روسيا وحرب الاستنزاف في أوكرانيا

عامر نعيم الياس

التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الثلاثاء الماضي، نظيره الأوكراني بيترو بوروشينكو على هامش أعمال قمّة الاتحاد الجمركي التي عُقدت في مدينة مينسك في بيلاروسيا. وعلى رغم رهان البعض على انفراجات جزئية في التوتر المتصاعد الذي يلفّ المشهد الأوكراني، إلّا أنّ التصعيد بقي السِّمة الأساسية لحراك الغرب والأطلسي في إدارة هذا الملف. فعقب الاجتماع، أعلن البيت البيض الأميركي بالتزامن مع إعلان حلف شمال الأطلسي عن حدوث تدخل عسكري روسي في أوكرانيا، وعلى الفور انبرى الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ليعلن أن هذا الأمر «غير مقبول».

بالمقابل، استمر الكرملين في إدارة الملف بهدوء، داعياً إلى ضرورة وصل قنوات حوار بين جنوب شرق أوكرانيا والسلطات الحاكمة في كييف، كون لا حلّ عسكرياً للصراع القائم حالياً. كما أعلن بالتوازي عن نيّته إرسال قافلة مساعدات إنسانية ثانية، على رغم اللغط الذي أثارته قافلة المساعدات الأولى التي دخلت الأراضي الأوكرانية في الثاني والعشرين من أيلول الماضي، من دون خضوعها لعمليات تفتيش.

بنظرة عامة إلى تعاطي طرفَيْ الأزمة في أوكرانيا مع ما يجري، يمكن القول إن الغرب وواشنطن يتعاملان بتشنّج وردّ فعل قاسٍ مع الملف، لا يتناسبان مع الهدوء الروسي، وهو ما يشير إلى عدم جدوى حرب الاستنزاف التي تُقاد ضد موسكو، بل يمكن القول أيضاً إن من يدير اللعبة المزدوجة في أوكرانيا مع الغرب هي موسكو لا العكس، وذلك وفقاً لجملة معطيات أهمها:

على الصعيد الميداني، لم تستطع سلطات كييف حتى اللحظة سحق التمرّد، على رغم الإمكانات الدولية الموضوعة تحت تصرّفها، وعلى رغم الموقف الروسي العلني الدّاعي إلى عدم اللجوء إلى حلّ عسكري، والرافض تدخل القوات المسلّحة الروسية في جنوب شرق أوكرانيا. لكن التقدّم الميداني الأخير الذي أحرزته الفصائل الموالية لروسيا قرب مدينة دونتيسك وشلّ القدرات الجويةِ سلاحَ الجو الأوكراني، أمور تطرح ملف ماهية الدعم الروسي المقدّم لجنوب شرق أوكرانيا على طاولة البحث.

العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب على روسيا تلقي بظلالها السلبية على مجمل حركة الاقتصاد الروسي ومن المؤكد أنها آذته. لكن الأمر لا يقف عند هذا الحدّ، فالردّ الروسي ألقى بظلاله على مجمل الحركة الاقتصادية في دول الاتحاد الأوروبي. وبحسب افتتاحية «لوموند» الفرنسية، فإن «العقوبات الاقتصادية أصبحت مكلفة بالنسبة إلى دول الاتحاد الأوروبي، كما أنها أرهقت الاقتصاد الأوكراني، وأصبحت عملية الإصلاح السياسي والهيكلي في بنية الدولة الأوكرانية والتي فرضها الاتحاد الأوروبي، بحكم الميتة».

يطرح استمرار الحرب في أوكرانيا تساؤلات حول القدرة على الاستمرار في فرض السلطة الحالية في كييف باعتبارها أمراً واقعاً غربياً. بمعنى آخر، في ظل التصعيد الحالي الذي يشوب المشهد الأوكراني، كيف يمكن للرئيس بوروشينكو الموالي للغرب، والذي انتخب في أيار من العام الجاري، أن يحكم البلاد وهي في الجزء الجنوبي الشرقي منها مسرح لعمليات عسكرية لإعادة ضمّها بالقوة إلى أوكرانيا؟

إنّ الأزمة الأوكرانية تعدّ واحدةً من الأزمات المتفجّرة في العالم، لكن اختلافها يكمن في كونها في قلب القارة الأوروبية، وهو ما يعتبر أداة استنزاف في يد روسيا القارة الممتدة على مساحتَيْ أوروبا وآسيا في المواجهة القائمة مع الأطلسي وواشنطن. هذه الأخيرة التي تضع عامل البعد الجغرافي في إطار أيّ حرب استنزاف تريد خوضها على امتداد العالم.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى