قنديل: مشروع استيطاني يؤسس لحرب أهلية ربيع: يرتقي إلى جريمة إبادة للشعب الأصلي

«إبادة شعب» و«أسرلة» البحرين خلاصتان أساسيتان انتهت اليهما ندوة «منتدى البحرين لحقوق الانسان» حول التجنيس الواسع الذي لجأت اليه السلطات البحرينية بمنح الجنسية الوطنية لعرب وغير عرب من الطائفة السنّية. الندوة التي اتخذت طابعاً حقوقياً في عنوانها «التجنيس الطائفي في البحرين… تعديات على القانون والحقوق»، لشرح المخالفات الدستورية لهذه الخطوة من خلال مداخلة لرئيس المنتدى الدكتور يوسف ربيع الذي أكد مقاضاة الدولة أمام المحاكم الدولية، توسعت في مداخلة رئيس تحرير «البناء» النائب السابق ناصر قنديل، إلى الأبعاد السياسية لهذا التجنيس وتداعياته ليس فقط على البحرين بل على العالم العربي عموماً ومنطقة الخليج خصوصاً والسعودية بشكل أخص، مستحضراً نماذج مشابهة لهذا المشروع «البريطاني» في نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا بغرس «العنصر الأبيض» في هذه الدولة السمراء، والاستيطان اليهودي في «إسرائيل» بشحن اليهود اليها من خارج فلسطين المحتلة، وصولاً إلى العراق وبعض دول البلقان. وأشار إلى نتيجة مشتركة لهذه الخطوة وهي نشوب الحروب الأهلية في الدول المذكورة بين سكانها الأصليين والمجنسين. ليخلص قنديل إلى معادلة سياسية تعني بالدرجة الأولى السعودية وهي «ان لا استقرار في المنطقة من دون استقرار الخليج ولا استقرار في الخليج من دون استقرار البحرين»، كما ان الحل الذي تطالب به المعارضة البحرينية وهو اتجاه إلى الملكية الدستورية سلمياً، هو الضمانة لطريقة التغيير «الحتمي» لشكل الحكم السعودي.

ربيع: عمل يرقى إلى الجريمة

حضر الندوة التي انعقدت في فندق «الغولدن توليب» أمس، ناشطون في المعارضة البحرينية وممثلون عن الأحزاب اللبنانية وشخصيات سياسية وإعلامية، وقدمت لها الإعلامية ريان الأطرش، وتحدث فيها بداية الدكتور ربيع عن الجانب القانوني للتجنيس الطائفي، فأشار إلى ان «في الحديث عن التجنيس الطائفي في البحرين ثمة إشكاليات ومن أهمها الإشكال السياسي والحقوقي. وحتى لا نفهم بأننا نمارس عملاً سياسياً في هذا الموضوع توجهنا إلى تحديد الوصف «التجنيس الطائفي» كي تكون المقاربة أكثر حقوقية». وأضاف: «قبل الحديث عن هذا العمل الخطير الذي يرقى إلى الجريمة لا بد من القول إلى أن التكوين القبلي للحكم في البحرين، وأقصد العائلة الحاكمة، لم تتفاعل مع السكان الأصليين كشركاء للوطن إنما كان التعامل مبنياً على عقيدة الاستعلاء والتفاضل من جانب وعقيدة الغنيمة والاستحواذ من جانب آخر. وقد كانت لهذه العقيدة الخطيرة تبعات وتداعيات على التكوين السياسي للدولة وهو ما فتح الباب بعد ذلك خصوصاً في الثلاثين سنة الأخيرة إلى مخطط التجنيس الطائفي لتوفير الولاءات التي هي في حاجة اليها». وأوضح ان «التجنيس في البحرين يستهدف طائفة محددة هي الطائفة الشيعية»، وخلق اكثرية مذهبية جديدة، لافتاً إلى «ان السلطات في البحرين منذ قرابة 30 سنة في موضوع التجنيس لا تجنس أفراداً ينتمون إلى الطائفة الشيعية. وأكثر الجنسيات التي يتم إعطاؤها من الدول العربية هي الأردنية والسورية والعراقية واليمنية والسعودية ومن غير العرب الباكستاني والبلوشستاني والبنغالي والهندي». وأشار إلى ان «هذا العمل بحسب الدراسات الاستراتيجية يوصف بـ«الاستهداف الديمغرافي» أي التركيبة السكانية للمواطنين الأصليين. وهذا مخالف للقانون الدولي، كونه يحوي استهدافاً متعمداً لمجموعة من السكان أو مجموعة إنسانية، كما يستهدف الدستور ويخالف القانون المحلي لقانون الجنسية الصادر في العام 1963 الذي يضع شروطاً للتجنيس منها الاقامة في البحرين مدة 15 سنة للعرب و20 سنة لغير العرب وهذا لا ينطبق على المجنسين».

وتابع: «المتوافر حالياً هو إحصاءات توردها الجمعيات السياسية المعارضة عن عدد المجنسين تجنيساً طائفياً أو كما تسميه «التجنيس السياسي» وتتراوح الأعداد ما بين 95 ألفاً إلى 120 ألف مجنس». ولفت إلى أن «غياب الأعداد الحقيقية من المجنسين تقابله معلومات صادرة عن السجل السكاني في البحرين وهي جهة رسمية تفيد بأن عدد السكان في البحرين في 2027 سيصل إلى المليونين نسمة وهي زيادة غير طبيعية قياساً بعدد السكان الأصليين ونسبة المواليد».

التعديات الحقوقية

وأكد ربيع أن «التجنيس الطائفي يشكل تعدياً حقيقياً على حقوق السكان الأصليين، فهو ينسف التوازنات الثقافية والاجتماعية والسياسية القائمة في المجتمع وتمكن الإشارة إلى عدد من مظاهر التعديات:

أولاً: تهديد الحق السياسي للمواطنين الأصليين.

ثانياً: تهديد الحق الاقتصادي للمواطنين فرص العمل والوظائف .

ثالثاً: تهديد الحق الاجتماعي والتعليمي للمواطنين الصحة والتعليم والإسكان .

واختتم ربيع بالحديث عن الخطوات التي يمكن القيام بها تجاه «هذا العمل الخطير» قائلاً: «المشتغلون في مجال القانون الدولي يشيرون إلى ان في إمكان البحرينيين مقاضاة السلطات البحرينية في المحاكم الدولية كون التجنيس الطائفي مخالفاً للإتفاقية الدولية لإزالة وقمع جريمة «الابارتايد» الصادرة في العام 1973 حيث تشير المواد 1-3 في ما يتعلق بالجنسية أو المواطنة أو التجنس إلى شرط خلو أحكام الاتفاقية من أي تمييز ضد أي جنسية . إضافة إلى ان التجنيس الطائفي ينم عن ايقاع أضرار جسيمة مادية ومعنوية بالسكان الاصليين قد تصل إلى احتمال ارتكاب جريمة إبادة».

قنديل: «أسرلة» البحرين

أما قنديل فتناول في مداخلته عن الجانب السياسي للتجنيس الطائفي فأكد بداية، انه لا يمكن أن نتحدث عن ثورة سلمية الا في البحرين، مشيراً إلى ان الحراك الشعبي ووجِه بالرصاص والقتل ومع ذلك تواظب المعارضة على سلمية حراكها على رغم انها تشكل الغالبية السكانية.

وأكد قنديل «ان ما جرى في البحرين لم يكن ثورة الشيعة على السنة أو للاستيلاء على الحكم»، لافتاً إلى «انها ليست ثورة حديثة بل تمتد جذورها إلى أكثر من أربعة عقود وشاركت فيها النقابات والمثقفون».

وعن اتهام المعارضة بأنها تابعة لإيران وقد تدخل الثورة في لعبة التفاوض والمقايضات في الحوار السعودي – الايراني، كشف قنديل «أن موقف القيادة في إيران وقيادة المعارضة البحرينية هو ان لا مساومة على حقوق الشعب البحريني ولا اليمني».

وأكد قنديل أن الحاكم في البحرين «ليس سيد قراره علماً أن الشعب متواضع في مطالبه وتخرج الأكثرية في الشوارع لتطالب لا باسقاط النظام كما يحصل في دول أخرى، بل بحل سياسي وحوار والاحتكام إلى صناديق الاقتراع وملكية دستورية». واعتبر: «أن على العالم أن يشهد بعقلانية لهذه المعارضة».

ورأى قنديل: «أن الاشارة الإيجابية التي يقدمها التجنيس الطائفي هو أنه لا بد من الاحتكام إلى صناديق الاقتراع لأن ما يجري في المنطقة قارب النهاية». ولاحظ: «أن النموذج الذي يطبق في البحرين هو النموذج البريطاني الذي طبق في دولة جنوب افريقيا ذات الغالبية السمراء، وذلك باستجلاب البيض إلى هذا البلد ليصبحوا الأكثرية، من أجل صناديق الاقتراع»، واصفاً ما يجري في البحرين «بأنه استعمار استيطاني وفق معايير الأمم المتحدة»، مشدداً على «أن المحاكمة يجب أن تتم على هذا الاساس».

وإذ لفت إلى أن العديد من الدول شهد هذه الحالة، توجه قنديل، لا إلى الحاكم في البحرين بل إلى بطانته ومناصريه، «بالتحذير من أن ما من دولة اعتمدت هذا الأمر إلا وذهبت إلى حرب أهلية»، معدداً أمثلة على ذلك منها كركوك في العراق التي أغرقها النظام السابق بغالبية عربية، وكذلك ما جرى في القرم و«اسرائيل» التي استقدمت يهوداً من الخارج علماً أنه كان يعيش يهود في فلسطين المحتلة وهم من سكانها الأصليين . ورأى: «ان ما يجري في البحرين من خلال التجنيس الطائفي هو «أسرلته» من «إسرائيل» .

وأكد قنديل «أن لا استقرار في المنطقة من دون استقرار الخليج ولا استقرار للخليج من دون استقرار البحرين. كما أن سلمية الحل في البحرين تنعكس على انتقال السلطة لاحقاً في السعودية وهذا الأمر حتمي»، كاشفاً «أن الشكل الحالي للحكم السعودي لن يبقى كما هو في المرحلة الجديدة المقبلة عليها المنطقة».

مداخلات

بعد ذلك كانت مداخلات لعدد من الحضور. فاعتبر الخبير العسكري والاستراتيجي الدكتور أمين حطيط «أن ما يجري في دولة البحرين من خلال استقدام شعب آخر إليها هو احتلال مدني يضاف إلى الإحتلال العسكري». وإذ أشار إلى أن الثاني موقت عكس الأول الذي هو دائم. ولفت إلى «أن هذه المسألة تتعدى البحرين إلى كل المنطقة»، موضحاً «ان المسألة ليست مسألة سنة وشيعة بل إن شعب الشرق الأوسط يريد استقرار منطقته».

وأكد الشيخ ابراهيم بريدي أن الثورة في البحرين ليست مذهبية بل ثورة حقوق. فيما ركز عضو المجلس الاستشاري في حركة أمل الدكتور زكي جمعة على تعاطي وسائل الاعلام مع الثورة، مشيراً الى «أن الأخيرة على رغم سلميتها فإنها لم تأخذ حقها في الاعلام» داعياً إلى «وضع خطة عمل وتعاون بين المعارضة ووسائل الاعلام».

وسلط الناشط البحريني محمد العراضي على وجه آخر لموضوع التجنيس يتعلق بسحب الجنسية من بعض المواطنين على خلفيات سياسية. وأشار إلى انه في العام 2012 «سحبت الدولة الجنسية من 13 مواطناً ففقدوا حقوقهم كمواطنين وأصبحوا «لا شيء» وبعد ذلك طلبت السلطات منهم تسوية أوضاعهم القانونية فأجابوا بأنهم لا يستطيعون فعل شيء فطلبت منهم السلطات ايجاد كفيل لهم ليبقوا في البحرين علماً أنهم مواطنون أصليون».

وبعد ذلك سحبت الدولة جنسيات من عشرات المواطنين.

من جهة أخرى، اعتبر الدكتور حطيط في حديث لـ«البناء» أنه «في ظل الاغفال والتعمية الدولية على ثورة البحرين بفعل أموال الخليج، يكون مهماً ومؤثراً ان تقوم جهات أو منظمات غير حكومية بتسليط الضوء على هذه القضية الساخنة في الشرق الأوسط والتي يعتبر التعامل معها نموذجاً لسلوك المشروع الصهيو- أميركي الذي يتحرك بقيادة اميركية وبأموال خليجية ويمده الفكر التكفيري الالغائي. لهذا نعتبر أن تسليط الضوء وإظهار مظلومية شعب البحرين هو موقف عادل ويعبر عن الالتزام بفكرة الحرية والعدالة». وأشار إلى ان هذه الندوة التي ينظمها «منتدى البحرين لحقوق الانسان»: «تأتي في سياق تسليط الضوء على مظلومية البحرين وأن ما يجري يطاول شعباً لا يطلب أكثر من الحد الأدنى من حقوق المواطنة. وبالتالي حماية الحق تسير بمراحل أولها أن ندرك الحق ورفع الظلم يبدأ بتحديد الحق المنتهك والندوة خطوة في هذا الطريق».

وقال الدكتور حطيط لـ«البناء»: «إن القضية الأساس في الثورة هي الحفاظ على سلميتها». داعياً إلى «اخذ العبر منها والنظر إليها الوعي من مختلف شعوب العالم العربي». ولفت إلى «أن الشعب البحريني لم يسقط في فخ التآمر والقتال على رغم ما تعرض له من تعذيب وقهر وقتل».

تصوير: أكرم عبد الخالق

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى