حسيب: المالكي ضحية اتفاق القوى الكبرى والغرب سيتعاون مع سورية على تصفية «داعش»

اعتبر رئيس مجلس أمناء مركز «دراسات الوحدة العربية» الدكتور خير الدين حسيب «أنّ إرهاب «داعش» جعل كلّ الأحزاب الشيعية والأكراد والعشائر والسنّة وأميركا والسعودية وإيران يتفقون على تغيير المالكي والمجيء برئيس وزراء جديد هو حيدر العبادي».

وفي حوار مع إذاعة «الشرق»، أشار حسيب إلى «أنّ داعش حالة موقتة تمّ تضخيمها لأغراض مختلفة وستنتهي بالسرعة نفسها التي ظهرت فيها». وتوقع: «أنّ نشهد تغييراً في الموقف الغربي تجاه سورية، وأن يتم التعاون معها على تصفية داعش». كما توقع «أن تنتهي الأزمة السورية إلى حلّ قبل نهاية هذا العام، ما سينعكس إيجاباً على لبنان».

وتطرق حسيب إلى ملفّ المفاوضات الغربية – الإيرانية حول النووي الإيراني متوقعاً «أن نشهد خلال الأشهر الباقية من هذه السنة اتفاقاً ما بين إيران و«دول 5+1» في الحوار الجاري».

وأكد أنّ أميركا تحاول من خلال المفاوضات النووية أخذ ضمانات لطمأنة «إسرائيل» ومنعها من ضرب إيران». وشدّد على «أنّ حرب غزة أعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة وتركت نتائج سياسية وعسكرية قاسية على «إسرائيل»».

بين المالكي والعبادي

وفي قراءته للمستجدات السياسية والأمنية في العراق، خصوصاً قرار الرئيس السابق للحكومة نوري المالكي التنحي لمصلحة حيدر العبادي أوضح حسيب «أنّ ما حدث في العراق لم يكن مقصوداً فيه العراق بعينه، بل هو جزء من جبل جليد لا بدّ أن يعالج، وما حدث يبدو أنه جزء من صفقة دولية كبيرة، قد لا تشمل العراق فحسب، بل قد تشمل سورية وإيران والسعودية ولبنان»، لافتاً إلى «أنّ الولايات المتحدة الأميركية وإيران لا يمكنهما أن تلوما المالكي على ما فعل عند تمسكه بالسلطة، لأنّ إيران والولايات المتحدة هما من أتى بالمالكي إلى السلطة بعد انتخابات عام 2010، في حين كانت السعودية عام 2010 تؤيد وصول أياد علاوي للسلطة إلا أنها لم تستطع».

ولفت إلى «أنّ الولايات المتحدة الأميركية عندما احتلت العراق من دون موافقة مجلس الأمن أسقطت تعبير الشعب العراقي، وبدأت تتكلم عن شيعة وسنة وأكراد وتركمان». وعندما شكلت مجلس الحكم الموقت، شكلته على أساس طائفي تضمّن تقسيماً، هذا للشيعة، وهذا للسنّة، وذاك للأكراد، والمالكي ضحية تغيير الأهداف في المنطقة، وضحية ما تتفق عليه القوى الكبرى».

وأضاف حسيب: «إنّ ظهور «داعش» كان لإرهاب الشعب العراقي، بعدما عجز مجلس النواب عن تشكيل حكومة ضمن المدة الدستورية نتيجة الخلافات، ولكنّ الإرهاب المتمثل بـ«داعش» جعل كلّ الأحزاب الشيعية حتى تلك التي لا تتفق مع بعضها، وكل الأكراد، والعشائر بكل أطيافها المذهبية، والسنّة طبعاً، وأميركا، والسعودية، وإيران، يتفقون جميعاً على تغيير المالكي والمجيء برئيس وزراء جديد هو حيدر العبادي».

أميركا وتعقيدات العراق

وعن تقييمه لمرحلة تولي المالكي السلطة، والخطاب الذي ألقاه أثناء تنحيه عن السلطة لمصلحة العبادي، أوضح حسيب «أنّ أميركا والسعودية والخليج عموماً وإيران هي التي احتلت العراق، وهي التي أتت بالمالكي، لأنّ السعودية وسورية كانتا تريدان أياد علاوي، وإيران وأميركا كانتا تريدان نوري المالكي لأسبابهما الخاصة، وهما دفعتاه إلى التنحّي بعد أن وجدتا بديلاً له، وسوف تشكّلان الحكومة أيضاً». وقال: «إنّ الخوف الذي كان ينتاب الجميع ليس تقسيم العراق إلى شيعة وسنّة وأكراد، بل كان الشيء الذي سيترتب على الاختلاف وبسبب عدم التوافق بين الأطراف السياسية والدول المعنية بالقضية العراقية وهو تفتيت العراق. والسبب في ذلك أنّ الشيعة مختلفون في ما بينهم، الأحزاب الشيعية: الدعوة والمجلس الأعلى والتيار الصدري مختلفة. والأكراد مختلفون في ما بينهم أيضاً: حزب الاتحاد لجلال طالباني، والحزب الديمقراطي للبرزاني، وحتى الآن لم يوحدوا وزارة البيشمركة المنقسمة، إذ لكلّ منهما وزارته، وكذلك الأمر بالنسبة إلى وزارة المال أيضاً. إضافة إلى ذلك، فمنذ ستة أشهر انتهت الانتخابات المحلية في كردستان، إلا أنه حتى الآن لم تشكل الوزارة بعد بسبب هذه الاختلافات. وهذا ينطبق بصورة مشابهة أو مختلفة على السنّة، فقسم منهم التحق بالعملية السياسية في حين أنّ قسماً آخر منهم كان موجوداً فعلاً مع «المعارضة» التي دخلت العراق مع الاحتلال. فالمطروح ليس تقسيم العراق فحسب بل تفتيته».

وسأل حسيب: «هل يمكن الحكومة الجديدة أن تلغي بعض التشريعات التي ينتقدها أوباما والتي صدرت في عهد الحاكم الأميركي بول بريمر، ومنها اجتثاث البعث، وحل الجيش العراقي؟ يعترف بول بريمر في مذكراته بأنّ قرار حل الجيش العراقي اتخذه الأميركيون ورحّبت به إيران والأكراد وأطراف عراقية أخرى، ودول الخليج العربي، فالرئيس أوباما إذا أراد أن ينتقد هذه السياسة التي أمضى بها سياسيو العملية السياسية، فعليه أن ينتقد الإدارة الأميركية السابقة، مرحلة جورج بوش الذي أقدم على احتلال العراق وما ترتب عليه، فالقرارات الرئيسية التي أساءت إلى الدولة العراقية هم الذين سنّوها وطبّقوها. فهذا الذي يسمى الآن بالجيش العراقي هو عبارة عن ميليشيات ليس لها أي ولاء للوطن، بل ولاؤه لأطراف مختلفة، أي يعتمد ولاؤه على انتمائه الطائفي والإثني. وفي عام 2013 كانت كلفة تشغيل الجيش العراقي من دون عائدات الأسلحة التي اشتراها 17 ملياراً، لماذا؟ بكل بساطة لكونه ليس جيشاً حقيقياً، بل جيش ولاءات متعددة. فمثلاً الحزب الشيوعي على سبيل المثال لديه الآلاف من المنتمين إلى الجيش العراقي، وهم فقط مسجلون ويستلمون رواتب من دون الالتحاق بالجيش أو تنفيذ مهمات، والأمر نفسه بالنسبة إلى الأحزاب الأخرى، وأنّ قانون اجتثاث البعث الذي ينتقده أوباما الذي أقرّه وطبّقه هو بول بريمر، علاوة على تسليم مهمات تنفيذه لأحمد الجلبي ليكون منفذاً للقانون ومتجاوزاً له ضمن ما يضمن استمرار الاحتلال». وأضاف: «عند دخول الولايات المتحدة الأراضي العراقية كانت لديها مراقبة مالية، فهناك مفتش عام يراقب مصروفاتهم في العراق. وعلى المفتش العام أن يقدم تقريراً كلّ ثلاثة أشهر للكونغرس، وقد ذكر المفتش العام في تقاريره عن الفساد، علاوة على ذلك أنّ السفير الأميركي في العراق كان يرسل من حين إلى آخر تقريراً سرياً إلى وزارة الخارجية حول فساد الحكومة العراقية. وفي أحد تقارير المفتش العام خلال السنة الأولى من الاحتلال أشار إلى حادثة، وهي أنّ الجنود والضباط الأميركيين الذين كانوا يقيمون في القصر الجمهوري العراقي السابق، كانوا وقت الفراغ يلعبون كرة قدم، وكرتهم كانت تتكوّن من عدة شدّات من الدولارات المخزنة في الحمامات والغرف في القصر الجمهوري المحتل. فهل يوجد استهتار أكثر من هذا الاستهتار الذي يبدو كأنه حالة جنونية»؟

وعلق حسيب على رسالة الرئيس أوباما إلى الفصائل العراقية والتي يدعوها فيها إلى قيام حكومة عراقية موحدة ترتكز على التسوية والشراكة معها للقضاء على «داعش»، قائلاً: «هذه المقابلة منشورة منذ عدة أيام مع توماس فريدمان، وهي على قدر من الأهمية لأنه تكلم بقدر غير قليل من الصراحة، وإن كان لديه الكثير من الانتقادات التي وجهها إلى القوى في العراق في موضوع الجيش واجتثاث البعث لكنّ الإدارة الأميركية أثناء الاحتلال هي التي أقدمت على تنفيذ هذه القرارات وإقرار قوانينها». ولفت حسيب إلى «أنّ هذه المرحلة هي مرحلة انتقالية، فإما أن تتطور إلى وضع أفضل، ويصار إلى عملية سياسية جديدة يشارك فيها جميع العراقيين الذين هم مشتركون في العملية السياسية الآن، والذين هم خارج العملية السياسية، ويتم فيها تجميد هذا الدستور الحالي لكونه فضيحة، وتشكل حكومة إنتقالية مستقلة لمدة سنتين تعمل على انتخابات جديدة، وإعداد دستور جديد، وإذا لم يحدث هذا، فالولايات المتحدة بوضعها الحالي لن تتدخل»، مضيفاً: «أما بالنسبة إلى إيران وعلاقتها بما حصل في العراق فإنّ الوضع الحالي هو بمثابة جزء من صفقة، لأنّ إيران لم تكن لتوافق على الضغط على المالكي لكي يتخلّى من دون مقابل، ولكن لها علاقة بالمفاوضات الإيرانية ـ الأميركية حول السلاح النووي الإيراني، وهذا يعني أنّ إيران تمنح شيئاً هنا، وتأخذ شيئاً آخر هناك. وإذا ما تمّ السيناريو الأول سيبقى العراق رهن التطورات الحالية التي ستؤدي إلى تفتيته».

الالتقاء على تصفية «داعش»

وعن علاقة الموقف الإيراني من المالكي بخطر «داعش» وخصوصاً ما تداولته وسائل إعلامية عن أنّ داعش تدق أبواب إيران أوضح حسيب «أنّ الوضع الحالي شبيه بوضع أميركا في أفغانستان أثناء الاحتلال الروسي، والأميركيون هم الذين درّبوا وموّلوا «القاعدة»، ومن بعد انسحاب الروس من أفغانستان احتلت القاعدة أفغانستان من خلال طالبان، والآن هناك أكثر من جهة ساعدت «داعش» وموّلتها، وكان لـ«داعش» لقاء ذلك أن تخدم تلك الجهات لأغراض مؤقتة، فـ»داعش» وحتى القوة المتعاونة معها في احتلال الموصل وما تلاها كانت فقط لإرهاب العراقيين والحكومة الحالية. وبحسب ما قيل لي، لم تكن هناك نية لاحتلال بغداد بل كانوا لا يحبّذون إسقاطها عسكرياً، وإنّ الهدف كان إسقاطها سياسياً وهذا ما حصل». وأضاف: «إنّ داعش الآن حالة موقتة تمّ تضخيمها لأغراض مختلفة، وسنشهد قريباً انحدار «داعش» وانتهاء هذه الظاهرة بالسرعة نفسها التي ظهرت فيها. ففي مقابلة توماس فريدمان أشار أوباما بأنه سيحارب «داعش» في سورية والعراق، وبول بريمر أشار في مقابلة تلفزيونية منذ أيام إلى أنّ أميركا ستحاول إقصاء «داعش» والقضاء عليها في العراق وسورية، وكررها مرتين، والسؤال المطروح هنا وفق هذين التصريحين: ما هي النتائج التي ستترتب على هذه السياسة في سورية بعد القضاء على «داعش»؟

العراق وسورية

وعن التغييرات الجديدة بعد تكليف حيدر العبادي تشكيل الحكومة والتقارب والانفتاح على حكومة كردستان، شدّد حسيب على «أنّ العملية الحالية هي انتقالية ولن تنجح، ولكن في حال عدم نجاحها سنكون أمام وضع لا تتمكن الولايات المتحدة من خلاله التدخل في العراق»، متسائلاً: «لماذا كانت هذه الضربات الجوية في إربيل وليس في مكان آخر؟ هذا يظهر أنّ باقي العراق لا يعنيها بل يعنيها تحديداً هذه المنطقة». أما بالنسبة إلى إيران، رأى حسيب أنها «سوف تكون أيضاً في وضع تحتاج فيه للتمهيد إلى حوار سعودي ـ إيراني. وهذا الإطار يمكن أن نستشرفه من البرقيات التي بعثها العاهل السعودي إلى الرؤساء العراقيين الجدد، رئيس مجلس النواب، ورئيس الجمهورية، ومرشح رئاسة الوزراء. فمَنْ يمكن أن يضبط الساحة الداخلية من دون وجود أمن». ولفت إلى «أنّ الأمور قد تتطور وسيكون هناك اقتتال ليس بالصورة التي نعرفها في الحروب الأهلية، كالقتال بين شيعة وسنّة، وشيعة وأكراد، ولكنّ اقتتالاً ربما سيكون شيعياً ـ شيعياً، وسنياً ـ سنياً وكردياً ـ كردياً». وأضاف: «إذا كانت إيران وأميركا تنويان عدم التدخل لأسبابهما التي ذكرناها سلفاً، سنكون في حاجة إلى حكومة انتقالية في العراق تتولى وتخول صلاحيات تشريعية وتنفيذية مدة سنتين، وإعادة تشكيل الجيش العراقي، لأنّ الجيش الحالي ليس بجيش، وتجميد الدستور، وأن تعدّ الحكومة الانتقالية لانتخابات جديدة حسب قانون انتخابات جديد، وتتولى إعداد دستور من خلال هذا المجلس المنتخب ويعرض بعد ذلك للاستفتاء». وتابع: «إذا شكلت حكومة إنتقالية ولم تتدخل إيران وأميركا لحماية الأمن، فمن هي القوة التي يمكنها خلال هذه المرحلة الإنتقالية أن تحمي الدولة؟».

وأشار حسيب إلى «أنّ تجربة التدخل الخارجي الأجنبي فشلت، ونشاهد ما حصل ويحصل الآن في ليبيا. لذا هناك حاجة ماسة إلى إنشاء «قوة عربية» أو «جيش عربي» بحسب اتفاقية الدفاع العربي المشترك تمضي لإنشاء هذا الجيش، ولا بدّ من حلّ الخلافات العربية قبل إنشائه. فالحاجة إلى القوة العربية ليس فقط لحالة العراق، فهذه القوة العربية سنحتاجها في الحفاظ مستقبلاً على أمن الخليج العربي. إذ لا يمكن الخليج العربي وحده حماية أمنه، فهو بالتأكيد غير قادر على ذلك بسبب حجم السكان واعتبارات أخرى. ولا بد من أن يكون هناك أمن عربي وليس أمناً خليجياً. وأمن عربي ـ إيراني أيضاً، وستحتاج الأمة إلى قوة لطمأنة الخليجيين بوجود قوة عربية محل القوة الأميركية، وغير الأميركية في المنطقة. ولا بد من أن يتم هذا بقرار من مجلس الأمن».

وحول الأسباب الداخلية التي دفعت العراق إلى ما وصل إليه الآن، قال حسيب: «إنّ المسؤول عما حصل من الاحتلال الاميركي إلى الآن المسؤول الأساسي عنه هي القوى التي احتلت العراق. فما ورد في قانون إدارة الدولة الانتقالي الذي نتج منه التصويت لهذا الدستور هو أنّ في الاستفتاء على الدستور إذا كانت هناك ثلاث محافظات فيها غالبية الثلثين قد رفضت مشروع الدستور يسقط المشروع، وذلك لأنّ الأكراد لديهم ثلاث محافظات: هي دهوك وأربيل والسليمانية، فأعطوهم فيتو على الدستور في العراق، فموضوع الطائفية في العراق أمر لم يكن موجوداً من قبل بهذا الشكل. وحتى السيستاني عندما سألوه بعد الاحتلال، هل كان صدام حسين طائفياً؟ أجاب: لا لم يكن طائفياً، ولكنه كان ديكتاتوراً. كما أنّ غالبية الأعضاء في حزب البعث هم شيعة. فالذي يحصل الآن في العراق هو أمر جديد، مثل الطائفية والمحاصصة، وحتى الأكراد تمّ إعطاؤهم صيغة في الدستور لا يستوي أمرها، لا في العراق ولا في أي دولة اتحادية. فمسعود البرزاني يتصرف كدولة مستقلة، ومؤخراً عند حدوث الأزمة مع داعش تحدث عن استفتاء للاستقلال عن العراق».

وعن إمكانية إعادة ترتيب النسيج الاجتماعي العراقي وعودة مسيحيي الموصل وسهل نينوى بعد استقرار الأوضاع اعتبر حسيب «أنّ المسيحيين في العراق ليسوا طارئين، بل لهم جذورهم في التاريخ والمنطقة وفي الموصل بالذات ليست هناك مناطق معينة مسيحية ومسلمة بشكل كامل، بل هم متداخلون اجتماعياً مع بعضهم بعضاً».

ورداً على سؤال عن نجاح المرحلة الانتقالية وعودة المسيحيين الذين هجروا إلى العراق قال: «عشت فترة «الحرب الأهلية» في لبنان ورأيت التقسيمات «الشرقية والغربية»، وما إن انتهت الحرب اللبنانية حتى رجع اللبنانيون للتعايش مع بعضهم بعضاً، وانتهت التقسيمات الشرقية والغربية. فالانقسامات هي على مستوى النخبة السياسية موجودة ولمصالح خاصة، والنسيان والزمن لهما الدور الكبير في إصلاح الأمور رغم أنّ ذلك يترك آثاراً نفسية».

المصالح الأميركية في أربيل

وعن سبب استنفار الولايات المتحدة كل قواتها الجوية حينما هدّدت «داعش» أربيل وأطراف المنطقة الكردية ولم تستنفرها للتدخل لمنع «داعش» عندما احتلت الموصل أجاب: «في مقالة نشرها في صحيفة «الإندبندنت» البريطانية بتاريخ 10 آب 2014، لخّص روبرت فيسك أسباب التدخل الأميركي بما يلي: وجود أعداد كبيرة من الأميركيين في منطقة كردستان، ووجود نفط في كردستان بما يقارب حوالى 44 بليون برميل من احتياطي العراق البالغ 143 بليون برميل، إضافة إلى الغاز. وأشار إلى أنّ هناك شركة كلوبل أويل الأميركية التي تعمل في كردستان، وهناك آلاف الغربيين الذي يعيشون ويعملون في أربيل، إذ تصل استثماراتهم إلى حوالى عشرة مليارات دولار. فشركات «موبل» و«شيفرون» و«أكسون» و«توتل» لديها امتيازات ومصالح في كردستان العراق. وتحصل هذه الشركات بحسب الاتفاق المعمول به مع كردستان العراق بما يصل إلى 20 في المئة من الأرباح. فالأميركيون ذهبوا دفاعاً عن المصالح النفطية الأميركية وعن رعاياهم. ولكن لم تذكر أي صحيفة لا في أميركا ولا غيرها موضوع النفط نهائياً، وحتى في احتلال العراق لم يذكر النفط كسبب، إلا أنّ كرينسبان الذي كان يشغل منصب حاكم البنك المركزي، وبعد أن ترك العمل نشر في مذكراته حين سألوه، ما هو سبب ذهاب أميركا إلى العراق؟ أجابهم: «it was about oil».

وأضاف حسيب: «داعش هجرت المسيحيين في الموصل قبل هذه الأحداث، ولم تتدخل الولايات المتحدة، لأنّ أوباما في تدخله الحالي لحماية كردستان العراق من خلال القصف الجوي لـ«داعش» استخدم صلاحياته كرئيس للولايات المتحدة الأميركية التي تمكّنه في حالات استثنائية من الدفاع عن المصالح الأميركية من دون العودة إلى الكونغرس الأميركي لمدة لا تتجاوز تسعين يوماً لاستخدام القوات العسكرية».

الغرب ومسيحيو الشرق

وحول التعامل الغربي مع مسيحيي الشرق على أنهم ليسوا أبناء المشرق الأصلي ولا جزءاً من حضارة العرب قال حسيب: «لو تصفحنا التاريخ ونظرنا إلى دور المسيحيين في دمشق في تحرير سورية وغيرها من الأمور، سنجد أنهم كانوا وطنيين، حتى إنّ الحركات الوطنية كانت أحياناً تجتمع في الكنائس».

سورية والمشهد الإقليمي وآفاق الحل

وتطرق حسيب إلى الملف السوري وعن عمل المبعوث الدولي الجديد الى سورية ستيفان دي ميستورا وعن آفاق الحل السياسي للأزمة السورية حيث رأى «أنّ النظام السوري مثل الكثير من الأنظمة العربية، كالنظام الذي كان في العراق وفي ليبيا ودول عربية أخرى، هو نظام قائم على حكم الحزب الواحد بصيغ مختلفة كالحزب القائد وغيرها من الصيغ المختلفة، وفي هذه الدول تكون الحريات العامة والممارسة الحقيقية للديمقراطية غائبة، وما حصل في سورية هو نفسه الذي حصل في العراق وحتى في مصر. وإذا تطرقنا إلى مصر بتاريخها وإرثها الحضاري، فهل يُعقل أنه ليس فيها إلا مرشحان لرئاسة الجمهورية، السيسي وصباحي؟ وهذا يعني أنهم قضوا على النخب ولا بدائل»؟ وأضاف: «إنّ الحراك الداخلي في سورية ليس مقاومة ضدّ الاحتلال مثل المقاومة الفلسطينية. فهذا الحرك استخدم العنف لذلك انتهى وفشل، فالحراك الذي قاد التظاهرات سارع إلى عسكرة المعارضة بعد شهرين أو ثلاثة، والذين بدأوا بالتظاهرات عادوا إلى ديارهم، وتحوّلت المسألة السورية إلى شيء آخر، والآن تشترك كلّ من تركيا والسعودية وقطر والأردن وأميركا وفرنسا وبريطانيا في تمويل وتدريب وتجهيز المعارضة الموجودة. فإذا قارن أي سوري ما بين النظام وكل الملاحظات التي حوله، وبين هذه المعارضة التي تعمل على إسقاط النظام، فأيهما يختار؟ لم يكن هناك بديل أفضل من النظام مع كل الملاحظات حوله، إضافة إلى أنّ النظام قام بنوع من العمليات التجميلية كتعديل الدستور، وإلغاء المادة الثامنة التي تتحدث عن مركزية الحزب القائد. ولكن أخذ الرئيس جميع الصلاحيات بما فيها الصلاحيات القضائية. كما أصدروا قانوناً جديداً لتشكيل الأحزاب للمرة الأولى. وقد أجرى النظام الانتخابات على رغم كل شيء وهناك تغيير في الموقف الدولي الآن تجاه سورية، بعد الفشل في إيجاد معارضة لإسقاط النظام».

وأشار حسيب إلى «أنّ موضوع «داعش» الآن أصبح أولوية على أي شيء، ففي سورية يتقاتلون مع بعضهم بعضاً، «داعش» مع «النصرة»، وكل منهم يصفّي الآخر. وما حدث في حلب وقبل أيام في المليحة، يدل على أنّ النظام في سورية لم يخرج من عنق الزجاج فحسب، بل خرج من الزجاجة. وبناء على بعض المعلومات التي حصلت عليها سنشهد تغييراً في الموقف الغربي تجاه سورية، وسيكون التركيز على التعاون معها على تصفية «داعش»، والنظام لم يعد مستهدفاً وقبل نهاية هذا العام سينتهي موضوع سورية إلى حل، وسينعكس ذلك على لبنان إيجابياً، كما أنّ ما يسمى الجيش الحر سيكون قد انتهى أيضاً».

العلاقات الروسية – المصرية – السورية

وعن مدى تطور العلاقات المصرية – الروسية من النافذة الاقتصادية من جهة، وإشارات تطور العلاقات المصرية – السورية من النافذة الأمنية من جهة ثانية، تحدث حسيب «عن جهود روسية – أميركية – غربية لمصلحة النظام لتحسين صورته دولياً، ولربما بعد زيارة السيسي لموسكو، وتحدث عن «جنيف 3» وأنّ على النظام السوري أن يستبق الأحداث ويدخل تعديلات جديدة على الدستور، وتعديل القوانين، بحيث يكون هناك حد أدنى للتغيرات نحو الديمقراطية».

إيران وخطر «داعش»

وعن مدى تغير الدور الإيراني في المنطقة وسورية بعد تنحي المالكي لمصلحة العبادي، وما إذا كان سينعكس على الحل في العراق وسورية ولبنان، أوضح حسيب «أنّ الإيرانيين أثبتوا خلال المدة من 1979 إلى الآن أنهم دولة لديها مؤسسات، وليست نظاماً فيه حاكم مطلق. فالطريقة التي تصرفوا فيها خلال الأزمة مع الولايات المتحدة تدل على ذكاء وعمق وتخطيط وحكمة غير متوافرة في أي دولة من الدول المجاورة. وأعتقد أننا سنشهد ربما خلال الأشهر الباقية من هذه السنة اتفاقاً ما بين إيران و«دول 5+1» في الحوار حول السلاح النووي. فإذا كان هذا التوقع صحيحاً فماذا تريد إيران من العراق أو الخليج أو مصر أو السعودية، فهي لديها نفط، وصناعاتها متقدمة، وفي شكل طبيعي ستكون الأسواق العربية مفتوحة أمامها، وحتى لو سحبت الولايات المتحدة وبريطانيا جيوشها من الخليج، وتمّ الاتفاق فعلاً على أمن عربي ـ خليجي، وأمن عربي ـ إيراني لحماية الخليج، فما هي مصلحة إيران في التدخل في الخليج أو إحتلاله؟ أليس في دبي سوق مالية مسخّرة لإيران؟ أليس العراق قائماً بدوره لحماية إيران أثناء المقاطعة. فكل شيء كان يقطع عن إيران كانت تأتي به من طريق العراق. فما هي مصلحة إيران بقيام علاقة استراتيجية مع سورية إذا لم تكن هناك مواجهة ما بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية والغرب»؟. وقال: «سورية إذا ما تمت تسوية مسألتها فبماذا ستحتاج إلى إيران. وهذا يعني أنّ الوضع سيهدأ في المنطقة، وهذا الهدوء سيخدم لبنان».

الصمود الفلسطيني وتحقيق المكاسب

وفي الشأن الفلسطيني، وعن تمكن الرئيس الأميركي من الضغط على بنيامين نتنياهو ومحمود عباس للوصول إلى اتفاق سلام على مبدأ الأرض مقابل السلام، لفت حسيب إلى «أنّ الولايات المتحدة في مفاوضاتها مع إيران تحاول أن تدخل ضمانات لكي تطمئن «إسرائيل»، وتحول دون قيام «إسرائيل» بعمل انفرادي ضدّ إيران كقصفها أو غيره، و«إسرائيل» لا تقدر على هذا العمل وحدها، ولكن حتى لو أرادت أن تغامر فلا بد من وجود مسوغ لذلك». وأضاف: «في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية الآن، فالمرحلة هي ليست مرحلة تحرير برأيي، بل هي مرحلة صمود وعدم إعطاء تنازلات، وتحصيل أي تحسينات جزئية. وما حصل مؤخراً في غزة والمفاوضات الجارية وبمعزل عن وقف إطلاق النار المؤقت 72 ساعة وأخرى خمسة أيام، فهذا يعطي الفلسطينيين فرصة ناجحة وسيخرجون بمكسب مادي ومعنوي وسيفتح معبر رفح، وأعتقد أنهم سيجدون صيغة ستقبلها «إسرائيل» وتتضمن فتح معبر رفح وتكون مصر الضامن لذلك. كما سيتم تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية، وانتخابات وغيرها، ولكنّ القضية الفلسطينية وموضوع «إسرائيل» سيكون آخر حلقة من المشهد الذي يرتب دولياً الآن». وأضاف: «لنعطِ أهمية أكبر للجهاد الإسلامي ومواقفها المبدئية، وخصوصاً رمضان شلح قائد الجهاد الإسلامي. وما يجري اليوم في غزة له دور كبير بإعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة بعد أن أهملت عربياً لسنوات طويلة، ولم تعد من أولويات جدول الأعمال العربي، أما الآن فهي قمة جدول الأعمال العربي».

أين مصر؟

وعن أهمية الدور المصري في القضية الفلسطينية، لا سيما احتمال عقد مؤتمر لإعادة إعمار غزة في القاهرة اعتبر حسيب «أنّ ما حصل في حرب غزة لا يقاس فقط بالمعايير المادية، مثلاً قتيل في مقابل قتيل، بل تُؤخذ الحصيلة من خلال نتائج هذه الحرب المادية والمعنوية. فإذا كانت غزة المحاصرة من كلّ الجهات وتمثل جزءاً من فلسطين، والضفة الغربية لم تكن معها، وتمكنت من أن تقاوم وتصمد. وحتى في أثناء المفاوضات الآن الجهة التي تسبق في الموافقة على تمديد الهدنة الموقتة واستمرار المفاوضات هي «إسرائيل» وليس المقاومة الفلسطينية». وشدّد على «أنّ حرب غزة والمفاوضات الحالية ستكون لها نتائج سلبية هائلة على «إسرائيل»، وعلى مدى إمكانية استخدام هذه الضربات الجوية القاسية مستقبلاً في غزة أو جنوب لبنان أو غيرها. وستبين أيضاً أنّ ما حصل في غزة أنهى مشاريع محمود عباس بخصوص المفاوضات التي أخذت سنوات طويلة من دون نتائج، وسوف تقوي الوحدة الفلسطينية في الداخل، وإذا تمكنت غزة بالقوة الموجودة فيها سرايا حماس والجهاد الإسلامي أن تصمد وتكوّن تراكماً لهذه النجاحات بخاصة نجاحها في وضع القضية الفلسطينية وإعادتها كأولوية عربية، أعتقد أنّ هناك ما يدعو إلى التفاؤل المحسوب تدريجياً على المدى الزمني المتوسط والطويل».

موقع لبنان في المعادلات

وفي الشأن اللبناني وخصوصاً ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي، رأى حسيب «أنّ هناك اتفاقاً إقليمياً دولياً حول استقرار لبنان، ولكن هناك قضية بنيوية لبنانية وهناك خلل في نسق القيم اللبنانية. واللبنانيون عموماً، مع استثناءات قليلة ينظرون إلى الدولة على أن لهم حقوقاً عليها وليس عليهم واجبات تجاهها. والاعتبارات المادية لها أولوية في نسق القيم عندهم، وهذه تؤثر في كل القيم».

مصر والنظام الإقليمي

وعما إذا كانت هذه المؤشرات الإيجابية في المنطقة خصوصاً في سورية والعراق تساهم في إعادة النظام الإقليمي العربي إلى التماسك أوضح أنه «إذا تحققت هذه التوقعات التي أشرنا إليها، فهذا سيساعد على لملمة النظام الإقليمي العربي الذي هو الآن مفكك، والخليج هو الذي يقود النظام الإقليمي العربي الآن، وذلك لغياب دور مصر بعد كامب ديفيد، وانحسار دورها العربي، وغياب مصر هو أحد أسباب اختلال توازن هذا الجسم العربي. ولم يستطع أي نظام أو مجموعة أنظمة عربية أن تحل محل مصر. وقد حاولت السعودية وسورية ملء هذا الفراغ، لكنهما أخفقا في ذلك. لذلك فإنّ دور مصر في معركة غزة الأخيرة كان تسويق السياسة الأميركية في المنطقة. وبقدر ما يمكن النظام المصري الجديد أن يستقل عن السياسة الأميركية والغربية، أعتقد أنه قادر على القيام بدور أكبر، ولكن إلى الآن غير واضح إلى أين تتجه القيادة المصرية الجديدة. وما هو موقفها من كامب ديفيد، ومن الديمقراطية، كما أنّ هناك خوفاً الآن من عودة الحكم العسكري إلى مصر».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى