المشروع الإخواني… «فوق الموتة عصة القبر»!؟

د. تركي صقر

تلقى المشروع الإخواني ضربة مميتة إثر سقوط حكم مرسي في مصر وتتالت الضربات الموجعة من السعودية والإمارات والبحرين ولم ينفع استمرار احتضان قطر وتركيا للتنظيم في تحسين الوضع، ويبدو أن الضغوط السعودية ـ المصرية في تضييق الخناق على نشاط الحركة أثمرت، فكان طرد قطر لسبعة من كبار قادة التنظيم خطوة لافتة ربما تتلوها خطوات أخرى تؤشر إلى انصياع حكام قطر إلى التخلي عن المشروع الإخواني وانضوائهم تحت عباءة المشروع الوهابي السعودي، الذي بدأ يتحرك على وقع تصفية المشاريع المتطرفة الأخرى كلها من حلفاء الأمس، بما فيهم الإخوان المسلمون وجبهة النصرة وما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش»، وصهرهم وتوحيدهم لمصلحة مشروع واحد بتمويل وقيادة سعودية وضمن خطة أميركية جديدة، تقيم تحالفاً دولياً يشكل مظلة لاسترجاع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى الحضن الأميركي.

هل يمكن القول إن قطر تخلت عن مشروعها الإخواني؟ وهل طرد سبعة من كبار قياديي التنظيم المحكومين من قبل القضاء المصري بعقوبات يصل بعضها إلى الإعدام كان ليتم لولا أن عقدت قطر صفقة تعوضها عن مشروع تاريخي كلفها الغالي والنفيس؟ قد يكون من المبكر الحديث عن تخلي قطر عن تنظيم الإخوان كلياً وقبل أن تطمئن لمصالحتها مع السعودية ومصر ودورها في التحالف الدولي الجديد الذي تقوده أميركا لمحاربة الإرهاب.

لكن السؤال الأكبر، هل ألقت واشنطن بهذا التنظيم العميل جانباً بعد سقوط تجربته في حكم مصر بسرعة وبأقل من عام واحد؟ أم هي عملية تبديل أدوات انتهت صلاحيتها بأدوات جديدة أكثر قدرة على التنفيذ؟ من المرجح أن تكون الإدارة الأميركية قد وضعت الإخوان في الظل حالياً من دون أن تتوقف عن استخدامهم في مراحل لاحقة وتحريكهم في الساحة المصرية في حال الحاجة إلى الضغط على حكومة السيسي وإدخالها في بيت الطاعة الأميركي ـ السعودي كلما حاولت الابتعاد منه.

نقول هذا الكلام، لأن العلاقة الحميمة بين جماعة الإخوان المسلمين والأجهزة الأميركية قديمة، بدأت في أربعينات القرن الماضي. وكشفت الأحداث الدامية التي جرت بعد 30 حزيران عمق العلاقة بين واشنطن والتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، ويفسّر كثيرون الرهان الإخواني على الولايات المتحدة بجنونهم السلطوي وشبقهم إلى ممارسة الحكم بعد أن توافقوا مع واشنطن على احترام المصالح الأميركية «الإسرائيلية» مقابل وصولهم إلى السلطة. وقد اعتبر كثيرون أنّ واشنطن تتحمّل مسؤولية الدماء التي سالت في الأحداث التي تلت سقوط مرسي، لأنها هي التي زوّدت الإسلاميين بالسلاح. وكشف أكثر من موقع دولي وعربي التعاون الاستراتيجي بين واشنطن والإخوان في عهد أوباما وصولاً إلى تحويل «إسرائيل» إلى مرتكز إقليمي، انطلاقاً من «الربيع العربي» الهادف إلى إقامة مجموعة من الإمارات الإسلامية في مصر والمنطقة بقيادة التنظيم العالمي للإخوان المسلمين.

على أية حال لم تعد هناك أبواب مفتوحة كثيرة يتنقل وينتقل إليها قادة التنظيم الذي صنفته مصر بالإرهابي وطلبت من جامعة الدول العربية والأمم المتحدة أن تعتبره كذلك، وكانت السعودية ودولة الإمارات العربية قد سبقتاها إلى هذا وكذلك لندن عاصمة المنشأ التاريخي للجماعة، عندما أمر ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني بإجراء تحقيق عاجل حول جماعة الإخوان المسلمين ونشاطها في بريطانيا على خلفية المخاوف من قيامها بأنشطة متطرفة، وطلب من أجهزة الاستخبارات البريطانية أن تشارك في التحقق في ما تردد عن ضلوع الجماعة في الهجوم على حافلة سياحية في مصر في شباط من العام الماضي، ما أدى إلى مقتل 3 بريطانيين.

وقال كاميرون: «إن الحكومة ستجري مراجعة للنظر في فلسفة وأنشطة هذه الجماعة، وكيف ينبغي أن تكون سياسة الحكومة البريطانية تجاهها، بعد توفر تقارير تفيد أن الأخوان قد يستخدمون لندن كمركز لقيادة التنظيم الدولي، ومكاناً لالتقاء قادتهم».

وعلى رغم دعوتها إلى قيام تحالف دولي لضرب الإرهاب، ما زالت الولايات المتحدة الأميركية ومعظم الدول الأوربية تمارس النفاق في التعامل مع المنظمات الإرهابية ومنها الإخوان المسلمين، فهي من جهة تضع بعضها على لائحة الإرهاب، وفي الوقت نفسه تدعمها بالمال والسلاح وتكلف مملكة آل سعود والأردن وربما مصر بتدريب التنظيمات الإرهابية تحت مسمى زائف هو المعارضة المعتدلة، لتواصل حربها الإجرامية ضد الدولة السورية ولتستمر في التدمير والتخريب وسفك الدم السوري.

إن سقوط مشروع الإخوان وإغلاق الأبواب بوجهه عالمياً ووضعه على لائحة الإرهاب ومطاردة قادته من قبل الإنتربول، يذكرنا بالمثل الشعبي القائل «فوق الموتة عصة القبر»، إذ لا يستبعد أيضاً أن تتخلى واشنطن في النهاية عن جماعة الإخوان المسلمين بعد أن استهلكتها وانتهت صلاحيته،ا جرياً على عادة الإدارات الأميركية في ترك عملائها لمصيرهم عندما تنتهي أدوارهم، فلا يهم واشنطن بالنتيجة لون الوحش مادام يصطاد لها الفرائس ويجلب لها المكاسب ويحقق مصالحها هنا وهناك…

tu.saqr gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى