على كل مستويات الحياة في جميع أنحاء العالم، وتراجع الإنفاق الاستهلاكي، يبدو أن هيكلية التجارة العالمية للسلع الأساسية في خطر. كذلك فإن نظام المدفوعات والتحويلات المالية في حالة شاملة من الفوضى، بعد انهيار فرص التوظيف، وصعوبة دفع الأجور، التي سبّبت بدورها تدهوراً كبيراً في الإنفاق على السلع والخدمات الاستهلاكية الأساسية ما أدّى إلى هبوط القدرة الشرائية، وارتداد هذا على النظام الإنتاجي، وتسريح الكثير من العمّال، وإفلاس المصانع وإقفالها. إن مسار الانهيار الاقتصادي تراكميّ، تتأثر به جميع القوى العاملة. فلم تعُد تُنفّذ مدفوعات الأجور وتعتبر الائتمانات والاستثمارات في حالة جمود. كما أن «شبكة الأمان الاجتماعي»، التي تحمي العاطلين عن العمل في ظل الأزمة الاقتصادية ـ والتي ورثناها عن دول الرفاه ـ هي أيضاً في خطر.

أسطورة الإنتعاش الاقتصادي

ثمّة إجماع عام، لا يقبل الشك، يعترف به الكثيرون بأنّ «الكساد الكبير» الذي طغى على ثلاثينات القرن الماضي كان اقتصاداً في طريقه إلى الانتعاش. وبينما يكثر الحديث حول انتعاش اقتصادي، يصرّ المحلّلون والمعلّقون في وول ستريت عن تعمّد التغاضي عن كشف الأسباب الحقيقية للأزمة المالية، المرتبطة بتلك الفقاعة التي انفجرت بالفعل فقاعة الإسكان العقاري. غير أن الواقع يؤكد على وجود عددٍ من الفقاعات، تلك التي تقزّم واقع فقاعة الإسكان العقاري التي انفجرت عام 2008.

على رغم عدم وجود خلاف بين المحلّلين حول إمكانية حدوث الانتعاش الاقتصادي، إلا أنه ما من أحد يستطيع توقيت حدوثه، هل يحصل في الربع الثالث، أم الربع الرابع من السنة الحالية؟ فالانتعاش الاقتصادي الذي حصل في الولايات المتحدة عام 2010 كان متوقعاً، وأُكِّد عليه من خلال صياغة تضليليّة إعلامية محكمة. وفي الوقت نفسه، فإن الأزمة الاجتماعية الناتجة عن تفاقم البطالة في أميركا، مُوّهت بدقة، إذ اعتبر الاقتصاديون أن الإفلاس ظاهرة اقتصادية جزئية ومحدودة.

كشفت تقارير وسائل الإعلام حول الإفلاس، عن العوامل المحلية التي تؤثر في المصانع، والتي فشلت في توفير صورة واضحة حيال ما يجري على الصعيدين الوطني والعالمي، في إغلاق كل هذه المصانع في عددٍ من المدن والبلدات في جميع أنحاء الأرض، وستظهر حينذاك صورة واضحة جليةً جداً: إغلاق قطاعات كاملة من الاقتصاد الوطني. يمارس الرأي العام سياسة التضليل حول الأسباب والنتائج الحقيقية للأزمة الاقتصادية، ناهيك عن سياسة الحلول المتّبعة. يميل الناس إلى الاعتقاد بأن للاقتصاد منطقاً خاصاً به يعتمد على التفاعل الحرّ مع قوى السوق، وبأن الجهات المالية القوية التي تمتّن السلاسل في مجالس إدراة الشركات، لن تستطيع وفي ظلّ أيّ ظروف، التأثير ـ ولو عمداً ـ في مسار الأحداث الاقتصادية. ودُعمت هذه الرؤية للثروة الاحتيالية التي لا هوادة فيها، على أنها جزءً لا يتجزأ من «الحلم الأميركي»، كوسيلة لنشر منافع النمو الاقتصادي. لتصبح مقولة مايكل هادسون أسطورة راسخة حين قال: «من دون الثروة لن يبقى شيئاً». ومثل هذا المنطق المعيب في مجال الأعمال يلقي بظلاله الثقيلة على أسس البنية التاريخية للأزمة الاقتصادية العالمية.

الاحتيال المالي

يخدم التضليل المتّبع في وسائل الإعلام إلى حدّ كبير مصالح حفنة من البنوك العالمية والمؤسسات المضاربة التي تتحكّم في أروقة الدولة، والتي تستخدم نفوذها في الأسواق المالية وأسواق السلع لجمع كميات هائلة من الثروة والمال. وفي الوقت عينه، جاءت «عملية إنقاذ البنوك» باعتبارها شرطاً من شروط تحقيق الانتعاش الاقتصادي، ولتضفي عليها شرعية ساهمت في تسهيل الاستيلاء على الثروة. يتمّ الحصول على كميات هائلة من الثروة والمال من خلال التلاعب في الأسواق. والتي غالباً ما يُشار إليها بـ«التحرّر من القيود»، والتي وضع لها الجهاز المالي وسائل متطوّرة من التلاعب والخداع الصريح، من خلال المعلومات المتداخلة والمعارف المسبقة والجهات المالية الفاعلة من خلال استخدام أدوات المضاربة. ما يؤدّي إلى التلاعب بحركات السوق لمصلحتها وتعجيل انهيار المنافسين وتحطيم اقتصادات البلدان النامية، لتصبح أدوات التلاعب هذه جزءاً لا يتجزّأ من بنية النظام المالي السائد.

ترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى