سورية صلاح الدين القرن الحادي والعشرين

جاك خزمو

في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي تعرضت منطقة الشرق الأوسط لغزوات الفرنجة الاستعمارية تحت شعار ديني هو «الصليب»، وبأهداف سياسية أهمها السيطرة على هذه المنطقة لما لها من أهمية جغرافية للعالم كلّه. وبعد أقل من 90 عاماً ظهر القائد صلاح الدين الأيوبي ليهزم الصليبيين في معركة حطين عام 1187، وبدأت هذه الغزوات بعدئذٍ تسقط وشرع حكم الاستعمار الفرنجي يتلاشى عن هذه المنطقة.

أطماع الغرب في المنطقة لم تتوقف وهي مستمرة، وعام 1916 تم التوصل الى اتفاقية فرنسية/بريطانية مشهورة عرفت باسم «سايكس ـ بيكو» التي قسّمت هذه المنطقة دولاً، وتم الاتفاق على توزيع نفوذ الإنكليز والفرنسيين وسيطرتهم في المنطقة.

وبعد أقل من قرن على هذه الاتفاقية المشؤومة، يقوم الغرب بحملة جديدة لغزو المنطقة تحت شعار «الديمقراطية»، والأهداف سياسية أبرزها تعزيز سيطرتها على المنطقة من خلال تفتيتها دويلات، ليتم هذا التفتيت والمزيد من التقسيم من خلال استخدام الدين بصورة خاطئة والدين منه براء.

انكشفت هذه المؤامرة لأبناء الشرق الأوسط بعد أكثر من ثلاثة أعوام على البدء في تنفيذها، وأدت الى سفك دماء عربية بريئة في ليبيا واليمن وسورية والعراق والسودان، وقُسّم السودان دولتين حتى الآن، وثمة جهود لتقسيم العراق مستمرة منذ احتلال أميركا له قبل أحد عشر عاماً، في نيسان 2003. وبدأ الغزو الجديد باحتلال العراق، لكن الأميركيين دفعوا ثمناً باهظاً لتورطهم المباشر في هذا الغزو، لذا قرروا مع حلفائهم شنّ المؤامرة عبر وكلاء لهم مع مطلع عام 2011.

لكن هذه المؤامرة واجهت تصدّياً جباراً صلباً في سورية، واستطاع الرئيس الدكتور بشار الأسد توجيه صفعة موجعة لهذه الغزوة الاستعمارية الجديدة، إذ فشلت المؤامرة في ضرب الوحدة الوطنية السورية وإسقاط الدولة السورية، وما زال الشعب السوري بفضل جيشه العربي يتصدى للمؤامرة ويسحق عناصرها الإرهابيين الذين يحاربون بالوكالة عن أسيادهم قادة الغرب.

هو سيناريو مكرّر، ولعلّه هو نسخة عما حدث قبل نحو ألف عام مع تآمر الغرب لاحتلال هذه المنطقة، وها الغرب يقوم بذلك عبر مجموعات مرتزقة تخدمه وتخدم إبنته المدللة «إسرائيل». سفكت الدماء العربية الزكية البريئة إلى أن وصلت حتى الركب في احتلال الفرنجة الصليبيين لمدينة القدس… واليوم تسفك الدماء الزكية الطاهرة في العديد من دولنا العربية في التصدي لهذا الغزو الغربي الجديد تحت شعارات ومسمّيات عديدة، وسورية هي القلعة الصامدة الحصينة التي بدأت تتكسر على حجارتها وصخورها الأيادي الارهابية المتآمرة التي امتدت وتمتد للنيل منها، وها الدولة السورية تصمد وتتصدى للمؤامرة الكونية الكبيرة بفضل قيادتها الحكيمة، وها الرئيس بشار الأسد يهزم المؤامرة تماماً مثلما هزم صلاح الدين الفرنجة الصليبيين، وسيسجل التاريخ أن سورية بقيادتها الجبارة القوية وجيشها الباسل وشعبها الصلب هزمت الغزو الجديد ولقنت وكلاءه وعملاءه الدروس من خلال سحقهم والقضاء عليهم. ودفعت سورية ثمن هذا الانتصار الذي خدم المنطقة كلّها، وأسقط مؤامرة «الشرق الأوسط الكبير» بإقامة دويلاته وكانتوناته الإثنية والقومية والدينية، وأسقط كذلك مخطط «سايكس ـ بيكو» الاستعماري الجديد.

رغم أن الحالة العربية الحالية ضعيفة ومؤلمة، بسبب وجود «قادة» كانوا يعترفون بلا حياء بأنهم «نعاج»، إلاّ أن أملنا في أن تزول هذه الحالة بوجود أسود عربية قوية وأصيلة، في مقدمها سورية الأسد، سورية الجبارة، سورية صلاح الدين القرن الحادي والعشرين.

رئيس تحرير مجلة البيادر ـ القدس الشريف

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى