الكرة اللبنانية بين الواقع والمرتجى

إبراهيم موسى وزنه

ما بين ماضيها الحافل بالإنجازات وحاضرها المتخم بمحاولات رد الاعتبار من خلال سعي القيّمين عليها إلى استعادة بعض بريقها وأمجادها، تعيش كرة القدم اللبنانية حالة من انعدام الوزن قد تودي إلى ضياع الجهود وتبدد الآمال. عوائق كثيرة تحول دون تطوّرها وسلبيات لا تحصى تحيطها على أكثر من صعيد، ومع ذلك تجتهد بعض الأندية للوصول إلى درجات أعلى ويسعى اللاعبون الموهوبون لارتداء قمصان المنتخبات الوطنية، فيما المدرجات تعاني من غياب المشجعين نظراً إلى انشغالهم بمتابعة الأحداث السياسية والأمنية التي باتت في بلادنا أكثر تشويقاً من مجريات أقوى المباريات.

وفي الحديث عن العقبات التي تواجه كرتنا اللبنانية فتبعدها عن ناصية الارتقاء والتطوّر الفعلي، فهي موزّعة على جبهات عدّة، الإدارية والفنية والاجتماعية مضافاً إليها الأوضاع المعيشية والسياسية والأمنية.

في الجانب الإداري، غالباً ما يمسك دفّة الأندية والاتحادات المتعاقبة من لا يملك المؤهلات ولا التاريخ الكروي، وكثيراً ما أدّت الخلافات وحالات الانقسام العامودي داخل أعضاء الأندية والاتحادات إلى تجميد حركة الارتقاء الفني للأندية والمنتخبات، وهنا يطيب لنا استذكار الشعار الذي رُفع في فرنسا قبل انطلاق مونديال 1998 «كرة القدم لأهلها»، لماذا؟ لأنهم ـ وببساطة ـ الأجدى والأجدر لقيادة اللعبة نحو الأفضل.

في الجانب الفني، في السابق، كان يوجد في كل فريق أكثر من ستة لاعبين متميزين، وكانت عملية تشكيل المنتخبات تأخذ وقتاً طويلاً لتنتهي باسترضاء المستبعد مع الاعتذار، وكان يشرف على الفرق نخبة من المدربين العرب والأجانب، ولم يغب عن بال المهتمين بأن صناعة وصقل اللاعبين بحاجة إلى مدربين أكفاء، أما في الفترات الماضية منذ التسعينات ولغاية اليوم فالمشهد مختلف تماماً، حيث تتعاقد أغلب الفرق مع مدربين من طراز متواضع، مدربون عاطلون عن العمل في بلادهم يجدون ضالتهم في لبنان مستغلين التعامل معهم تحت شعار «كل شي فرنجي برنجي». ولكي تستقيم الأمور مستقبلاً يجب الاعتماد على المدربين المصنفين، كما يفترض على القيّمين على اللعبة وبالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة استرجاع دور المعهد الوطني الذي سبق أن خرّج العديد من المدربين في السبعينات، مع الحرص على إبعاد آفة المحسوبيات والواسطات في القضايا الفنية.

في الجانب المالي، أكثر التصريحات التي نسمعها من الأندية والاتحادات في لبنان هذه الأيام. تتمحور حول إفلاس هنا وانسحاب هناك وسفر غير معلن للاعب الفلاني أو غياب مفاجئ لنجم الفريق وعدم اكتمال النصاب في الجمعية العمومية للنادي العلاني أو استقالات بالجملة في تلك الجمعية. كل ما ذكرناه هو نتاج الشحّ المادي اللاحق بمعظم أنديتنا، ومن مصائبنا الرياضية أن معظم الأندية تسيّر أمورها بشكل مرحلي وعلى نفقة بعض المتموّلين، بصريح العبارة رياضتنا وأنديتنا تعيش تحت رحمة المبادارات الفردية وهنا المشكلة، وغالباً ما نسمع عن نيات جدية بمأسسة ذلك النادي أو تلك الجمعية، وما زلنا نسمع النغمة نفسها منذ عشرات السنين، وللأسف لغاية اليوم لم ينجح أي نادٍ بتحقيق حلمه الموعود النادي المؤسسة ، وبناء عليه تتجه الأندية إلى أهل السياسة بغية تبادل المصالح وتجيير العلاقات! مع الإشارة إلى أن نتائج منتخب لبنان الطيبة في الفترة الأخيرة جاءت ترجمة واقعية للدعم المادي وسياسة الحوافز والجوائز والمكافآت التي اعتمدها الاتحاد، أوليست «الدراهم كالمراهم».

في الجانب الاجتماعي، لما كان معظم لاعبي كرة القدم في لبنان هم من غير المتعلمين، وخمسة في المئة منهم فقط هم من الجامعيين، ناهيكم عن انتماء معظمهم إلى الطبقات المتوسطة وما دون، وهذا الواقع ليس بالضروري أن ينعكس سلباً على الأداء الفني، فبيليه نجم الكرة العالمي قال بملء قناعته: «لا تتطور كرة القدم إلا مع الفقراء»، لكن الغائب عن بال لاعبينا بأنه يفترض عليهم وعند انخراطهم في الأندية أن يتعاملوا مع رحلتهم الكروية بعقلية احترافية تساعدهم في مدّ أعمارهم في الملاعب بشكلٍ لائق، وهنا لا بدّ من التنبه إلى الجانب الصحي والحياتي والعلاقات مع الآخرين، فكرة القدم تعطي من يعطيها، والناجح فيها هو العارف بقوانينها ومعطياتها الملتزم بإرشادات وتعليمات المدربين، بالمزيد من التثقّف الرياضي يستطيع اللاعب أن يرتقي ويدقّ أبواب الاحتراف بسهولة ورشاقة.

اختتاماً، لا بدّ من التأكيد أن وضع الأمور في نصابها هو الأساس للانطلاق من دون معوّقات، وبالجدية وحسن الاختيار تسهل طرق النجاح وتكبر الطموحات، على أمل أن نصل إلى تحقيق ذلك الهدف بأسرع وقت، هذا هو الواقع وهذا ما نتمناه، وبين الواقع والمرتجى لا بد من وجود إرادة التغيير ورغبة التعاون على الخير والمنفعة العامة، بعيداً من أي تدخلات وأهواء.

صحافيّ وناقد رياضيّ

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى