الغرب ينسحب من ليبيا لمصلحة حلفائه في المنطقة

عامر نعيم الياس

قصف الناتو ليبيا تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، دمّرها لا سيما ما كان بارزاً من عمرانها كمركز المؤتمرات في مدينة سرت، اعتقال القذافي وإعدامه ميدانياً بطريقة همجية ووحشية، تعد الصورة الأوضح «لثورة» الشعب الليبي في الشرق على الغرب. أرسلت قطر قواتها الخاصة والمرتبطين بها من الليبيين، ودعمت السعودية بالمال والقنابل البشرية القاعدية، أما تركيا فهي جزء من حلف الناتو لم يكن دورها ليقارن بدور من سبقها.

اليوم تسحب فرنسا والدول الغربية كافة السفراء من ليبيا وتغلق البعثات الدبلوماسية ويُنصح الرعايا بعدم السفر إلى هذه الدولة التي كانت أول من شهد تمرّداً إسلاموياً مسلّحاً مدعوماً من نصف دول العالم ومن الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، تركت ليبيا المتفجّرة تواجه مصيرها، البلاد تتشظى وبنغازي تعيش يومياً تداعيات صراعٍ بين الجنرال حفتر الذي يريد القضاء على كل أثر لتركيا وقطر، وبين القاعديين وأنصار الشريعة الذين أعلنوا إقامة إمارة إسلامية في بنغازي أسوةً بدولة الخلافة في العراق والشام، أما طرابلس الغرب العاصمة الليبية فهي الأخرى تلفظ سكانها الذين اتجهوا تحت وطأة التلوث النفطي والصراع حول مطار طرابلس إلى الحدود التونسية، فيما يبحث أحد أول رؤساء «الربيع العربي» السيد المنصف المرزوقي مع أعضاء حكومة النهضة الإخوانية إغلاق الحدود البرية مع ليبيا «خوفاً من تسلل إرهابيين إلى تونس». فهل ترك الناتو ليبيا إلى مصيرها؟ هل أخلى الناتو الساحة لحلفائه في المنطقة من قطريين وسعوديين وإماراتيين وأتراك، كي يتحاربوا على أرض ليبيا؟

المؤكد أن ليبيا أصبحت مرتعاً للحروب والجماعات الإرهابية الإسلاموية من كل حدبٍ وصوب، وكما الصورة التي تعيشها سورية والعراق، يشكّل الصراع بين هذه الجماعات الإرهابية أنموذجاً مصغّراً عن الصراع بين أعضاء المحور الواحد على خلفية الانكفاء الأميركي المقصود والمبرمج عن المنطقة، وفي ظل تقدّم ملفات في أولويات الغرب على حساب ملفات أخرى تشكل ليبيا أحدها، وحتى لو شكلت ليبيا تهديداً للمنطقة بأجمعها، وفي هذا السياق ذكرت صحيفة «الخبر» الجزائرية أن «الإرهابيين في مطار طرابلس الدولي قد سيطروا على 11 طائرة مدنية وهم يفكرون في القيام بعمليات على غرار الحادي عشر من أيلول تستهدف الجزائر وتونس والمغرب»، فهل هذا أمر ممكن؟ وهل تستطيع الدول المغاربية مواجهة خطر تشظي ليبيا؟ ألم يمثل الملف الليبي محوراً مهماً من محاور لقاء الجنرال عبد الفتاح السيسي مع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة؟

الغطاء العربي خصوصاً من دول الجوار، كان هو الميزة الأكثر إيلاماً في تاريخ تدمير الدول العربية عبر مجلس الأمن الدولي، وفي الحالة الليبية لا يوجد اختلاف فتونس والمغرب ساهمتا ودعمتا حرب الناتو وقطر والسعودية على ليبيا، ولا يمكن الحديث البتة في ظل المشهد الحالي الذي يميّز دول المغرب العربي بدايةً من تونس التي تعاني ما تعانيه من حماقات النهضة، والجزائر التي تحاول المرور في حقل ألغام الطاعون العربي بسلام، والمغرب بأمير مؤمنيها، لا يمكن الحديث عن أي تحرك مغربي مشترك لمواجهة التهديدات المقبلة من ليبيا والتنسيق ولو بالحد الأدنى لمواجهة احتمالات 11 أيلول جديد في المغرب العربي.

أهي الصوملة إذاً؟ يبدو أن الغرب والناتو والخليجيين يريدون تظهير أنموذج جديد من الحرب القذرة يخص كل بلد على حدة وبنكهة عربية خالصة، وهنا تبدو ليبيا المتفجّرة المتشظية صورة ناصعة عن فعل الناتو الثوري المساعد للفعل الأساسي الذي مازالت دول المنطقة تحاول استكماله في صراع محموم على الرمال الليبية.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى