إيران والسعودية وجسر الهوات العميقة؟

د. تركي صقر

على طريق التقارب الإيراني – السعودي المحتمل، وبعد تجاذبات استغرقت طويلاً، صرح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عن استعداده لزيارة الرياض وترحيبه باستقبال سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي في طهران، مؤكداً أنَّ مصالح كثيرة تجمع إيران والمملكة العربية السعودية، كمحاربة التطرف والإرهاب في المنطقة». وجاء هذا التصريح بعد زيارة قام بها حسين أمير عبد اللهيان نائب وزبر الخارجية الإيراني إلى الرياض حيث أجرى محادثات مع المسؤولين السعوديين لم يتسرّب منها شيء يذكر حتى الآن، لكن يبدو أنها كانت ناجحة بدليل ما صرّح به وزير الخارجية ظريف بعدها عن استعداده لزيارة الرياض، بما يعني تلقيه دعوة لزيارة المملكة، إلا أنّ الأهمّ كما يبدو أنه بات في حكم المؤكد أنّ الأزمة في سورية كانت حاضرة بقوة وعلى رأس جدول محادثات عبد اللهيان بدليل أيضاً قيامه بزيارة إلى دمشق لم يكشف النقاب عنها جاءت مباشرة بعد انتهاء زيارته للرياض.

القرار السعودي بفتح قنوات الاتصال الديبلوماسية والسياسية مع طهران ليس ابن ساعته، ولم يكن مفاجئاً، وسبقته مقدمات كثيرة بعضها كان مستوراً وبعيداً عن ا ضواء، وبعضها كان مقروءاً ومكشوفاً أدّت في مجملها إلى الوصول إلى هذا القرار، الذي يبدو للوهلة الأولى أنه جاء سريعاً نتيجة تطورات الأحداث الناجمة عن الأخطار المشتركة التي سبّبها تفاقم التطرف والإرهاب وتجاوزه الخطوط الحمراء كلها. أما المقدمات البعيدة عن الأنظار فكانت المفاوضات التي أجريت أخيراً في سوتشي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبين سعود الفيصل وزبر الخارجية السعودي، التي تسرّب منها أنه خلال كلام بوتين عن ترتيبات قد تقوم بها روسيا لحلّ الأزمة السورية، قبل الفيصل، للمرة الأولى الحديث عن حلّ للأزمة بوجود الرئيس بشار الأسد والتخلّي عن المطالبة بتنحّيه، وهي المطالبة التي ردّدوها طويلاً من دون جدوى.

وكان قد سبق ذلك خطوات التقارب بين الطرفين ا يراني وا ميركي، ونتج منها ا تفاق ا ولي في شأن الملف النووي ا يراني، ثم زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى السعودية وإبلاغها جدية ا دارة ا ميركية في تعاونها مع طهران ونصيحته لحكام المملكة بالتكيّف مع الواقع الجديد قبل أن يفوتهم القطار. ولم تكن سلطنة عمان ودولة الكويت بعيدتين عن هذه المساعي باعتبارهما حريصتين على علاقات جيدة مع الجارة إيران، وبغضّ النظر عن مواقف السعودية. وأما المقدمات الظاهرة للعيان فكانت تتجلّى في الفشل الذريع للحرب ا رهابية التي شنّتها المملكة على جبهات عربية عدة، وبخاصة في سورية وضدّها، فضلاً عن محاصرتها وملاحقتها دولياً بتهم دعم الإرهاب وتمويله، مما اضطرها إلى إجراء تغييرات في هرم السلطة السعودية وإصدار أوامر ملكية حول تحديد تحرك ا رهابيّين التكفيريّين باتجاه سورية والإيعاز للمشايخ والمفتيين بإصدار الفتاوى ضدّ من يدعو السعوديّين إلى الجهاد، ووصف مفتي السعودية من آل الشيخ التنظيمات الإرهابية بالعدو رقم 1 للإسلام، و«جبهة النصرة» و«داعش» بأنهم خوارج هذا العصر، وأن الإسلام بريء منهما، وانضم الملك عبدالله أخيراً ليحذر من وصول الإرهاب في غضون أشهر قليلة إلى أوروبا وأميركا داعياً إلى تحالف دولي لمكافحة الإرهاب.

الجانب السعودي بحاجة ماسة إلى التعاون مع إيران والبحث عن المشتركات، ونبذ الخلافات ما أمكن، وتغيير الصورة السابقة من العلاقات المضطربة بين البلدين التي سادت في الأعوام الماضية.

في ضوء ذلك يمكن القول إنّ متغيّرات كثيرة تدفع بالمملكة إلى جسر الهوات العميقة بينها وبين إيران، ولعلّ أهمّها ما يلي:

1 ـ إنّ أهمّ متغيّر يدفع بالمملكة إلى فتح صفحة جديدة مع إيران هو الشعور المتزايد لدى حكام السعودية بأنّ أميركا الأمس التي ملأت جيوشها المنطقة وشكلت ظهيراً وحامياً للسعودية ودول الخليج، لم تعد أميركا اليوم التي تسابق الزمن لسحب قواتها بعد فشل سياسي وعسكري كبيرين، وهذا الإخلاء سيترك فراغاً ليس لمصلحة السعودية بالتأكيد، وإنما لمصلحة إيران القوة الصاعدة في المجالات كلها، ولا سيما العسكرية منها.

2 ـ إنّ سقوط التحالف التركي القطري للسيطرة على ما سُمّي أنظمة «الربيع العربي» الذي كان مدعوماً بقوة من السعودية بشّر بنهاية المشروع السعودي للتحكم بالعالم العربي عن طريق فتح أبواب صناديق البترودولار على مصراعيها لتمويله بكلّ ما يحتاج.

3 ـ إنّ فشل الحلف التركي القطري في إسقاط الدولة السورية، ثم استمرار الفشل ذاته بالنسبة إلى السعودية، على رغم الدعم السعودي اللوجستي غير المحدود للمجموعات المسلحة والقوى التكفيرية الوهابية على الأرض السورية، وبروز متغيّرات تؤكد تحوّل الكفة لمصلحة الجيش العربي السوري، وهذا ما فرض على حكام المملكة أن يغيّروا قواعد اللعبة والاشتباك، وربما تشكل طهران طريقاً لخروجهم من المأزق، كما شكلت موسكو مخرجاً لأوباما من ورطته السابقة تجاه سورية.

4 ـ إنّ الهلع السعودي من تمدّد إرهاب «داعش» وقابليّته للارتداد سريعاً إلى قلب المملكة أضحى هاجساً لا يفارق حكامها مما دفعهم إلى حشد أكثر من ثلاثين عسكرياً على حدودها مع العراق في منطقة عرعر، ويعلمون أن أفعى الإرهاب التي احتضنوها متجهة إليهم في أقرب مما يتوقعون ما لم يتحرّكوا نحو تحالفات مع القوى الفاعلة في المنطقة، وفي مقدمها إيران.

نعود إلى السؤال المطروح: هل ستغيّر الرياح الجديدة وزيارة ظريف الأمور فعلياً بين البلدين؟ أم أنّ العلاقات ستراوح مكانها مع صدور كلام إعلامي مليء بالمجاملات؟

نميل إلى الاعتقاد بأنّ المعطيات السابقة سوف تساعد ظريف على وضع النقاط فوق الحروف، بما يعني حمل السعودية على تغيير نهجها وسياستها المعادية لإيران ومحور المقاومة… فهل يستطيع؟

قد لا يكون الجواب سهلاً لأنّ السعودية ذهبت بعيداً في ممارساتها العدوانية ضدّ دول المنطقة، وجنّدت كلّ ما يمكنها لإسقاط دول وقوى سياسية ولفرض الفكر التكفيري الوهابي بالمال والحديد والنار.

ولكن في مطلق الأحوال سيجد حكام المملكة المكابرون والمتجبّرون أنفسهم مضطرين مع تفاقم خطر الإرهاب وإمكانية ارتداده عليهم سريعاً، ومع استمرار النجاحات الإيرانية، وتعاظم الصمود السوري أيضاً، أن يلجأوا إلى فتح ملفات التعاون الإيراني السعودي من دون تردّد، وقبل أن يفوتهم القطار وتتجاوزهم الأحداث، ومن المتوقع أن ينعكس التفاهم السعودي الإيراني بصورة أفضل على العراق ولبنان وملفات المنطقة، وعلى الملف السوري خصوصاً، وألا يبقى أمراء المال السعودي يناطحون الجدران في سورية من دون جدوى.

tu.saqr gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى