جيش لبناني بـ 100 ألف جندي لمواجهة الإرهاب

كتب المحرر السياسي

بدأت تتضح ملامح الشهور المقبلة، على رغم الضبابية المحيطة بموعد الاستحقاق الرئاسي من جهة، وآلية الخروج من المأزق النيابي اللبناني من جهة أخرى، لكن المعلومات الدبلوماسية المتواترة إلى بيروت حملت للمرة الأولى، بداية التلميح لتفكير أميركي جدّي بفرص قيام دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 67، بعدما أظهرت حرب غزة الأخيرة تقاعد فريقين، الأول هو «إسرائيل» القوة العسكرية التي تملك قدرة السيطرة على حروب المنطقة، والثاني هو تيار «الإخوان» المسلمين سياسياً، بعد فشل مثلث تركيا وقطر وقيادة حركة حماس السياسية بملاقاة المسعى الأميركي المصري السعودي لوقف النار بصيغة لا يفرضها مقاومون، تعلم واشنطن أنّ رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل تعهّد وحاول المستحيل لضبطهم والسيطرة على قرارهم وفشل، وثبتت علاقتهم بمحور المقاومة الممتدّ من حزب الله إلى سورية وإيران.

لذلك تنقل المعلومات ما يفيد باعتبار العودة إلى الاستثمار على حلّ يعوّم سلطة محمود عباس ضمن خطة انسحاب «إسرائيلية» من الأراضي المحتلة عام 67، تكون القدس الشرقية والمستوطنات في الضفة الغربية هي آخر مراحلها، خلال خمس وعشرين سنة، وتأمين تمويل خليجي بخمسين مليار دولار لتغطية تعويضات المستوطنين وأكلاف التسوية، هي العناوين التي ينهمك فريق أميركي بإعدادها كمشروع متكامل، سيكون على طاولة الرئيس الأميركي كمبادرة يعلنها مطلع العام المقبل.

بالتوازي مع هذا المشروع، تتطلّع واشنطن بعد التفاهم مع إيران وسورية، إلى بلورة خطة عمل مشتركة، محورها حلحلة المشاكل التي تعقّد إعادة تكوين السلطات الدستورية في لبنان، ومنها الانطلاق لبناء جيش مقاتل قادر على مواجهة المجموعات الإرهابية، يصل تعداده إلى مئة ألف جندي، من دون أن يثير ذلك حفيظة حزب الله، الذي تتحدّث التقارير الأميركية عنه كقوة لا غنى عنها ولو بصيغة تعاون عبر الدولة اللبنانية، في الحرب على الإرهاب التي أظهر خبرة وكفاءة عاليتين في خوضها.

وبينما تتدفّق المعلومات الدبلوماسية تتدفّق معلومات أمنية مقلقة عن تنامي مجموعات «داعش» ومخططاتها، مما جعل الأولوية الحتمية أمام قيادة الجيش هي الضغط للحصول على الضوء الأخضر اللازم للتنسيق مع الجيش السوري، للقيام بعملية التفافية على المجموعات المسلحة في جرود عرسال تتيح تطويقها من آخر نقاط الحدود السورية نحو لبنان، والضغط عليها دائرياً لمفاوضتها على انسحاب بلا أسلحتها مقابل تسليم المخطوفين بعد الحصول على موافقة سورية على تسهيل هذا المخرج، وتفيد الاتصالات الأولية أنّ قيادة الجيش حصلت على موافقة سورية المبدئية وتنتظر الضوء الأخضر السياسي للمباشرة بالخطة المخرج.

مخاطر الإرهاب تقلق المسؤولين

وفيما تواصل وحدات الجيش إجراءاتها الأمنية المشددة في عرسال ومحيطها استباقاً لأي اعتداءات من قبل المجموعات الإرهابية على غرار ما حصل أول من أمس، ظهر القلق كبيراً لدى القيادات الرسمية والسياسية مما تخطط له هذه المجموعات لتكرار عملياتها الإجرامية في غير منطقة وهو ما أشارت إليه مراجع سياسية.

وأكدت هذه المراجع أن العديد من المناطق مفتوحة على احتمالات خطرة مرجحة قيام المجموعات الإرهابية بأعمال تخريبية. وتحدثت المراجع في مجالسها الخاصة عن معلومات للأجهزة المعنية تشير إلى تحركات مريبة للتكفيريين. وأوضحت أن إجراءات الجيش نجحت في منع الكثير من الأعمال الإرهابية المحتملة بالإضافة إلى توقيف عشرات الخلايا والمسلحين.

ولاحظت أن طول الحدود بين عرسال وجرودها يتطلب وجود أعداد كبيرة من الجيش. وأضافت إن المسلحين سيحاولون استخدام كل أنواع الإرهاب للتزوّد بالمؤن من عرسال نظراً لاستحالة انتقالهم إلى الداخل السوري.

وعزز الجيش من تواجده العسكري في منطقة عرسال بعد الاشتباكات التي حصلت أخيراً ، واستقدم المزيد من بطاريات المدفعية والدبابات وعمد إلى زيادة التحصينات الدفاعية.

أمون من شبكة الاطرش التفخيخية

وواصل الجيش ملاحقة الإرهابيين، وتمكن أمس من إلقاء القبض على المطلوب خالد أحمد أمون وعلى محمد رياض عز الدين وهما من بلدة عرسال بعد اشتباك معهما عند حاجز وادي حميد في عرسال وذلك أثناء نقلهما مع مسلح ثالث في سيارة أسلحة وذخائر وتجهيزات ومعدات عسكرية.

وأشارت المعلومات إلى إن أمون هو أحد الأعضاء البارزين في شبكة عمر الأطرش لتفخيخ السيارات وإليه كانت تسلم السيارات قبل تفخيخها وإحداها سيارة حارة حريك، فضلاً عن أنه المسؤول عن تفخيخ السيارة التي انفجرت في محطة الأيتام في الهرمل.

كما تمكّنت وحدات الجيش من توقيف ثلاثة إرهابيين على حاجز مستوصف عرسال مع أسلحتهم وهم اللبناني المطلوب خالد كرنبي وسوريان للاشتباه بمشاركتهما في الاعتداءات على الجيش. وكان الجيش أوقف أيضاً أحد الإرهابيين الخطرين في الصوري في البقاع الغربي ويدعى توفيق بركات صالح.

استخبارات قطرية في عرسال

وأكدت مصادر مطلعة لـ«البناء» أن ما جرى في عرسال وما يجري ما هو إلا عملية ضغط من قبل المسلحين على الدولة اللبنانية لإيجاد معبر آمن لهم.

وسرت معلومات غير مؤكدة عن أن ضابطاً في الاستخبارات القطرية وصل إلى عرسال للتفاوض مع المسلحين، ثم انتقل إلى القلمون، وأثناء تواجده طلب المسلحون منه العمل على إيجاد ممر أمن لهم، وان هذا المطلب أصبح من مطالبهم الأساسية التي يحاولون فيها ابتزاز الدولة اللبنانية لاسترجاع المختطفين العسكريين.

ولفتت المعلومات إلى أن عملية ذبح الرقيب علي السيد في حال كانت صحيحة ستكون بداية عمليات الابتزاز الداعشية.

ويرجح مراقبون لـ«البناء أن يكون شريط الفيديو الذي وزعه تنظيم داعش عن الرقيب السيد حقيقة، لافتين إلى أن هيئة العلماء المسلمين على علم بذلك.

استحالة بقاء المسلحين في جرود القلمون في الشتاء

وتشير المصادر إلى أن المشكلة لدى المسلحين تكمن في أن عددهم يقدر بثلاثة آلاف وموزعين بين «داعش» و«النصرة» وهم يطالبون بتأمين معبر لهم من جبال القلمون بعد أن درسوا أوضاعهم وتبين لهم استحالة بقائهم في فصل الشتاء في جرود القلمون، وضمن مرتفعات تتجاوز ما بين الـ 1800 أو 2000 متر وتصل كثافة الثلوج إلى عدة أمتار على رغم وجود المغاور والكهوف وبالتالي هناك استحالة لمقاومة العواصف الثلجية، خصوصاً أن الجيش السوري وحزب الله قطعا كل المعابر التي تربط بين الزبداني وجرود القلمون وكذلك إلى مزارع رنكوس وبلدة فليطا حيث سيطر الجيش السوري وحزب الله على كل المعابر.

تحركات لأهالي العسكريين

إلى ذلك، شهدت مناطق عكار سلسلة تحركات لأهالي العسكريين المخطوفين بعد بث شريط على الانترنت يظهر فيه إرهابيو «داعش» وهم يقومون بذبح الرقيب السيد وهو من فنيدق – عكار. وندّد الأهالي الذين قطعوا عدداً من الطرقات لبعض الوقت بممارسات الإرهابيين كما أكدوا تضامنهم مع الجيش وطالبوا الحكومة بالتحرّك سريعاً لإطلاق سراح أبنائهم.

و في السياق، كرر رئيس مجلس النواب نبيه بري بحسب ما أكدت مصادر نيابية في كتلة التحرير والتنمية لـ«البناء» الحاجة الملحة إلى التطوع في الجيش والتركيز على الأمن لصد الهجوم الإرهابي عن لبنان.

قواعد للمسلحين في الجرود

وأكد النائب كامل الرفاعي لـ«البناء» أن المسلحين السوريين يقيمون قواعد عسكرية في جرود عرسال وجرود القلمون، مشيراً إلى أن الأمر يتطلب التنسيق مع الجيش السوري لما تشكله هذه المجموعات الإرهابية من خطر ليس على عرسال فحسب، إنما على البقاع الشمالي بأسره.

لا وجود لداعش في العرقوب

وأكد النائب قاسم هاشم، من جهته، لـ«البناء» أن لا أساس لكل ما يتم التداول به عن وجود لداعش والمجموعات المسلحة في منطقة العرقوب والجبال المحيطة. وشدد على أن ما حصل في عرسال لن تشهده قرى العرقوب وراشيا، لافتاً إلى أنه على تواصل دائم مع فاعليات منطقة العرقوب وهناك تأكيد على استقرار المنطقة وعدم العبث بأمنها. وأشار هاشم إلى انه أبلغ وفداً من النازحين السوريين التقاهم في شبعا ضرورة الالتزام بتوجيهات الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية، موضحاً أن المجموعة التي أوقفت في عين عطا لم تأت من شبعا بل من منطقة جبل الشيخ لتهريب السوريين إلى البقاعين الغربي والأوسط.

إلى ذلك، تسلّم الجيش اللبناني الدفعة الأولى من الأعتدة العسكرية والذخائر المقدمة من الولايات المتحدة الأميركية. وتنوعت الأسلحة بين 480 صاروخ AT4 المحمول على الكتف، وأكثر من 500 بندقية A4-M16 والكثير من مدافع الهاون مع ذخائرها، كما شملت ألف بندقية A4-M16 . وأكد السفير الأميركي ديفيد هِلْ أن هذه الأعتدة جزء من سلسلة مساعدات ستصل تباعاً إلى الجيش تضم مختلف أنواع الأسلحة.

وبحسب المعلومات التي وردت لـ»البناء» فإن الولايات المتحدة ستعمل على تسليح الجيش ليكون لديه القدرة العسكرية التي تمنع سقوطه في وجه المجموعات الإرهابية من دون أن يتمكن من الحسم. واعتبرت المصادر أن الولايات المتحدة تدرك احتياجات الجيش العسكرية الفعالة للحسم، ولو كانت جادة في تزويد الجيش بهذا السلاح لكانت سمحت بتسليم الأسلحة الفرنسية من هبة 3 مليارات دولار السعودية.

استغراب تلكؤ مجلس الوزراء

وفي الموازاة، استغربت جهات سياسية بارزة تعاطي مجلس الوزراء مع ما يحدث في عرسال من حيث اعتبار ما يجري وكأنه مسألة عادية. وتساءلت لماذا اكتفى المجلس في جلسته أول من أمس بتكرار دعمه للجيش من دون اتخاذ أي خطوات استثنائية؟ مع أن وزير الداخلية نهاد المشنوق قدّم شرحاً خطيراً للوضع في عرسال ما يستدعي إجراءات غير عادية وغير مسبوقة تبدأ بالدعوة إلى جلسة خاصة لمجلس الوزراء لبحث الوضع الأمني ولا تنتهي بالتحرّك على المستويات الخارجية لفتح باب التسليح للجيش من دول عدة، خصوصاً أن ما يقدم من مساعدات أميركية بسيطة لا تمكّن الجيش من مواجهة إرهاب «داعش» وأخواتها. مع العلم أن الوزير المشنوق وصف بعد لقائه رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون في الرابية أمس، الوضع في عرسال بأنه قنبلة موقوتة جاهزة دائماً للانفجار.

مظلة دولية فوق لبنان

سياسياً، لن تأتي جلسة مجلس النواب الثلاثاء المقبل المخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية بأي جديد، بل ستكون كسابقاتها. وأكد عضو كتلة المستقبل النائب عمار حوري لـ«البناء» أن لا معطيات جديدة تساعد على إنجاز الاستحقاق الرئاسي، لافتاً إلى أن الوضع في عرسال دقيق إلا أن مظلة الأمان الدولية لحماية الاستقرار لا تزال فوق لبنان، ولذلك فإن الوضع الأمني لن يتطور أكثر من عرسال.

من ناحية أخرى، بدأ نواب كتلة التحرير والتنمية أمس تحضير الأوراق الثبوتية بغية تقديم تصاريح الترشيح للانتخابات النيابية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى