لماذا رفض الغرب نداءات التدخل في ليبيا؟

حميدي العبد الله

وجّهت جهات ليبية عدّة موالية للغرب، نداءات إلى الحكومات الغربية تطالبها بالتدخل العسكري. لكن الحكومات الغربية تجاهلت هذه النداءات كما تجاهلها مجلس الأمن، على عكس ما كانت عليه الحال عندما قرّرت الحكومات الغربية التدخل لإسقاط القذافي حتى من دون طلب هذا التدخل من أيّ جهة ليبية يعتدّ بها.

إن رفض الغرب يعود إلى مجموعة من العوامل والحسابات أبرزها:

أولاً: العدو الذي يواجهه الغرب هذه المرة داخل ليبيا والمتمثل بالجماعات الإسلامية المتطرّفة، وبعض حلفائها من الميليشيات المحلية، لا يمكن حسم الصراع معه عبر القوة الجوّية، وهو شكل التدخل الذي قامت به الحكومات الغربية لإسقاط القذافي. في مواجهة القذافي كانت الحرب أشبه بالحرب النظامية، فثكنات الجيش الليبي ومطاراته وتشكيلاته العسكرية يسهل ضربها عبر الطائرات، لكن التنظيمات المسلّحة المطلوب مواجهتها الآن، ليس لديها مثل هذه المواقع، وتتحصّن داخل الأحياء السكنية، وتمارس أسلوب حرب العصابات، وتخفي معدّاتها بشكل جيد. وهذا الشكل من العدو في ضوء تجارب الحكومات الغربية في العراق وأفغانستان واليمن، لا يمكن القضاء عليه عبر الحرب الجوّية، بل يحتاج إلى إرسال قوّات برّية وبأعداد كبيرة. وواضح أنّ هذا الخيار لم يعد محبّباً في الولايات المتحدة ولدى حلفائها الغربيين بعد النتائج التي أسفرت عنها تجاربهم على هذا الصعيد في العراق وأفغانستان.

ثانياً: القوى والجهات الليبية التي وجّهت النداءات إلى الحكومات الغربية تتصارع في ما بينها، وبالتالي لا وجود لأيّ قوّة ليبية ذات تمثيل سياسي وشعبي، ويمكن الاعتماد عليها من قبل الحكومات الغربية، إذا قرّرت هذه الحكومات التدخّل، وتدرك الحكومات الغربية أن أيّ تدخل في ظل هذه المعطيات من شأنه أن يغرق الغرب في رمال متحركة، لا سيما أنّ رقعة الاضطرابات تغطي الآن مناطق واسعة من أفريقيا والشرق الأوسط، وبالتالي فإن الاستدراج إلى مزيد من التدخلات من شأنه أن يستنزف طاقات الغرب التي صارت تعاني بعد فشل غزواتها في العراق وأفغانستان وتكبدها خسائر اقتصادية كبيرة، كان لها دور هام في نشوء الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالاقتصادات الغربية منذ عام 2008 وحتى الآن.

هذه العوامل والحسابات هي التي تدفع الغرب إلى الإحجام عن التدخل العسكري على غرار ما فعل في ليبيا عام 2011، وأوكل المهمة الآن لدول جوار ليبيا، لأن هذه الدول، وتحديداً مصر والجزائر، تخشى من توطين التنظيمات المتطرّفة في ليبيا وتوظيف ثروات ليبيا الهائلة الآتية من النفط، والسلاح الكثير الذي استُولي عليه من مستودعات الجيش الليبي لدعم جماعات متطرّفة تنشط في مصر والجزائر وتونس وتسعى إلى الاستيلاء على السلطة في الدول الثلاث.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى