«تاريخ جبلة وآثارها» كتاباً توثيقياً لعروس الساحل السوري ماضياً وحاضراً

دمشق ـ شذى حمود

يشير الكاتب ابراهيم خير بك في كتابه «تاريخ مدينة جبلة وآثارها» إلى أن مدينة جبلة كسواها من المدن السورية تزخر بالعديد من المواقع الغنية المتنوّعة، من الجوامع والحمامات التي تتحدث عن حياة الناس اليومية ومناسباتهم وعاداتهم وتجارتهم وثقافاتهم، إلى دور الأشخاص الذين كان لهم أثر في نشر الفكر والثقافة على مر العصور في هذه المدينة .

يوضح الكتاب الصادر لدى الهيئة العامة السورية للكتاب أن مدينة جبلة كانت تعرف باسم «كابالا» ويرجح أنها مدينة فينيقية، إذ ورد ذكرها في آثار أوغاريت ورأس شمرا، كما خضعت لفتح الأشوريين زمناً طويلاً مثل باقي البلدان السورية، ثم أصبحت تابعة لمملكة أرواد الفينيقية وشاركتها في الحروب والتجارة.

حول اسمها وأصل تسميتها يقول الكاتب إن مدينة جبلة حافظت على اسمها المشرقي الأصيل، مع بعض التحريف البسيط، منذ ثلاثة آلاف عام ونيف، إذ ذكرتها النصوص الأوغاريتية باسم جبعلا ولربما عنى اسمها الجب العالي أو البئر العميقة، نظراً إلى ما عرف عنها من انخفاض سوية الوسادة المائية تحتها وعمق آبارها. وفي العصور الهلينستية والرومانية والبيزنطية بات اسمها يلفظ على شكل غابالا، لانعدام حرف العين في اللغتين اليونانية واللاتينية.

تبلغ مساحتها بحسب الكاتب 600 كيلو متر مربع وتقع على مسافة 30 كيلو متر إلى الجنوب من مدينة اللاذقية، على شاطىء البحر المتوسط، تحدها شمالا مدينة اللاذقية وغرباً البحر المتوسط وشرقاً الجبال الساحلية وجنوباً محافظة طرطوس، إذ تنتمي إلى إقليم الساحل السوري الذي يميزه المناخ المعتدل، فشتاؤه لطيف البرودة وصيفه معتدل الحرارة نسبياً.

يشير الكاتب إلى أن مدينة جبلة تميّزت على مر العصور بآبارها الغنية وينابيعها الغنية بالماء الصافي في أشهر الربيع، كما تعتبر بحيرة السن مصدر ماء شرب المدينة، وتغذي ريفها القريب ينابيع كثيرة، بينها نبع الفوار ونبع الدبس، وعدد من الأنهار مثل نهر الرميلة ونهر أم برغل وغيرها. كما تتميّز بإحتوائها تربة متنوعة، من الصخرية القاسية الجيدة للتأسيس، إلى الكلسية الفقيرة، مروراً بالتربة الزراعية الجيدة الملائمة لزراعة الحمضيات والزيتون والقطن والدخان والأشجار المثمرة.

من الحرف التقليدية القديمة التي تشتهر بها مدينة جبلة صناعة السكاكين والصابون وبناء مراكب الصيد، إضافة إلى صناعة الحلويات، وأشهرها الكنافة الجبلاوية المشهورة، كما تعتبر مدينة جبلة سوقاً تجارية مهمة تتنوع بضائعها، سواء المصنّعة محلياً أو المستوردة، فهناك سوق الذهب والخضار والسمك، إضافة الى وجود تجمع للخياطين واللحامين وتجار الأقمشة وغير ذلك من المهن التجارية.

أما بالنسبة إلى الحياة الثقافية والفنية فإنّ للمدينة نشاطاً ثقافياً متميزاً إذ يقام فيها العديد من المهرجانات الفنية والمناسبات والمعارض الدورية سنوياً، مثل مهرجان طريق الحرير ومهرجان جبلة الثقافي ومهرجان المحبة، إلى معارض متنوعة للكتاب العربي والفن التشكيلي، فضلاً عن ندوات ومحاضرات في المراكز الثقافية المنتشرة في جبلة وريفها وعلى مدرجات المسرح الروماني.

حول آثار جبلة الغنية التي اشتهرت بها يلفت الكاتب إلى المسرح الروماني وإلى متحف وطني يغني تراث المدينة ويجسد الإرث الثقافي والمخزون التاريخي لها، كما أن المحور البصري بين المسرح الروماني والمتحف المقترح السرايا يتيح تواصلاً تاريخياً ونقاط جذب واستدلال للسياح.

يوضح الكاتب أن الاهتمام المتزايد بمركز المدينة الأثري وخلق فراغ وسطها وتحويله إلى ساحة رئيسية تتضمن الحدائق وممرات المشاة مع تحويل حركة السيارات الى حركة محيطية إنما يهدف إلى إظهار المباني الأثرية المطلة على الساحة المركزية بالشكل اللائق والحضاري، وهي تشكل فراغاً عمرانياً وبصرياً انتقالياً بين المدينة القديمة والحديثة. ويبرز مسرح جبلة الأثري في حالة سليمة الى حد مقبول ويقع وسط مدينة جبلة وفي الجهة الشرقية من المدينة القديمة قرب السور الروماني ويرجح بعض المؤرخين أن تاريخ بنائه يرجع الى عهد الإمبراطور البيزنطي جوستنيان. ويتسع المسرح لثمانية آلاف متفرج، ما يدل على أن مدينة جبلة في العصر الروماني كانت من المدن الأبرز، وتدل طريقة بنائه على مهارة معمارية تشير الى عبقرية مهندسى ذلك العصر.

يتضمن الكتاب دراسة في معظم اثار مدينة جبلة وأهمّها القلاع التى تعود الى الفترة الزنكية والأيوبية والمملوكية والعثمانية والفرنسية، مع إسهاب فى دراسة قلعة بنى قحطان وبعض التلال الأثرية ذات القيمة التاريخية والحضارية، وعرضاً لبعض الصناعات الفخارية عبر العصور والحمامات والمدافن التي اشتهرت بها المدينة. وثمة في الكتاب ذكر للشخصيات اللامعة والأبطال في مدينة جبلة، مثل الشيخ الثائر عز الدين القسام، وفي الأدب أدونيس ونديم محمد، وفي الفن شيخ النحاتين سعيد مخلوف، وفي السباحة الطويلة محمد زيتون، إلى أبطال العالم ماهر صالح ومروان صالح وأحمد الحسين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى