معالي الوزير… عليك أن تفرّق بين المقاومة والإرهاب

العميد ناصر أيوب

إنّ دماء الإنسان حمراء في مختلف الأحوال، وهي متشابهة إن سالت نقطة بِاسم العنف، أو جرت جداول بِاسم الإرهاب. فلا فارق إلّا إذا رفضنا ذلك عن خبث دنيء. ولكنّ الفارق كبير جداً بين دماء المقاومة يا معالي الوزير التي تعتبر حقاً مشروعاً للشعب الذي تتعرّض أرضه للظلم والاستبداد وأبشع أعمال التخريب والتنكيل والاضطهاد، ودماء الإرهاب يا معالي الوزير الذي يمارَس لأهداف معيّنة من أجل خلق جوّ لا أمنيّ وعدم طمأنينة، واكتساب ورقة ضغط على حكومة معيّنة لإشباع نقمة ما إزاء مجتمع معيّن أو نظام معّين. وهو استخدام غير شرعيّ للقوّة والعنف والتهديد بقصد تحقيق أهداف سياسية.

بين الإرهاب والمقاومة يا معالي الوزير مسافة طويلة، وفوارق عدّة في الغايات والنتائج. وتلك هي المسافة الفاصلة بين فعل يتّخذ سبلَ العنف وسيلةً لإقامة سلطة غير مشروعة من جهة، وبين الثورة المحقّة والشهادة من أجلها من جهة أخرى. وإذا كان الإرهاب ينتهي إلى الفشل والخيبة والتدمير المتعمّد وإحداث الضرر بالأرواح والممتلكات العامة، فإنّ المقاومة ومفاهيمها وأهدافها تبقى حيّة كلما تقدّمت السنون. وعلى رغم توالي الأحداث والثورات والانتفاضات في تاريخ البشرية، تحتفظ المقاومة اللبنانية العظيمة بخصائصها الفردية وسِماتها كمنهل وينبوع ومصدر إلهام لكلّ الأحرار والثائرين من أجل الحق والعدل والحرية… يا معالي الوزير.

وحينما ينتشر الإرهاب ويمدّ قدميه البغيضتين في حياة الشعوب بِصور الاستبداد والعدوان والاستعمار والاحتلال، ويفتك بالمبادئ الإنسانية، تبرز هنا المشاعر والاندفاعات الحيّة في وجدان الشعوب والأمم المقهورة، مستلهمة العزم في النهوض الثوري والشروع بالمقاومة الباسلة ضدّ الطغاة والمعتدين من دروس العظماء والخالدين وثوراتهم. ولعلّ في ثورة المهاتما غاندي في الهند ضدّ الاستعمار البريطاني مثالاً حياً في التاريخ المعاصر، وكذلك تجربة المقاومة الوطنية اللبنانية في جنوب لبنان وبقاعه الغربي ضدّ الاحتلال الصهيوني الغاشم، وما جسّدته من إخلاص أكيد للعقيدة وثبات راسخ في المواقف وتضحية عظيمة في سبيل الرسالة والقيم النبيلة، من دون الركون إلى الإرهاب والظلم ومهادنة الظلمة، أو الاستسلام للطغاة والمعتدين كما حصل في عرسال.

معالي الوزير… أثمن ما يملك الإنسان في هذه الحياة كرامته وحريته، ومن دونهما تنعدم غاية الوجود الإنساني المقدّسة، وما قيمة الحياة بلا حرية ولا كرامة؟ إنها حياة الذلّ والعار، إنه الموت بعينه. لذا، على الإنسان أن يثور ويرفض الاستعباد والخنوع، وألّا يركن للباطل والظلم، وألّا يكن عبداً للطغاة والمستكبرين.

يا معالي الوزير، إنّ صبر المقاومة وعنادها اللذين تجسّدا في الجنوب الللبناني المحرّر، أعطيا دفعاً وزخماً كبيرين للمفاوض العربي مستقبلاً بعد أن منحاه خياراً جديداً مضافاً، وهو خيار المقاومة الذي صار يقضّ مضاجع المحتلين الصهاينة. أما على صعيد الجيش اللبناني والشعب اللبناني، فقد أثبتت الأحداث أن لُحمة الجيش والشعب اللبناني الوثيقة، وصمود الشعب بكلّ أطيافه وبتعدّديته السياسية ووحدته الوطنية، أدّيا إلى التفافه حول المقاومة الشعبية في مواجهة العدو المشترك، فكانت الضمانة الأكيدة للتحرير…

إنّ المقارنة بين الإرهاب والمقاومة بعيدة جداً، والفرق شاسع بينهما ولا مجال للخلط بين ما هو حق مشروع للشعوب بالدفاع عن نفسها وأرضها، وما هو اعتداء على حدود دولة وشعبها وحرّيتها.

فالأرهاب فعل والمقاومة ردّ فعل. الإرهاب تعدٍّ على الحقوق المشروعة، بينما المقاومة هي الدفاع عن هذه الحقوق. الإرهاب أهدافه مدنية معزولة، بينما المقاومة أهدافها عسكرية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى