التدخل الثالث في العراق

عامر نعيم الياس

جاء في افتتاحية وول ستريت جورنال الأمريكية قبل أيام «اليوم ندخل حرب العراق للمرة الثالثة خلال خمس وعشرين عاماً»، تقليد راسخ للإدارات الأمريكية المتعاقبة خلال العقود الثلاثة الأخيرة، بعضهم يراه عودةً إلى المستنقع العراقي حسب ليبيراسيون الفرنسية، والآخر يراه تعديلاً في الاستراتيجية الأمريكية للمواجهة في المنطقة حسب لوفيغارو الفرنسية، فما الذي يجري بالضبط في العراق وما شكل التدخل الأمريكي؟

بين تعهّدات بفك الارتباط بالمنطقة والانسحاب من العراق وأفغانستان وعدم التورّط العسكري الأمريكي المباشر، وبين ضغوط تستهدف دفع أوباما للتدخل الفاعل في الشرق الأوسط والخروج عن حالة اللا فعل، قرّر الرئيس الأمريكي المضيّ قدماً في «تقليد» التدخل العسكري في العراق على غرار ليبيا والصومال واليمن، أقلّه من ناحية الشكل وذلك بعد اقتراب تنظيم «داعش» الإرهابي من أربيل، القاعدة الأساس للنفوذ الأمريكي في المنطقة، ويقوم التدخل الأمريكي الحالي في العراق على القاعدة الثلاثية التالية «استخدام القوات الخاصة، الغارات بطائرات من دون طيار، الغارات الجوية باستخدام الطائرات المقاتلة الهجومية»، مع الإصرار على عدم اللجوء إلى تدخل عسكري برّي على الأرض، مع أنّ الإدارة الأمريكية تدخلت بحجة حماية الأيزيديين والمسيحيّين العراقيّين وتأمين ممرات آمنة لهم ما يطرح علامة استفهام حول كيفية تأمين الممرّ الآمن المفترض، ألا يحتاج إلى قوات مقاتلة؟ ألا يتعارض ذلك مع تصريحات أوباما حول عدم التدخل البرّي؟

يوم الإثنين الماضي اعترف الرئيس الأمريكي في خطاب له بعدم قدرة الضربات الجوية الأمريكية على سحق «داعش»، مركّزاً على ضرورة أن تراعي الحكومة العراقية العتيدة التمثيل السياسي لاستكمال الحرب على «داعش» والخروج بالنتائج المرجوة، وذلك في محاولة منه لفرض تغيير في سياسات الحكومة العراقية المقبلة، لكن الأمر لا يقف عند هذا الحدّ، فالواضح أنّ الرئيس الأمريكي يدرك جيداً عوامل قوة «داعش»، وهو يستند في ذلك إلى تجربة الفلوجة العراقية عام 2004 حين احتاج الأمريكيون أشهراً عدة لاسترجاعها على الرغم من الضربات الجوية المكثفة باستخدام كافة صنوف الأسلحة المتطورة، وهنا تحضر قاعدة عسكرية ذهبية تقول: «على الصعيد العسكري تأتي الأخبار السيئة في مراحل لاحقة عندما يتكيّف العدو مع الوضع العسكري الجديد»، فهل يخطط الرئيس الأمريكي لتطوير تدخله العسكري وما دور قرار مجلس الأمن رقم 2170 في هذا السياق؟

ركّزت مراكز الأبحاث الأمريكية على فكرة «التحالف الإقليمي القوي»، مستندةً في ذلك على استراتيجية أوباما الخارجية التي تقوم في مجال مكافحة الإرهاب تحديداً على ثابتين: الأول، التدخل عند مسّ الخطوط الحمر لواشنطن في العالم، والثاني التعاون مع الحلفاء في مجال مكافحة الإرهاب عبر إنشاء صندوق لتمويل العمليات الخاصة التي تعتمد بشكل أساس على تواجد العنصر البشري للحلفاء على الأرض. وانطلاقاً من هذين الثابتين، وإذا ما اخذنا بعين الاعتبار تسليح الاتحاد الأوروبي للأكراد، والحملة السياسية والإعلامية والدينية داخل الولايات المتحدة للتعبئة باتجاه التدخل لمواجهة «داعش» في العراق، فضلاً عن قرار مجلس الأمن الذي أدرج تحت الفصل السابع، فإنه من الواضح وجود سيناريو أمريكي يهدف إلى إنشاء تحالف إقليمي بغطاء دولي يعمل على التدخل في المناطق التي يتواجد فيها تنظيم الدولة الإسلامية بحجة تحريرها منه واسترجاعها لكن لمصلحة أبناء هذه المناطق التي لا تعترف بالحكومة المركزية، سواء في العراق، أو في سورية حيث تتواجد أذرع عسكرية عميلة للغرب انحسر نفوذها بسبب تمدّد «داعش» ومبايعة جزء كبير من مرتزقتها له، هنا يبرز سيناريو التدخل العسكري الميداني مرة أخرى تحت ستار مكافحة الإرهاب، وذلك لفرض أمر واقع جديد يضيف إلى الأوراق الأمريكية في المنطقة أوراقاً أخرى تستند في الشكل على «الديمقراطية والمشاركة على قاعدة الندّية» وفي المضمون على «التقسيم وفقاً للهوية الطائفية».

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى