درباس لـ«البناء»: لا نعلم ماذا تؤوي المخيمات من إرهابيين
هتاف دهام
لا توحي الإجراءات الأمنية أمام وزارة الشؤون الاجتماعية بأنّ هذا المبنى مخصص لهذه الوزارة. وأنّ وزير الشؤون الاجتماعية يواظب على عمله في مكتبه في الطابق السابع. الإجراءات تقتصر على دركي يجلس عند مدخل المبنى يسأل المواطنين إلى أين يتجهون فيساعدهم في معرفة أيّ مصعد عليهم استخدامه للوصول إلى حيث يستطيعون إتمام معاملاتهم. التدابير الأمنية التي اتخدت أمام العديد من الوزارات، لا سيما وزارة الداخلية، لا تشعر بها أمام وزارة الشؤون الاجتماعية في المتحف. ربما ذلك ليس مهماً أمام طريقة تعاطي الوزير رشيد درباس مع موظفي الوزارة في المبنيين، وأمام أدائه في إدارة الملفات بطريقة إنسانية. يرى موظفو الشؤون الاجتماعية في الوزير درباس الإنساني والآدمي بامتياز والمثقف الذي انغمس في النضال القومي والعربي منذ مطلع شبابه، والأديب والشاعر فهو العضو في منتدى طرابلس الشعري، إضافة إلى ما يتمتع به من خلفية حقوقية كنقيب سابق للمحامين في الشمال.
مسؤوليات كثيرة أمام وزير الشؤون الاجتماعية… من ملف السجون الى ملفات تتعلق بالرعاية الاجتماعية وغيرها، إلا أنّ الأولوية عند الوزير الطرابلسي تبقى في كيفية معالجة ملف النازحين السوريين الذي باعتراف موظفي الوزارة يسعى درباس الى معالجته بطريقة مدروسة على عكس سلفه وزير الصحة الحالي وائل أبو فاعور الذي لم يطرح أي رؤية في حكومة النأي بالنفس، ليأتي الوزير درباس الذي ورث كما يقول الإهمال من الحكومة السابقة في معالجة هذا الملف ويطرح رؤية عملية لمعالجة تداعيات أزمة النزوح الســوري إلى لبنان.
ويشير درباس في حديث الى «البناء» إلى أنّ عدد النازحين المسجلين في المفوضية مليون و200 ألف، فيما العدد الحقيقي يصل إلى مليون ونصف مليون، فهناك الكثير من السوريين الذين ليسوا على قائمة التسجيل لأنهم لا يريدون ذلك ولا يرغبون في أن تُعرف هوياتهم، خصوصاً المسلّحين الذين دخلوا بطرق غير شرعيّة.
ويتحدث درباس عن رعاية النازحين المباشرة التي تتمّ برصد الأموال من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التي تصلها المنح من المانحين الدوليين، والتي هي أقلّ مما هو متوقع والمقدّر بـ53 في المئة، لأنّ المنح التي وصلت قدرت بـ 35 في المئة، الأمر الذي يثير الخشية والخوف من أن يُصاب المانحون بالبرودة، ويُصاب لبنان بمشكلة كبرى أمام شعب نازح مضطر أن يؤيه ويطعمه ويعلّم أولاده ويطبّبه.
ويلفت وزير الشؤون الاجتماعية الى الأعباء التي ترتبت على الوجود السوري، فالإحصاءات أكدت أنّ نسبة البطالة وصلت إلى 14 في المئة، وأنّ الأضرار التي أصابت الاقتصاد في السنتين الماضيتين وفق تقرير البنك الدولي بلغت 7 مليارات ونصف المليار دولار، محسوبة على فارق النمو بين 4 في المئة و2 في المئة ، في حين أنّ النمو تراوح في مرحلة من المراحل بين 7 و8 في المئة ووصل في مرحلة ثانية إلى 0 في المئة، بالتالي فإنّ الأضرار هي أكثر من 13 ملياراً، هذا فضلاً عن أنّ مصروف الخزينة ازداد ملياراً و200 مليون دولار فيما تقلّصت الإيرادات، حيث خسر لبنان إيرادات بما يقارب ملياري دولار سنوياً، فما وصل ويصل من المنح إلى مفوضية اللاجئين لا يدخل منه شيئاً إلى الخزينة، هذا فضلاً عن الكهرباء التي لا نستطيع تغطية حاجات الشعب اللبناني فيها، فنحن نستجرّ من سورية 100 ميغاواط بالسعر المتداول، والسوريون يستهلكون في لبنان 200 ميغاواط من دون دفع الفواتير، بغضّ النظر عن المدارس التي تعمل بدوام آخر وتستوعب 100 ألف تلميذ سوري من أصل 400 أو 350 ألفاً.
يتحدث وزير الشؤون الاجتماعية بألم عن هذا الملف لما يشكله من عبء كبير على لبنان الذي يأوي العدد الأكبر من النازحين الى الدول العربية بإمكانات معدومة، وفي مقابل غياب أيّ تنظيم ممكن لهذه المسألة الشائكة.
المخيمات العشوائية
لا يخفي درباس وجود أكثر من 1000 مخيم عشوائي منتشر على الأراضي اللبنانية والحبل على الجرار، وانّ هذه المخيمات غير قادرة على استيعاب أكثر من 18 في المئة من النازحين، وأنّ 85 في المئة من النازحين يتواجدون في المناطق الفقيرة في الشمال والبقاع، مع ما يستتبع ذلك من منافسة العامل اللبناني في سوق العمل.
كلّ ذلك، والمجتمع الدولي برأي درباس يقف متفرّجاً. لا يسعى للحلّ السياسي في سورية، فهو يتفرّج على ما يجري في أوكرانيا، كما يتفرّج على الأزمات المحدقة بالمنطقة. وفي الوقت عينه المساعدات التي يقدمها دون المستوى المطلوب، فلا يستطيع المجتمع الدولي أن يرسل panadol ويريح ضميره من الألم، فما يجري في المنطقة، هو شريك في جزء كبير منه، متسائلاً: لماذا لا تقع النكبات إلا على الدول النامية، والمسألة إذا غرقنا في تفاصيلها نضيع فيما علينا العمل لانتشال أنفسنا من هذه الأزمة.
وأمام ذلك، دعا درباس الدول العربية إلى تقاسم أعباء ملف النازحين في الإيواء والاستقبال، وفي الدعم المادي، ويشير الى انه طرح على مجلس الوزراء القيام بحملة كبرى للذهاب إلى الدول العربية وطلب التعاون والمساعدة في تقاسم الأعباء البشرية.
أكبر من نكبة فلسطين
ووفق درباس فإنّ ما يجري اليوم هو أكبر من نكبة فلسطين التي شرّدت مليون فلسطيني، بيد أنّ نكبة سورية كما سمّاها شرّدت عشرة ملايين سوري بين الداخل والخارج، مشدّداً على أنّ لبنان على شفير الغرق ولم يعد قادراً على تحمّل الأزمة، التي تعدّ الأخطر منذ نشوئه وقد تؤدّي إلى زواله واضمحلال الحدود، ورأينا ما جرى في عرسال، والذي لم يعد كلاماً في الهواء بل أصبح واقعاً على الأرض.
لا يشغل توطين النازحين السوريين بال وزير الشؤون الاجتماعية بعكس الكثير من زملائه الوزراء، لكن ما يخيفه هو عدم الانضباط الحاصل والفوضى، فالدولة اللبنانية غير متحكّمة بما يجري، وغير ممسكة بزمام الأمور، وهذا ما نتج منه أشخاص خلقوا واقعاً جديداً على الأرض. قائلاً: المُسكّن لا يقضي على الورم، فهناك ما يقارب المليون ونصف المليون سوري، قسم كبير منهم من الشباب الذي تدرّب عسكرياً وتسليحه من قبل المجموعات الإرهابية بات سهلاً. وأضاف: «لم أعد أستطيع القول إنّ مخيمات النازحين السوريين لا تضمّ بؤراً إرهابية، إلا أنّ المشكلة الكبرى أننا لا نعلم ماذا تؤوي هذه المخيمات؟ وماذا يجري في داخلها؟ نتيجة الإهمال والتخلّي عن المسؤولية، رافضاً الدخول في سجال مع الحكومة السابقة وسياستها تجاه النازحين.
وأكد أن لا حلّ إلا بإقامة مراكز استقبال داخل الأراضي اللبنانية القريبة من الحدود، على أن يتمّ تأمين كامل التجهيزات التي تسمح للنازحين بحياة إنسانية من طاقة ومدارس وصحة، وربط المساعدات بالسكن في هذه المراكز، مشيراً إلى إجراءات مشدّدة وُضعت لوقف تدفق النزوح أبرزها السماح فقط لسكان المناطق الحدودية مع لبنان بالدخول في حال وجود معارك دامية.
المشكلة في العلاج
في مجلس الوزراء يقول درباس ان لا مجال للاختلاف على هذا الملف لأنّ الخطر مشترك ولا يميّز بين منطقة وأخرى ومذهب وآخر، النازحون منتشرون من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب، وأنّ رؤيته العملية لم يعترض عليها أحد لا بل بالعكس أشاد بها وزير الخارجية، ويشير الى انّ تشخيص الأزمة غير مختلف عليه، الا انّ الخلاف هو في كيفية العلاج الذي له أبعاد سياسية واقليمية ودولية.
يتمنّى وزير الشؤون الاجتماعية أن تنتهي الأزمة في سورية اليوم قبل الغد، فلبنان يحتاج الى ان يستقرّ الوضع هناك لما له من انعكاسات على لبنان، من عودة النازحين إلى بلدهم، مشيراً في الوقت عينه إلى أنّ عودة النازحين اليوم الى سورية ليست في يده، فمن يرغب بالعودة سنسهّل له ذلك، ومن لا يملك أوراقاً نؤمّن له الأوراق، لكن من لا يريد العودة لأنه معارض للنظام، لا نستطيع أن نخرجه غصباً عنه؟ متسائلاً: هل لدينا قوة عسكرية للقيام بذلك؟ بل هم الذين يمكن أن يتحوّلوا فوراً إلى جيش.
ولدى سؤاله لماذا لا يتمّ التنسيق والتعاون مع الحكومة السورية؟ يشير درباس إلى أنّ الحكومة اتخذت قراراً بعدم التفاوض لا مع الحكومة السورية ولا مع المعارضة، لأنها إذا تفاوضت مع الحكومة، فهناك عدد من السوريين لن يذهب إلى سورية، وفي الجهة المعارضة مع من سنفاوض مع «الائتلاف» أم «النصرة» أم «داعش»، ولذلك اعتمدنا سياسة النأي بالنفس كخيار لمصلحة لبنان.
وإذ أكد ضرورة أن تستمرّ الإجراءات الأمنية والتدابير والمداهمات بصورة دائمة، لا ان تترافق مع أحداث معيّنة، لفت الى أنّ الحكومة ستستخدم كلّ الوسائل لإطلاق سراح العسكريين المختطفين، ولا محرّمات في التفاوض من أجل ذلك، على رغم تشديده على انه لا يعلم شيئاً عن المقايضة مع الشروط التي وضعها المسلحون.
وإذ حبّذ الوزير درباس عدم الحديث في السياسة، أكد في شكل مختصر أنه لا يجوز أن يبقى بلد بلا رئيس للجمهورية، مشيراً الى أنّ ما جرى في العراق من تسوية شاركت فيها الجمهورية الاسلامية الايرانية بإزاحة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي يعني بداية حلّ سينتقل إلى سورية ولبنان، مشيراً الى انّ المجموعات الإرهابية لا أمل لها بالاستمرار، فـ»داعش» كان بلحظة من اللحظات سيبتلع العراق، وهدّد باحتلال بغداد، ثم ما لبث ان تراجع.