هل تُسقط ثورة البندورة التمديد لنوّاب الأمّة؟!

أحمد طيّ

«بعرفش إقرا»… عبارة قالها أحد الشبّان، والذي، من سماته، يظهر أنّه يتقن القراءة وبأكثر من لغةٍ غير لغته الأمّ. أمّا هذه العبارة، فقالها مبدياً تهرّبه من مجموعة شباب آخرين، أخذوا من شارع الحمرا رصيفاً لكي يوزّعوا مناشير على المارة. الشاب الذي تهرّب من المنشور ظهرت سريعاً على وجهه تلك العلامات التي نشعر بها لدى تفكيرنا بالأوضاع الحالية، وبما آل إليه هذا اللبنان الصغير بمساحته والكبير بأزماته. إنه ذلك الشعور باليأس، فتترك النضال جانباً، والعلم جانباً، وقد تتخلّى عن أحلامك أو تقزّمها لمجرّد «فيزا» في أقرب سفارة.

«ما بدي إقرا»، عبارة أخرى أكثر جرأة وصدقاً قالها شاب آخر، وكأنه على علمٍ بما في المنشور من كلمات، أو ربما بلغ فيه القنوط درجات ودرجات.

ربما تختصر هاتان الحالتان، ما يشعر به اللبنانيون إزاء ما وصلت إليه الأوضاع، فالتهديدات الأمنية موجودة وبقوة اعتراف أهل السياسة مدعومين بتنبؤات نوستراد آموس لبنان ميشال حايك. والأوضاع الاقتصادية في أعمق قعر، والكهرباء والماء حدّث ولا حرج، والإعلام المرئي يشارك أميركا والصهاينة والغرب في زرع بذور الفتنة عبر تنقيبه عن أصل الخلاف بين «السنّة والشيعة» بدلاً من العمل على رأب هذا الصدع، أما الداء الأكبر فيكمن في السياسة والسياسيين، الذين يعتبرهم معظم الشعب ـ وإن لم يتكلم ـ مسؤولين مباشرين عمّا آلت إليه الأمور… لذا وجب التغيير.

والعمل على التغيير يكون بأساليب مختلفة، أهمها التعبير عن الرأي، إن بالكلمة أو برفع الصوت عالياً، من خلال التظاهرات والمسيرات. وغداً، سيكون وسط بيروت على موعد مع رفع الصوت، وهذه المرة ضدّ التمديد لمجلس النواب، الذي يلوّح به البعض تحت ذرائع يعتبرها الشعب… واهية.

غداً ستنطلق تظاهرة يكون عنوانها «لا للتمديد»، وسلاحها البندورة، والمشاركون فيها طلاب وناشطون مدنيون، ينضوون تحت ما سمّي بالحراك المدني للمحاسبة.

هذا غداً، أما أمس، فقد كان التحضير للتظاهرة يشهد فصلاً من فصوله: فريقان من الناشطين انطلقا إلى الحمرا وساحة ساسين، ووزّعوا البندورة على المواطنين لكي يعبّروا عن رفضهم التمديد على طريقتهم.

كما وزّع الناشطون مناشير على المارة، دعت إلى المشاركة في المسيرة التي ستنظم غداً الخميس، والتي ستنطلق عند السادسة مساءً من أمام وزارة الداخلية في الصنائع، إلى ساحة رياض الصلح في وسط بيروت.

ومما جاء في المناشير: «تضمن الديمقراطية أحد أهم حقوق التعبير عن الرأي، وهي الانتخابات. إن التمديد لمجلس النواب إخلالٌ بالأسس الدستورية والديمقراطية في البلاد، وإلغاءٌ لدوركم في ممارسة حقك الانتخابي. لذلك، ندعوكم كحركات طلابية علمانية مستقلة، إلى المشاركة الفعلية كطلاب ومواطنين قلقين، ومسؤولين عن استمرار المسار الديمقراطي في لبنان، إلى التظاهر والمشاركة في المسيرة ضدّ التمديد لمجلس النواب».

ميرنا لاوند

وأدلت الزميلة ميرنا لاوند بتصريحٍ لـ«البناء» جاء فيه: «يوماً بعد يوم، تثبت الطبقة الحاكمة بغالبية شرائحها و مكوّناتها السياسية، فشلها الذريع، وخرقها القوانين تحت مسمّيات «الحاجة تبيح المحظوارت»، و«الحاجة تبرّر الوسائل».

فأيّ حاجة في طعن الديمقراطية تكون فعلاً حاجة إلى كسر المحظور ومنع الفراغ؟!».

وتابعت: «للمرة الثانية على التوالي، يجرؤ السياسيون وبجدّية على طرح مسألة التمديد لمجلس النواب، من دون أي مراعاة للشريحة الشعبية المندّدة بالتمديد أو الالتفات إليها، وكأن الدولة تتفضل وتقول لنا إن العلاقة بينها وبين الشعب اتّسمت بالطلاق من دون رجعة. ونحن نقول لها إنّ قرار التمديد إذا أقرّ للمرة الثانية، فإنه سيفتح المجال أمام إلغاء استحقاقات دستورية أخرى تحت حجج واهية وغير جدّية.

تجدر ا شارة إلى أن المجلس الدستوري سبق وألغى قانوناً يقضي بتمديد ولاية مجالس بلدية واختيارية عام 1997، تحت كلام مفاده آنذاك أنّ التمديد يعطل مبدأ دورية اانتخاب وهو مبدأ دستوري. فهل مبدأ دورية اانتخاب مصاب بانفصام جوهريّ ما بين استثناءات للمجلس النيابي ووجوب للمجلس البلدي؟».

نعمت بدر الدين

أما الزميلة نعمت بدر الدين، فاعتبرت أنّ التمديد للمجلس النيابي ليس ديمقراطياً، وأنّه إذا أقرّ من جديد، فإنه يقتل العملية الديمقراطية في البلد ويغتالها، ويمنع الناس من ممارسة حقوقهم التي منحهم إياها الدستور لانتخاب ممثلين عن الأمة جمعاء.

إنّ ما يحدث اليوم لهو اغتيال الشكل الأخير من أشكال الديمقراطية. فالوضع في لبنان ليس أفضل من ليبيا ومصر وتونس وسورية والعراق. هناك الأوضاع الأمنية ـ التي يتذرعون بها هنا ـ أسوأ بكثير مما هي عليه في لبنان.

من حقنا الطبيعي والديمقراطي أن نطالب بإجراء العملية الانتخابية وفق قانون عصري للانتخابات خارج القيد الطائفي يضمن عدالة التمثيل، ويكون قائماً على مبدأ النسبية. ومن حق كل مواطن ممارسة حقه في الترشّح والانتخاب. وهنا لا بدّ من الإشارة، إلى أنّ رفضنا التمديد اليوم لا يعني مطلقاً قبولنا بإجراء انتخابات وفق قوانين «أمر واقع»، ولا وفق قوانين لا تحقق الديمقراطية الحقيقية».

وتابعت: «إن دعوتنا إلى التظاهر غداً الخميس، هي دعوة للمشاركة في رفض التمديد مهما كانت الظروف السياسية والأمنية، هي دعوة لنقول: كفى في وجه رهننا لأسباب تخصّ مصالحهم الشخصية والطائفية والنفعية، لنقول كفى في وجه الحجج الواهية من حجّة انتخابات رئاسية قبل النيابية، إلى حجّة الأوضاع الأمنية».

عربي العنداري

«البناء» التقت أيضاً الناشط عربي العنداري الذي كان ضمن المجموعة التي توزّع المناشير في شارع الحمرا، والذي قال: «إن ما نقوم به اليوم، يندرج في إطار النشاط العام المسمّى الحراك المدني للمحاسبة والذي ينضوي فيه عدد من مؤسسات المجتمع المدني والطلاب، لا سيما طلاب من الجامعة الأميركية في بيروت والجامعة اللبنانية ـ الأميركية. وهو عبارة عن تحضير لتحرّك الغد الخميس المتمثل في تظاهرة ستنطلق في تمام السادسة مساءً من أمام وزارة الداخلية وصولاً إلى ساحة رياض الصلح، وطبعاً ضدّ التمديد الثاني لمجلس النواب.

إن هذا الحراك يخاطب الناس ويوضح لهم أننا كلما نذعن لهؤلاء الذين يدّعون زوراً بأنّهم نواب، فإنهم يتمادون في تهميشنا والهزء بنا، وفي استمرارهم بالممارسات اللادستورية واللاقانونية، كما أننا بإذعاننا يستمر الفشل والعجز، والأهم من ذلك كلّه، تستمر تلك المسرحية الفاشلة التي يؤدّونها، ونبقى نحن الضحايا».

وتابع: «أما المطلوب من الناس، فالتعبير عن الرأي بأي شكل من الأشكال، إن كان بالبندورة أو الصوت أو الكلمة، والأهم بالمشاركة في تظاهرة الغد. إن ما نلمسه لدى المواطنين لا يمكن أن يوصّف إلا باليأس من الأحوال التي آلت إليها البلاد، فالعمل السياسي أصبح تهمة، إذا قلت لأحد ما أنك تتعاطى السياسة، تُرشق سريعاً بكيل من الاتهامات كالفساد وتقاسم الجبنة والسرقة والتفريق والكذب على المواطن. للأسف هذه هي السياسة في لبنان، أو هكذا أصبحت بدلاً من أن تكون باباً للعمل العام أو تأمين الخير العام.

رسالتنا للمواطن اللبناني أن عليه ألا يقف ويتفرج، ألا ييأس، لأن يأس المواطنين يؤدّي حتماً إلى استفحال وجود هذه الطبقة السياسية».

هل تجدي البندورة؟

غداً، سيقول المتظاهرون كلمتهم، وسيرفعون أصواتهم، وسيحملون اللافتات ويلقون الكلمات ويتلون البيانات. لكن السؤال الأهمّ، هل ستفلح «ثورة البندورة» في إسقاط مشروع التمديد لنوّاب الأمة، في وقت لا يرى فيه نوابُ الأمّة هؤلاء المتظاهرين ولا يبالون بهم ولا بالشعب أجمع؟ سؤال يطرح نفسه وينتظر الإجابات.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى