الخلاف الخليجي خلاف بين حكوماته أم صدى للاستراتيجية الأميركية؟

حميدي العبدالله

أعلن أكثر من مسؤول خليجي أنّ الخلافات بين الحكومات الخليجية، وتحديداً بين قطر من جهة، والسعودية والإمارات والبحرين من جهة أخرى، قد انتهت، وأنّ السفراء الذين سحبوا من قطر سيعودون إلى مزاولة أعمالهم من دون تحديد موعد هذه العودة.

الهامّ في الخلافات الخليجية معرفة أسبابها، فهل هي فعلاً تعبيراً عن سياسات وتحالفات مختلفة، أم أنّ ثمة أمراً آخر هو الذي يفسّر هذه الخلافات.

من المعروف أنّ حكومات الخليج تربط بينها سياسات مشتركة، فهي جميعها موالية للغرب، وهي جميعها مناهضة للسياسة الإيرانية، وهي جميعها تناصب العداء لكلّ قوة أو حركة أو نظام يشهر العداء للوصاية الغربية، وجميعها لها موقف واحد من العدو الإسرائيلي، ومن المعروف أنّ أيّ حكومة خليجية لم تقل أنّ أسباب الخلاف لها صلة بالسياسات المحلية، مثل الاقتصاد والعدالة الاجتماعية، أو الحياة السياسية الداخلية.

كلّ ما تقدم يؤكد أن ليس هناك فعلاً خلافات جوهرية بين الحكومات الخليجية تبرّر اندلاع أزمة حادة تصل إلى حدّ سحب السفراء.

لا شك أنّ عنصر الخلاف الجوهري بين قطر من جهة، وبين السعودية والإمارات والبحرين من جهة أخرى، له صلة بالحكومة أو الحكومات التي ستكون الوكيل المعتمد للسياسات والاستراتيجية الأميركية في المنطقة، لأنّ الدولة أو الدول التي تحظى بمكانة مميّزة في خدمة الاستراتيجية الأميركية، ستكون الحكومة أو الحكومات الأكثر نفوذاً في المنطقة. وهذا يعني أنّ الخلافات بين الحكومات الخليجية هي تعبير عن تنافس بين هذه الحكومات حول من هي الحكومة المعتمدة للقيام بدور الوكيل للسياسة الأميركية، هذا هو السبب الأول الذي يفسّر هذه الخلافات.

أما السبب الثاني فهو مرتبط بتنويع الولايات المتحدة لأدوات سياستها في المنطقة، في سعي منها إلى احتواء أو جذب قوى واسعة للعمل لمصلحة هذه السياسة، فمن المعروف مثلاً أنه عندما اندلعت في عام 2004 أزمة بين سورية والحكومات الغربية على خلفية موقف سورية من المقاومة في لبنان والتحالف مع إيران ودعم حماس والجهاد الإسلامي، وقفت قطر وتركيا إلى جانب سورية ضدّ ما عُرف بمحور الاعتدال العربي، ولم يكن ذلك الموقف تمرّداً على السياسة الأميركية، فمن يصدق أنّ قطر التي تستضيف قواعد عسكرية تضمّ جيوشاً أقوى من الجيش القطري قادرة على تحدّي السياسة الأميركية، ومن يصدّق أنّ حكومة أردوغان التي وافقت على بقاء تركيا جزءاً من حلف «الناتو»، ورعت تفاوضاً غير مباشر بين سورية و»إسرائيل»، ابتعدت أو عارضت السياسة الغربية، بل إنّ توزيع الأدوار بين وكلاء الولايات المتحدة في المنطقة، بما يضمن نتائج جيدة هو الذي كان وراء هذه السياسة.

اليوم أيضاً الولايات المتحدة لا تريد خسارة جماعة «الإخوان المسلمين» في البلاد العربية والإسلامية، ولا تريد في المقابل خسارة خصوم هذه الجماعة والحكومات الداعمة لها، ولهذا وزعت وكلاءها على المعسكرات، وكانت الخلافات الخليجية صدى لهذه السياسات الأميركية في كلّ مراحلها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى