غزة: انتصار المقاومة أم عودة إلى اتفاق 2012؟

حميدي العبدالله

ما تمّ التوصل إليه بعد العدوان الصهيوني الذي استمرّ 51 يوماً، والصمود البطولي للمقاومة وللشعب الفلسطيني في غزة، رغم التضحيات الكبيرة، هو انتصار كبير مدوّ، انتصار لا تشوبه شائبة، وغير خاضع للتشكيك أو الجدل، وليس عودة إلى اتفاق عام 2012، وذلك للأسباب الآتية:

أولاً: تبلور وبروز قوة الردع لدى المقاومة على نحو غير مسبوق، فالعدو الصهيوني بعد تجربة 51 يوماً لن يجرؤ على شنّ عدوان آخر على غزة بالسرعة التي كرّر فيها اعتداءات عام 2008 و2012، ففي الفترة السابقة لم تكن قوة الردع الفلسطينية مختبَرة على هذا النحو الذي عرفه العدو في عدوان عام 2014. في الفترة السابقة كان العدو يستسهل شنّ الاعتداءات، اعتباراً من الآن باتت الاعتداءات مكلفة له على كلّ الأصعدة، السياسية أزمة الحكومة والعسكرية عجزه عن تحقيق أيّ هدف والاقتصادية تضرّر الاقتصاد الإسرائيلي .

ثانياً: يبدو للوهلة الأولى أنّ ما تمّ الاتفاق عليه حتى الآن هو عودة إلى تفاهمات عام 2012 التي تمّ بموجبها رفع الحصار، وفتح المعابر، والسماح بالصيد 6 ميل في بحر غزة، قد يكون الاتفاق في الشكل هو عودة إلى تفاهمات عام 2012 لأنّ فتح المطار والميناء لا يزال معلقاً، وينتظر المفاوضات اللاحقة، وقد تستمرّ قيادة العدو بالمماطلة في هذه المفاوضات، ولن تسمح بفتح المطار والميناء، وحتى لو كان هذا هو مآل المفاوضات اللاحقة، واقتصر ما تحقق على العودة إلى تفاهمات 2012 التي تقضي برفع الحصار وفتح المعابر والسماح بالصيد، فإنّ النتيجة من الناحية العملية هذه المرة تختلف في ضوء معادلة الردع التي أرستها المقاومة بصمودها وتضحيات شعبها. فالعدو الصهيوني لن يكون قادراً هذه المرة على العودة إلى فرض الحصار ساعة يشاء، لأنّ فرض الحصار يعني عودة المواجهة، والعدو لم يعد قادراً على خوض مواجهات متواترة، وفي أوقات متقاربة، لا سيما أن جميع المواجهات التي خاضها منذ عام 2006 على جبهة لبنان والمواجهات الثلاث على جبهة غزة في أعوام 2008 و 2012 و2014 باءت بالفشل ولم يستطع أن يحقق أيّ نجاح فيها، سواء لجهة ضبط تصاعد قدرات المقاومة، أو لجهة قدرة الجيش الصهيوني على امتلاك ما يجعله قادراً على استعادة زمام المبادرة، وفي ضوء هذه التجارب فإنّ التوقع بمرور سنوات طويلة قبل أن يفكر قادة العدو بالعودة إلى اختبارات جديدة هو توقع ليس فيه أية مبالغة.

هذا الواقع الجديد الذي تمخض عنه عدوان الواحد وخمسين يوماً، يؤكد أنّ المقاومة حققت انتصاراً واضحاً ومدوّياً، انتصاراً لا يمكن التشكيك فيه على الإطلاق، بمعزل عما إذا كانت جميع المطالب التي رفعتها المقاومة كشرط لموقف المواجهة قد تحققت جميعها أم لا؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى