الأطلسي: العين على أوكرانيا والقلب على «داعش»
كتب المحرر السياسي
انعقد الاجتماع المنتظر منذ أيام لقادة الحلف الأطلسي يتقدمهم الرئيس الأميركي باراك أوباما، لكنه لم ينجح بالخروج باستراتيجية ترتبط بصفته كحلف عسكري، فالذي تمخض عنه من قرارات لا يتعدى الإجراءات التقليدية التي تتخذها أمانة الحلف، مثل التحضير لقوة تدخل وعدم استخدامها، والتناوب على تغطية مجالات الدعم اللازمة عند الحاجة في جبهات القتال ضد داعش، فلا حسم للخيارات في كيفية مواجهة داعش في العراق من دون التعامل العسكري مع وجود داعش في سورية، طالما هذا التعامل مستحيل بغطاء من مجلس الأمن تشترط روسيا لتمريره موافقة الحكومة السورية، وتشترط الحكومة السورية لأيّ تعاون أن يتمّ التنسيق معها علناً وبصورة لا تحتمل اللبس والتأويل، كذلك بالنسبة إلى التعامل مع ما سمّاه قادة الحلف تمدّد النفوذ الإيراني في الخليج وخصوصاً اليمن، بعدما فشلت المقايضة التي عرضتها واشنطن على طهران بصناعة تسوية مشتركة في اليمن، لقاء تخفيض مستويات التعامل مع روسيا وسورية ضمن مفهوم حلف مناوئ لسياسات واشنطن.
حال حلف الأطلسي المرتبك عكسه قراره بصدد أوكرانيا، المليء بالكلمات الرنانة والمرجأ تنفيذه بانتظار التفاوض على حلّ سياسي الجاري في مينسك والمستمر والمتواصل، والذي أعلنت بنتيجته أول محاولة لوقف النار قبيل منتصف ليل أمس، وسط تشكيك بفرص نجاحها وتكرار مشهد حرب غزة فيها، ليقف الرئيس الأميركي ويقول إنّ وقف النار هو نتيجة العقوبات على روسيا، بينما كان حلفاؤه في الحلف يعتبرون أن روسيا بعدما نجحت بتحويل القرم إلى إنجازها الأول من حرب أوكرانيا، تكرس انفصاليّي شرق أوكرانيا فريقاً موازياً للحكومة في كييف مع وقف النار الجديد.
لا حلّ لمواجهة مقاتلي شرق أوكرانيا، ولا حلّ لداعش في سورية من دون الدولة السورية، ولا حلّ لداعش للعراق من دون سورية، ولا حلّ في العراق والخليج واليمن خصوصاً، من دون دور إيران، والحلف الأطلسي يواجه حلف وارسو جديداً، هذه النتيجة التي أوردها أمين عام الحلف أمام القادة، لم تلق الجواب، لأنّ المعادلات الحاكمة لا تسمح بجواب من النوع الذي اعتاد عليه حلف الأطلسي في زمن التفرد.
داعش الهمّ الأطلسي وسط اهتماماته السورية والروسية والإيرانية، هو أيضاً همّ لبناني وسط الاهتمامات الرئاسية والنيابية المعلقة، وكابوس الرعب الذي يحكم التفاوض مع داعش والنصرة تحت شعار الخوف من ذبح العسكريين، شهد مفاجأة قضائية يوم أمس، حيث علمت «البناء» أن عدداً من القضاة سألوا وزير العدل أشرف ريفي، لماذا لا تتمّ إحالة أحكام الإعدام الصادرة بحق المنضوين في الجماعات الإرهابية، والمقدّرة بستين حكماً إلى التنفيذ، مع أول عملية ذبح لعسكري من المخطوفين، وتكون ردعاً كافياً بوجود مئات الأحكام المشابهة المتوقعة إذا سارت المحاكمات وفقاً للأصول؟
السؤال القضائي المعلّق مثله، آمال الحكومة معلقة بانتظار الغيث القطري، الذي ترجمته وفود مفاوضة تديرها الدوحة بين عرسال وبيروت، بينما «أبو طاقية» هو المحور وقد صار كـ»خبير إستراتيجي» كما قال لوفود أهالي العسكريين المخطوفين، يحلل التوازنات ويقدم النصائح للحكومة اللبنانية، ويواكبه بـ»العزف المنفرد» النائب معين المرعبي بنظريات عسكرية «مرعبة» عن جرود عرسال.
وفيما يبدو أن المفاوضات في شأن العسكريين المخطوفين ستطول، اكتفت خلية الأزمة الوزارية المكلفة متابعة هذا الملف بعد اجتماعها أمس في السراي الحكومية برئاسة رئيس الحكومة تمام سلام والأعضاء الذين غاب منهم وزير المال علي حسن خليل، بالإشارة إلى أن «لا مقايضة في قضية العسكريين المخطوفين بل محاولة بحث على صعيد دول في حل هذه القضية»، موضحة أن «قطر تساعد في هذا الملف».
ورأت مصادر سياسية أن بيان اللجنة الذي تلاه وزير الدفاع سمير مقبل عكس أجواء بأن الأمور لا تزال تراوح مكانها وأن المفاوضات قد تأخذ وقتاً طويلاً على غرار قضية مخطوفي أعزاز التي استمرت نحو 17 شهراً.
وعلى رغم انكفاء أهالي العسكريين المخطوفين عن الطرق أمس، رفضوا لقاء الرئيس سلام بينما التقى وفد منهم مصطفى الحجيري «أبو طاقية» الذي اعتبر «أن هناك أطرافاً سياسية لا تريد الحل»، مطالباً الحكومة «باتخاذ القرار الجريء لإنقاذ العسكريين المخطوفين».
إلا أن وزير العدل اللواء أشرف ريفي أكد لـ»البناء» أننا «نعمل بكل ما في وسعنا لإطلاق سراح العسكريين»، مشيراً إلى «أن الموضوع حساس ولا مصلحة لأحد بالتداول فيه بالإعلام».
وكان ريفي أعلن قبل الاجتماع «أن الأمور سائرة في الاتجاه الإيجابي»، فيما أكد وزير الداخلية نهاد المشنوق «أن لا جديد في موضوع التفاوض».
وكشفت مصادر مطلعة لـ»البناء» أن التحرك باتجاه تركيا وقطر للسعي إلى الإفراج عن العسكريين بدأ منذ فترة، لكن هذه الاتصالات «لم تسفر عن نتائج جدية حتى الآن، لا بل إن الجهات المعنية في البلدين المذكورين لم تتصرف حتى الآن بجدية ملموسة، كما لوحظ أن المسؤولين الأتراك تعاملوا بشيء من الخفة تجاه هذا الموضوع». ومع ذلك، أضافت المصادر، إن الاتصالات لم تتوقف وهي مستمرة عبر أكثر من شكل وقناة.
من جهة أخرى سألت «البناء» مصدراً نيابياً في حزب الله عن الموقف من هذه القضية فقال: «لقد عبرنا عن موقفنا بشكل واضح وصريح في مجلس الوزراء، وهو أن الدولة يجب أن تتصرف إزاء قضية العسكريين المخطوفين على أنها دولة وليس بطريقة استسلامية، لأن مثل هذه الطريقة تقوّي موقف هذه المجموعات وتزيد من تهديداتها وابتزازها».
وأضاف المصدر أن لدى الدولة اللبنانية أوراق قوة عدة منها:
1 ـ فرض السيطرة الفعلية على عرسال وعزلها عن الجرد الذي ينتشر فيه المسلحون الإرهابيون، لا بل إن التقارير والمعلومات الأمنية تفيد بأن هؤلاء يتنقلون بسهولة من وإلى داخل البلدة، ويتزودون بالمؤن يومياً.
2 ـ إعلان الدولة عن تنفيذها للأحكام الصادرة عن القضاء بحق العديد من الإرهابيين الموقوفين بجرائم مشهودة بما في ذلك أحكام الإعدام، وهذه ورقة قوية في يدها في وجه أي محاولة لإلحاق الأذى بالعسكريين المخطوفين.
3 ـ استخدام القوة عبر الجيش اللبناني والضغط على مواقع وأماكن انتشار المسلحين الإرهابيين ومهاجمتهم، خصوصاً أن هؤلاء يتحركون الآن بحرية لافتة في بعض المناطق الجردية المنظورة بالعين المجردة.
4 ـ العمل مع بعض وسائل الإعلام اللبنانية بمسؤولية تجاه هذه القضية الحساسة والدقيقة، خصوصاً لجهة عدم كشف المعلومات عن وضع عائلات بعض المخطوفين العسكريين أو بث الإعلانات والبيانات بطريقة ترويجية للمجموعات الإرهابية الخاطفة.
وقال المصدر: «إن حزب الله لم ولن يتدخل في قضية العسكريين المخطوفين لأنها مسؤولية الدولة التي يجب عليها أن تمارس كل أنواع الضغط وتستخدم كل أوراق القوة التي لديها للإفراج عنهم».
وسأل: «لماذا تبقى عرسال محتلة ومخطوفة»؟ مشيراً إلى أن وزير الداخلية صرّح بنفسه أن البلدة محتلة.
وأيّد إقامة خط فاصل محكم بين البلدة والجرود من قبل الجيش لمنع المسلحين من التحرك باتجاهها أو التزوّد بالمؤن عبرها كما يجري الآن. وأكد أن الدولة اللبنانية ليست في موقف ضعيف، وهي تستطيع التصرف إذا ما أحسنت استخدام الأوراق التي لديها.
وفيما رفض الوزير أشرف ريفي التعليق لـ»البناء» على مطلب عزل عرسال عن الجرد، قال النائب معين المرعبي لـ»البناء» إن حزب الله يريد ضم الجرود إلى سورية وإن هناك مخططاً لاحتلال الجرود، وهذا يضع علامات استفهام كبيرة». وسأل: «لماذا يريد حزب الله نشر الجيش بين عرسال وأرضها ولا يسمح له بالانتشار على الحدود، بذريعة عدم وجود العتاد؟ ولماذا يرفض تطبيق القرار 1701 ونشر قوات دولية على الحدود مع سورية أسوة بالجنوب»؟
إلى ذلك، علمت «البناء» من مصادر مطلعة على الأوضاع في عرسال أن سوريين يقيمان في قطر، ويعملان لدى الاستخبارات القطرية وصلا إلى البلدة أمس، وأشارت المصادر إلى أن الرجلين من الأشخاص الذين تكلفهم قطر بمهمات في تركيا وسورية. ورأت أن وصولهما إلى لبنان شكل نوعاً من الاستجابة للمطالب اللبنانية من قطر للمساعدة في الإفراج عن العسكريين، لافتاً إلى أنهما حملا رسالة إلى «جبهة النصرة» التي لا تستخدم الأساليب التي يتبعها «داعش» مع المخطوفين العسكريين. وأكدت المصادر أن السوريين لم يلتقيا بوفد «النصرة» في الجرود كما كان مفترضاً إنما في البلدة.
وأمس بثت الجبهة، شريط فيديو تحت عنوان «من سيدفع الثمن؟»، يظهر فيه 9 من عسكريي الجيش اللبناني وقوى الأمن المخطوفين في عرسال وتضمن تحريضاً على الجيش. وتوجهت «النصرة» إلى طوائف لبنان قائلة سكوتكم، عما سمته، جرائم حزب الله قد يحسَب عليكم فتدفعون انتم الثمن»، محذرة «سنة لبنان من مغبة القتال في صفوف الجيش ضدها».
الى ذلك، تداولت مواقع التواصل الاجتماعي رسالة أشارت إلى أن معلومات وردت ا ات ا ت ا ت ا ا ة م رة ا و ا ب وت، إ ن إ رة إ ا وب ا ت ا ا ا ، ولفتت إلى أنّ ا م وا ت ا ا ا ت و رك ، حيث سيستقدم تنظيم «دا » عناصره الإرهابية ا ا ل و ت ا ب و وت لبدء ا التي حدّدت ساعتها عند التنظيم الإرهابي.
عسيري لا ينفي الضغوط لعدم تسليح الجيش
وفي وقت لا تزال قضية تسليح فرنسا الجيش اللبناني بموجب الهبة السعودية معلقة، رفض السفير السعودي في لبنان علي عواض عسيري بعد لقائه وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل التعليق على صحة ما يتم تداوله عن ضغوط «إسرائيلية» – أميركية من أجل وقف هبة 3 مليارات دولار السعودية للجيش. وكان عسيري طلب لقاء باسيل الذي يشارك غداً في مؤتمر وزراء الخارجية العرب في القاهرة، ليوجه إليه دعوة لحضور مؤتمر ضد الإرهاب و»داعش»، يعقد في الرياض الأسبوع المقبل. من جهتها، أشارت أوساط تيار «المستقبل» لـ»البناء» أن الصيغ التنفيذية لعقود تسليح الجيش وضعت أثناء زيارة الرئيس سعد الحريري الأخيرة إلى بيروت، وأن الاتصالات جارية بين بيروت وباريس والرياض لتسريع التنفيذ. أما بالنسبة إلى عودة الحريري إلى لبنان مجدداً، فأوضحت الأوساط أنها مرهونة بالمعطيات السياسية وقد يكرر الزيارة في أي لحظة.
ماذا جرى في كسروان؟
وفي أمن كسروان أوضحت قيادة الجيش حقيقة ما جرى في المنطقة منذ يومين والإجراءات التي ينفذها لحفظ الأمن فيها. وأكدت قيادة الجيش في بيان أن المعلومات التي تناقلتها بعض وسائل الإعلام حول وجود عناصر مسلحة تنتمي إلى تنظيمات إرهابية ببعض المناطق اللبنانية ومنها منطقة بسكنتا عارية من الصحة»، لافتة إلى أنّ «إجراءات الجيش التي لمسها المواطنون في تلك المناطق تدخل في إطار الأمن الوقائي الذي تقوم به وحدات الجيش على الأراضي اللبنانية كافة، خصوصاً في ظل الظروف التي تمرّ بها البلاد».
بدوره، نفى النائب ميشال المر وجود عناصر مسلحة تابعة لـ»داعش» في جرود بسكنتا وصنين»، معتبراً ما نشر عن هذا الموضوع «مجرد إشاعات لا أكثر، بهدف زرع البلبلة والقلق في نفوس أبناء المنطقة». فيما أوضح أمين سر تكتل «التغيير والإصلاح» النائب إبراهيم كنعان «أن ما يقوم به الجيش اللبناني في صنين وجرود المتن الشمالي، لا يعدو كونه بحسب المعلومات الأمنية المتوافرة عملية مسح ميداني وقائية يقوم بها الجيش ويشكر عليها للتأكد من مراكز النازحين وعدم وجود مطلوبين بينهم».
قضائياً، يواصل قاضي التحقيق العسكري عماد زين تحقيقاته في ملف الإرهابي الموقوف عماد جمعة، وهو استجوب أمس سبعة موقوفين لبناني و6 سوريين ، على خلفية أحداث عرسال، وأصدر مذكرات وجاهية بتوقيفهم، وبذلك يصبح عدد الموقوفين الصادرة في حقهم مذكرات وجاهية حتى الآن 28 شخصاً.
تفجير جهاز تنصت «إسرائيلي» في عدلون
وبعيداً عن الجبهة الداخلية، عادت إلى الواجهة الحرب الأمنية والاستخبارية بين المقاومة والعدو «الإسرائيلي» إلى الواجهة، بعد اكتشاف جهاز «إسرائيلي» للتنصت في أحد بساتين بلدة عدلون- قضاء صيدا وتفجيره بواسطة طائرة تجسس معادية. وأوضحت قيادة الجيش أن دورية تابعة لمديرية الاستخبارات عثرت على جسم غريب في محيط البلدة، وأثناء التحضير للكشف عليه، أقدم العدو «الإسرائيلي» على تفجيره عن بعد، ما أدى إلى استشهاد أحد المدنيين الذي تواجد بالقرب من المكان. وفرض الجيش طوقاً أمنياً حول مكان الانفجار، وبوشر التحقيق بإشراف القضاء المختص.
الاستحقاق الرئاسي
سياسياً، لم يطرأ جديد على ملف الاستحقاق الرئاسي، في حين أعلنت مصادر في كتلة المستقبل لـ»البناء» أن «اللجنة المقرر تسمية أعضائها للتواصل مع القيادات السياسية في الفريق الآخر، تجمد تشكيلها بسبب ردود الفعل السلبية من قبل كل أطراف فريق 8 آذار، إلا أنها ستشكل في اليومين المقبلين وستلتقي جميع القيادات السياسية، وليس بالضرورة انتظار رئيس المجلس النيابي نبيه بري المتواجد خارج لبنان، إذا تأخرت عودته». وأشارت المصادر إلى أن اللجنة ستضم خمسة نواب من «14 آذار».
وقالت مصادر في تيار المستقبل لـ»البناء» إن اللجنة ستضع رؤية تنطلق من أمرين أساسيين:
الأول، كيفية معالجة مسألة سلسلة الرتب والرواتب. والثاني، يتعلق بالانتخابات الرئاسية انطلاقاً من مبادرة فريق 14 آذار.
وأشارت المصادر إلى أن اللجنة ستلتقي الأسبوع المقبل مكونات «فريق 8 آذار» كلاً على حدة، وأن عضو كتلة «القوات اللبنانية» سمير جعجع سيتواصل مع حزب الله لطلب موعد مع نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم أو رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، للقاء اللجنة.
على صعيد آخر، توقفت مصادر سياسية مطلعة عند إعلان وزير الخارجية الأميركي جون كيري أن الولايات المتحدة بدأت تشكيل ائتلاف دولي يشمل عدداً من الدول العربية لمحاربة تنظيم «داعش». وأشارت إلى أن «المؤشرات الايجابية لهذه التطورات ستنعكس سريعاً على لبنان»، معتبرة «أن من شأن ذلك أن يترجم بدخول 8 و14 آذار في مكافحة الإرهاب». ورأت المصادر أن «ملف رئاسة الجمهورية بعد أحداث عرسال لم يعد كما قبلها»، مؤكدة أن «عرسال شكلت مفترق طرق للرئاسة».