«المهاهاة» أرجوزة المرأة في بلاد الشام… دراسة لمحمود مفلح البكر في التراث الشعبي

دمشق ـ سلوى صالح

«المهاهاة» رجز نسائي شعبي حماسي موزون مقفى، يبدأ دائماً بعبارة «أيها» التي تطلقها النساء ارتجالاً من دون مرافقة موسيقية في مناسبات الأفراح غالباً والمواقف الحماسية عامة، وفي مقدمها القتال واستنهاض الرجال وتشييع الشهداء والأبطال والشباب والأحبة عامة من رجال ونساء.

يقول الباحث التاريخي محمود مفلح البكر في كتابه الصادر حديثاً تحت عنوان «أرجوزة المرأة في بلاد الشام» أن «المهاهاة» فن نسائي شائع جداً في دول المنطقة ومدنها وقراها ولا يغيب عن مناسبة فيها، أما في المجتمعات البدوية فلم يكن للمهاهاة حضور بين نسائها. وتقول المرأة المهاهاة وهي واقفة غالباً وقد تقولها وهي ماشية مقبلة على بيت العروس أو العريس وفي مسيرها ماشية أثناء زفاف العرسان أو جنازات الشهداء. وقد تهاهي بعض النساء المسنات أحياناً وهن قاعدات أثناء حنة العروس أو حمامها أو صمدتها وقد تهاهي منكوبة تندب عزيزاً فقدته.

تقال المهاهاة بصوت مرتفع وأسلوب حماسي متدفق، مع ترك فاصل زمني قصير بين البيت السابق والبيت اللاحق، لترتاح «المهاهية» وتلتقط أنفاسها وليستوعب السامع ما قيل وليصل الصوت إلى أبعد مدى، إذ تضع «المهاهية» كفها اليمنى أو اليسرى مقوسة قليلاً حول فمها وتقول اللفظة التنبيهية «أيها» أو ما يماثله أوها تتبعها ببيت من «المهاهاة». وما تكاد «المهاهية» تنهي البيت الأخير حتى تسارع مجموعة من النساء حولها إلى وضع أكفهن مقوسة حول أفواههن رافعات أصواتهن بالملالاة «ل ل ل لي». وكثيراً ما تتناوب على «المهاهاة» امرأتان أو ثلاث أحياناً.

يورد الباحث في كتابه الصادر لدى «مديرية التراث الشعبي» في الهيئة السورية للكتاب ويحمل الرقم 52 ضمن مشروع جمع التراث الشعبي وحفظه نماذج من «المهاهاة» التي وردت في بعض المؤلفات وبينها «التراث الشعبي في جيرود» مثل:

إيها… طولك طول السرو

إيها… والخصر مايل ميل

إيها… والخصر من رقتو

إيها… هد القوى والحيل».

ومن كتاب «نفحات من تراثنا الساحلي» استعار هذا النص:

«أويها… وحبيبي برم خاتمك بيدك

أويها… والكرم كرمك واللولو عناقيدك

أويها وسألت رب السما

يا»فلان» يعطيك ويزيدك».

في كتاب «الأصول والفنون» هذا المثل الذي يقال للعروس:

أويها… أهلا وسهلا يلي جاية لعنا

«أويها… أنت أصيلة وبيدك زهرة الحنا

أويها… وسألت رب السما العريس يتهنا

أويها… تعيشي بسعادة وتمضي العمر عنا»

تقصى الباحث البكر في دراسته تسميات «المهاهاة» المختلفة المتداولة في أنحاء بلاد الشام استنادا إلى وفرة النصوص المستمدة من المراجع والبحث الميداني، وتطرق إلى عدة مواضيع تتعلق بالمهاهاة مثل الفرق بينها وبين الأغنية وموضوع «الملالاة» و»الزغروت» و»الزغرودة» و»الزلغوطة» و»الأهزوجة» و»الهنهونة» وصلة «المهاهاة» بـ»الأرجوزة». كما تطرق إلى بنية «المهاهاة» وبعض «الأراجيز» المؤسسة لـ»المهاهاة» وأوزانها وفنية نصوصها.

تبحث الدراسة في الجذور التاريخية لـ»المهاهاة» التي ترجع إلى الرجز القديم وبالأخص ما قالته النساء من أرجاز حماسية يوم ذي قار وهتفت به نساء قريش يوم «أحد». ولا تختلف أرجاز النساء في أيامنا عن تلك «الأرجاز» إلا في اللهجة. كما تبحث الدراسة في مواضيع «المهاهاة» التي تتراوح بين الأفراح والأتراح كوصف مفاتن العروس وحسنها العام وجمال وجهها وعيونها، كذلك مديح العريس والمقارنة بين العروس السمراء والعروس البيضاء، إضافة إلى الأدعية المتعلقة بالحماية من العين والحسد والقدح في الأعداء والحاسدين وشكر الله والندب.

يختتم البكر كتابه 143 صفحة قطعاً وسطاً قائلاً إن «المهاهاة» تبقى «أرجوزة» المرأة الأولى في بلاد الشام لسرعة إيقاعها وسهولة قولها وشدة تأثيرها، وتبقى الفن الأدبي الأعرق أصالة وقدرة على التجديد، ما يفسر تشابه كثير من نصوص «المهاهاة» في مختلف أنحاء دول المنطقة، فثمة نصوص كثيرة متماثلة حرفياً تقريباً تتردد في المحافظات السورية من الساحل إلى الداخل مثلما تتردد في أنحاء فلسطين ولبنان والأردن.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى