القاهرة تتجه «لتجمع عربي» يكافح الإرهاب

يوسف المصري ـ «البناء»

… بالتزامن مع حلول ليلة القدر خلال شهر رمضان الماضي، بادرت الكنيسة المصرية لإقامة صلاة في حرمها من أجل مسيحيي الموصل في العراق. أرادت الدعوة تطيير رسالة واضحة إلى أن مسؤولية حماية مسيحيي الشرق هي شرقية وتخص أبناء المنطقة والمؤمنين بوحدتها الحضارية والثقافية، ولم تعد غربية، حيث باتت الإشارات الصادرة من الغرب أكثر من كافية لاستخلاص أن دوله وحكوماته غير معنيين بالإسهام بالدفاع عن مسيحيي الشرق أو ربما هم يشجعون تهجيرهم في إطار مخطط لم تتضح أبعاده بعد.

وفي معلومات خاصة بـ«البناء» فإنّ القاهرة تتجه، وإن بشكل لم يصل لمرحلة النضوج بعد، لعقد اجتماع عربي يخصص لمكافحة الارهاب. ويتم في الكواليس السياسية والأمنية المصرية استعمال مصطلح الدعوة «لتجمع عربي» يهدف للتصدي للإرهاب.

وبرأي مصادر هذه المعلومات فإن مصر محاصرة حالياً بحدود الفوضى الناتجة من مخلفات ثورات الربيع العربي، حيث تشغل هذه الحدود جماعات إرهابية تابعة للقاعدة أو على صلة بها فحدودها مع ليبيا تعتمل بنشاط ملحوظ وأكثر من خطر لجماعة أنصار الشريعة. وعلى رغم أن القاهرة كانت أنشأت تحالفاً مع جماعة حفتر لحفظ منطقة واسعة تقع بين حدودها والأراضي الليبية، إلا أنه مع جولة العنف الأخيرة الجارية في طرابلس الغرب نجحت قوات من أنصار الشريعة في الالتفاف من وراء قوات حفتر المرابطة على الحدود الليبية مع مصر، وقطعت بذلك الصلة الديموغرافية اللوجستية العسكرية بينه وبين الجيش المصري.

كما أن حدود مصر مع السودان غير مؤمنة، وعلى رغم أن القاهرة تحاول بناء علاقة ثقة مع الرئيس السوداني عمر البشير لضبطها، إلا أن معلومات الاستخبارات المصرية تتحدث عن توافد للقاعدة ومتطرفين إسلاميين عبر مسالك سودانية إلى داخل الأراضي المصرية. أما بخصوص الوضع في شمال سيناء فإن القاهرة تبدي شكوكاً بأن الوضع هناك هو أكثر من خطر أيضاً، نظراً لنجاح «كتائب بيت المقدس» في بناء علاقات وثيقة مع بدو تلك المنطقة المصريين. وأكثر من ذلك تتحدث القاهرة عن جبهة إرهاب عريضة نشأت هناك تضم أجنحة عسكرية من الإخوان المسلمين وكتائب بيت المقدس وبني بدوية واسعة تقطن تلك المنطقة.

وكل المعطيات الآنفة التي تدلل على الحجم الكبير لخطر الإرهاب الذي تشعر به مصر، يقود القاهرة للتخطيط لمقاربة عملية ونظرية جديدة لقضية مكافحة الارهاب، خصوصاً بعد أحداث الموصل التي دلت على أن هذا الملف لم يعد مجرد حالة تخص دولة من دون أخرى في المنطقة، بل هي خطر شامل ربما يقف وراءها مشروع دولي – صهيوني، وعليه يجب التكاتف ضده ومحاربته بشكل جماعي أينما وجد، سواء في العراق أو مصر أو ليبيا أو سورية أو لبنان ، الخ..

مشروع من نقطتين

ما هي الرؤية التي تريد مصر طرحها لتكون أساس التجمع العربي الذي تدعو إليه لمكافحة الإرهاب؟!

بحسب مصادر مطلعة فان هذه الرؤية تتألف من نقطتين أساسيتين:

الأولى المبادرة العربية المقترحة يجب أن تخاطب المجتمع الدولي وتطالبه بأن يضع خطة واضحة تبين نوعية وطريقة إسهامه في معركة مكافحة الإرهاب. تضمر هذه النقطة إحراج المجتمع الدولي ودعوته لأن يظهر بالفعل وليس بالاستهلاك الإعلامي حقيقة ما إذا كان فعلاً معنياً بالقضاء على الإرهاب في المنطقة أم أن لديه مأرب أخرى في هذا الملف وكل همه هو عدم عودة مئات من الإرهابيين الذين يقاتلون في الشرق الأوسط، وهم من أصول غربية، إلى بلادهم.

النقطة الثانية المبادرة المقترحة للتجمع العربي لا تريد مخاطبة داعش بل تريد مخاطبة عزيمة الجهد العربي للقيام بإسهاب فعال في تجفيف المنابع التي يتغذى منها الإرهاب مادياً وأيديولوجيا ومعنوياً، الخ.. وبنظرة القاهرة أو المطالبين بعقد هذا التجمع العربي فيها، فان الشعار الذي يجب رفعه هو التالي: في مقابل مخطط نشر الإرهاب في المنطقة يجب على دولها أن ترفع شعار تجفيف مصادره في الشرق الأوسط.

الكاردينال الراعي

وتحتم الموضوعية في هذا المجال الإشارة إلى أن الفكرة المطروحة الآن في القاهرة، كان سبق للكاردينال بشارة الراعي أن طرحها العام الماضي على سفراء الدول العربية خلال دعوتهم لاجتماع من أجل مكافحة الإرهاب في الديمان. طرح الراعي حينها على سفراء عرب لبوا دعوته ضرورة إبرام ميثاق شرف بين الدول العربية لتبادل المعلومات عن حركة الإرهاب في بلادها وتبادل الإشعارات في ما بين أجهزتها الاستخبارية عن تنقلات الإرهابيين عبر حدود كل الدول العربية. رد آنذاك السفراء بأن هذا القرار يحتاج عودتهم إلى حكوماتهم لتجسيده كسياسة عربية نافذة. لكن بكركي لم تسمع حتى الآن أية إجابة على اقتراحها.

كان الكاردينال الراعي ومن ورائه الفاتيكان، يستشعر آنذاك بخطورة النتائج الذي ستتركها على كل المنطقة وعلى المسيحيين الشرقيين، سياسات بعض الحكومات العربية التي تشجع الإرهاب في بعض الدول ظناً منها أنها تفيد منه إقليمياً، ولم يخطر ببالها أنه سيرتد إليها أيضاً. وواضح اأن التفكير العربي يعود اليوم لمربع فكرة الراعي قبل أكثر من عام، ولكن هل يأتي هذا الاستدراك العربي بعد فوات الأوان، لا سيما أن التصريحات الغربية التي ترحب باستقبال الهاربين المسيحيين من داعش، تشي وكأن المنطقة وقعت في فخ إغراقها بالفوضى الخلاقة بحسب المصطلح الأميركي أو المدمرة بحسب التعبير الواقعي والأخلاقي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى