الصمود السوري والنصر الفلسطيني مفاتيح إسقاط العقوبات من بوابة مكافحة الإرهاب

سعد الله الخليل

الغليان الذي تشهده المنطقة، والتي لم تشهد له مثيلاً في تاريخها المعاصر، بدأ من انشغال العالم بالأخبار عن جرائم التنظيمات الإرهابية، ومع انتشار ألوف الفيديوات التي تُظهر ممارسات لا يمكن وصف مرتكبيها بالانتماء إلى البشر، كما لا يمكن تحميلهم أيّ بعد أيديولجي مهما كان وضيعاً. أمام كلّ هذا، برزت على الساحة السياسية ثلاثة تطوّرات لا يمكن فصل تداعياتها عن بعضها. فإعلان وقف إطلاق النار الذي أنهى العدوان على غزّة، والذي أتى بالتزامن مع إعلان أميركا وسبع دول أوروبية التزامها تقديم الدعم العسكري إلى قوات البشمركة الكردية في العراق، تطوران حصلا بعد يوم من المؤتمر الصحافي لوزير الخارجية السوري وليد المعلم، الذي أعلن فيه مدّ اليد السورية للدول الراغبة في التعاون من أجل محاربة الإرهاب وفق ما نصّ عليه قرار مجلس الأمن 2107. ثلاثة تطوّرات لا يمكن تجاهلها في منطقة تقف على حافة الانفجار.

لم يكن الاتفاق الفلسطيني مع كيان العدو بالمفاجئ في ظلّ تطوّرات الحرب على القطاع والصلابة التي أبدتها الفصائل المقاوِمة على الأرض، وهو ما بدا واضحاً للعيان منذ اليوم الأول للعدوان، ولعل اللافت تمسّك الوفد الفلسطيني بمطالبه، وفشل الوفد الصهيوني بإيجاد شرخ بين مكوّنات الوفد الفلسطيني، يمنحه مكاسب سياسية أكبر، ويدفع الوفد الفلسطيني إلى القبول بخفض سقف المطالب، وهذا ما اتبعه الوفد الصهيوني بتكتيك الانسحاب من المفاوضات. لكنه رضي بالتوقيع على الورقة المصرية والمطروحة منذ بداية المفاوضات. ومع التهدئة وبانتظار العودة إلى المفاوضات مجدّداً، أمام الفلسطينيين تحدّيات كبرى، لعلّ أهمها الحفاظ على صلابة الموقف الفلسطيني ووحدته بحيث لا تذوب الانتصارات في دوامة المفاوضات التي يبرع الجانب الصهيوني في لعبها. كما يأتي مؤتمر المانحين الخاص بالقطاع من الأهمية بكثير ليطرح تساؤلات عن مدى استثمار الأموال القادمة لإعمار القطاع بالمفاوضات المستقبلية، إضافة إلى ملفات الوضع الإنساني والإنمائي وبلسمة جراح المصابين وكلّها ملفات ليست بالبسيطة.

وكما كان قبول الورقة المصرية متوقعاً، أتى الإعلان الأميركي عن التزام الدول الغربية الثماني دعم قوات البشمركة لمواجهة تنظيم «داعش»، والدول هي: ألبانيا وكندا وكرواتيا والدنمارك وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا، عبر تقديم أسلحة ومعدّات إلى القوات الكردية لمواجهة «داعش» بحسب توصيف وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل، بالتنسيق مع الحكومة العراقية في بغداد. ربما هذا الإعلان أتى ليوضح بشكل لا لبس فيه مصلحة الولايات المتحدة ودفاعها المستميت، لا عن العراق، بل على مصالحها في إقليم كردستان، وهذا ما كشف عنه تركيز الهجمات الأميركية على مقرّات «داعش» المتاخمة للحدود مع الإقليم الكردي، بعد أشهر من استيلاء التنظيم على مدينة الموصل وسهل نينوى، واقتراف أبشع المجازر بحق الأهالي من قتل وتهجير وإبادة جماعية لم تستدع أيّ تحرك لحين اقتراب الخطر «الداعشي» من الحدود الكردية.

خطوة التسليح تقابلها معلومات عن تدمير آليات عسكرية عراقية بوساطة الطائرات المقاتلة والطائرات من دون طيار، وهو ما يطرح بحدّ ذاته علامات الاستفهام حول النوايا الأميركية من تلك الخطوة.

يبدو أنّ الولايات المتحدة تعمّدت إضعاف الجيش العراقي من أجل تسهيل سيطرة صنيعتها «داعش» على العراق، وبالتالي إضعاف خاصرة سورية، مهمة تعمل على مواجهة الإرهاب بالتنسيق المباشر، وتقوية جناح أربيل العسكري كما قوّته سياسياً واقتصادياً بحيث يغدو الإقليم، القلب العراقي ومركز الثقل بدلاً من بغداد، لحماية مصالح واشنطن في الخليج.

ما أعلنه الوزير المعلم يتمثل في استعداد سورية للتعاون مع أيّ جهد دولي وإقليمي لمواجهة خطر التنظيمات الإرهابية بما لا يتعارض والسيادة السورية وفق القرار. المعلم وإن أبدى رغبة سورية في التعاون، إلا أنه لم يتوقع تعاوناً بنّاءً من دول أدمنت العداء لسورية، واضطلعت بالحرب عليها من دعم وتمويل للإرهاب. المعلم وإن أسهب في موضوع التعاون العسكري وربطه بالشقّ السياسي عرّج بشكل مقتضب على قضية العقوبات، واعتبر أنّ من يريد التعاون عليه أن يبدي جدّية بالتعاون، وأن يكون مخلصاً لسورية ولشعبها، في غمزة إلى الشقّ الاقتصادي لثالوث العلاقات الدولية السليم الأمني والسياسي والاقتصادي. فأي تنسيق أمنيّ لا يمكن أن يتم من دون تعاون سياسي، ويأتي الجانب الاقتصادي كثمرة حسن نوايا. وفي الشأن السوري مفتاحها البدء بإسقاط العقوبات أو رفعها تدريجيّاً، وهذا ما يقتضيه المنطق السياسي والأخلاقي من بوابة المصالح المشتركة، والتي قد تفرض على الأطراف الدولية في بعض الأحيان، وبسبب الظروف مراعاة الأولويات التي بالتأكيد لن تكون بالنسبة إلى سورية مقتصرة على الشق الأمني، وتُسقط السياسي والاقتصادي.

ربما ترضى سورية بتأجيل البحث في الجانب السياسي من منطلق أن الغرب لن يرضى بتراجع كلّي بمواقفه دفعة واحدة حيال سورية، إلّا أنها لن تفرّط بمصالحها الاقتصادية، والأهم أنّ من حقها تجيير صمودها لمدى سنوات وصدق رؤيتها حيال الإرهاب، بما ينعكس على شعبها واقتصادها، فتربط التعاون الأمني في مواجهة التنظيمات الإرهابية بتخفيف العقوبات الاقتصادية عليها، ويأتي ثبات المقاومة الفلسطينية ونصرها في غزّة ليدعّما مواقفها أكثر، ويمتّنا قواعد التفاوض مع الغرب بما يمكّنها من تحقيق إنجازات على طاولة المفاوضات من بوابة مكافحة الإرهاب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى