القرار الإقليمي والدولي بخصوص لبنان: «مش وقتو»

يوسف المصري

بعد خروجه من منصبه كأمين عام للأمم المتحدة، سئل بطرس غالي: «لماذا لم تفعل شيئاً لحل القضية الفلسطينية خلال ولايتك»؟ أجاب غالي: في السياسة الدولية هناك شيء اسمه «مش وقتو». وهذا كان حال دول القرار الدولي مع مطلب السعي لحل القضية الفلسطينية طوال ولايتي: «مش وقتو».

نفس عبارة «مش وقتو» يسمعها الآن النائب وليد جنبلاط ومعظم الشخصيات التي تقصد منابع القرار الدولي والإقليمي لسؤالها عن تقديم مساعدة عملية لإجراء الانتخابات الرئاسية في لبنان.

عبارة وحيدة أخرى يسمعها أيضاً هؤلاء، وهي نصيحتهم بأن على اللبنانيين الإسراع بإجراء الاستحقاق الرئاسي لأن الوضع خطر. ولكن بخصوص أن يقوموا بمبادرات عملية، فإنهم يستنكفون والسبب أن هذا الاستحقاق ليس على أجندة اهتمام هذه اللحظة لا إقليمياً ولا دولياً.

يقول دبلوماسي لبناني خدم فترة طويلة في واشنطن، إن الدوليين، وبخاصة واشنطن، لا يمكنهم إلا القول بأنهم مع إجراء الانتخابات، ولكن ذلك لا يعني أنهم سيفعلون أي شيء لإجرائها. فالدول الكبرى إذا قالت لسنا معنيين بذلك، فسيتم فهم كلامهم على أنهم غير مهتمين بمستقبل لبنان، وهذا سيجعل جهات متطرفة رسمية أو غير رسمية تستسهل افتراسه. الدول الصغيرة لا تتحمل كلاماً دولياً صريحاً عن موقفها من أزماتها، فلذلك يتم ترديد الكلاشيهات المعروفة: مع أمن لبنان ومع سيادته على أرضه ومع وحدته ومع الجيش، الخ… ولكن طالما أن ملفاته مصنفة على أنها في خانة «مش وقتو»، فإن هذه التصريحات لا تساوي شيئاً على مستوى الأفعال.

مواقف الإقليميين

وبحسب معلومات مستقاة من مصادر دبلوماسية لبنانية في الخارج فانه يمكن رسم الصورة التالية للموقف الإقليمي والدولي من الوضع في لبنان:

أولاً – مصر راغبة في تحصين الوضع الأمني اللبناني والسوري ضد خطر داعش والتطرف الإسلامي، ولكنها في هذه اللحظة بالذات لا تريد القيام بأية وساطة من أجل إنتاج رئيس للجمهورية اللبنانية العتيد. وسبب ذلك أنها ليست في لحظة سياسية مواتية لفتح هذا الموضوع مع واشنطن التي تستمر بمطالبة القاهرة بدفع ثمن سياسي للإخوان المسلمين، لأن ذلك من وجهة نظرها يخدم الاستقرار ليس فقط في مصر بل في كل المنطقة. ترى واشنطن أنه إذا تم احتواء الإخوان في مصر فإن هذا ستكون له نتائج إيجابية على مزاج الإسلاميين في كل المنطقة، وستدفع شرائح كبيرة منهم إلى اتخاذ خيار الاعتدال والتخلي عن التطرف. أما القاهرة فترى أنه لا يمكن الثقة بالإسلام السياسي وبخاصة بالإخوان، وأن أفضل طريقة للتعامل معهم في هذه اللحظة هي إضعافهم كمقدمة لتدجينهم. أضف إلى ذلك أن أحد أساسات العلاقة بين حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي في مصر مع الرياض هو توافقهما على أضعاف الإخوان في كل المنطقة.

وبحسب معلومات خليجية فإن الجهود السعودية – المصرية المشتركة لإرغام الدوحة على بدء سياسة التخلي عن الإخوان أخذت تؤتي ثمارها، ولو من ناحية مبدئية، وذلك بانتظار الحكم على مجمل هذا السلوك القطري خلال المرحلة المقبلة.

باختصار مصر لديها أولوية في الملفين الإقليمي والأميركي تتجه أمنياً لضرب الإخوان والتطرف الإسلامي، واقتصادياً لرفع مستوى الدعم الإقليمي والدولي للاقتصاد المصري. وعليه فهي غير معنية في هذه المرحلة ببذل أي جهد خارجهما.

ثانياً – بالنسبة للسعودية فهي تتفرغ في هذه المرحلة لترتيب أجندة دولية عربية لتشكيل «قبة حديدية» إن جاز التعبير أطلسية ضاربة فوق منطقة الخليج يحميها من تسونامي الأصولية الداعشية. فالرياض واثقة في قرارة نفسها من أن داعش ليست بحاجة لاجتياز الحدود من العراق للوصول إلى السعودية، ذلك لأن مناخها موجود داخل بيئتها الاجتماعية. ويكفي أن تحقق داعش انتصارات ملموسة يوحي بأنها أصبحت حالة مستديمة وليست حالة مرحلية ، وذلك في أي من دول الجوار، حتى يؤدي ذلك إلى استيقاظ الداعشية داخل المملكة. كما تخشى السعودية من واقع أن أكثر بلدين يمكن للقاعدة بنموذجها الداعشي أو غيره أن تتحالف مع الإخوان فيهما، تحت شعار ضرورة خصوصية الصراع الذي يسودهما، هما مصر والسعودية. وهذا ما حدث فعلاً في شمال سيناء وما حدث خلال آخر هجوم انطلق من اليمن على معبر حدودي مع السعودية قبل نحو شهرين.

وبالإجمال فإن الرياض غير معنية في هذه المرحلة بإعطاء أولوية في حواراتها مع واشنطن إلا لموضوع كيفية حماية الخليج بوجه داعش، علماً أن كلفة المئة مليار دولار ليست هي كل شروط واشنطن عليها، بل تريد أيضاً من واشنطن أن تسير باتجاه ألا يشتمل تحالفها ضد داعش على الحكومة السورية، ليس فقط لأن الرياض لا تريد بقاء الرئيس بشار الأسد، بل لأنها أيضاً وبالأساس تخاف من رد فعل شارعها المتشدد إسلامياً، إن هي بدت أنها تساند الحلف الأميركي لضرب داعش، وذلك على نحو يدعم بقاء النظام السوري. تريد الرياض أن تغطي مشاركتها بضرب داعش بأنها لا تزال عناصر المجموعات الإسلامية السورية ضد النظام، وذلك لإنشاء توازن داخل مزاج شارعها المؤيد للأصوليات الإسلامية بشكل عام.

ثالثاً – إيران تمد يدها للحوار مع السعودية، ويبدو أن الأخيرة أخذت تتراجع عن رفضها لبدء هذا الحوار. وشواهد هذا التبدل كثيرة، وليست زيارة نائب وزير الخارجية الإيراني عبد اللهيان هي كلها، بل تؤكد معلومات أن هناك وراء الكواليس حراكاً إماراتياً بعيداً عن الأضواء لدفع العلاقة السعودية الإيرانية قدماً، على أن يلي ذلك تحريك أجواء حوار بين الرياض ودمشق.

ومكان استحقاق رئاسة الجمهورية داخل مجمل هذا الحراك الآنف مؤجل. لكن ثمة من يتكهن بأنه بعد ترسخ تفاهمات العراق ستكون هناك وقفة تأمل في طهران والرياض للمفاضلة بين أن تكون الخطوة التفاهمية التالية في لبنان أم في سورية. إيران قد تفضل أن تتجه الخطوة التالية نحو سورية. فيما الرياض قد تهرب من هذا الأمر نتيجة حساسية ظرفها الداخلي لتتحدث عن تفاهم في لبنان.

ومن المبكر الآن توقع موقع لبنان من مسار هذا السيناريو السعودي الإيراني الذي تؤكد المعلومات أنه بدأ، لأنه حتى هذه اللحظة لا يزال لبنان مصلوباً على خشبة تطبيقات نظرية غالي عن سلوك القرار الدولي: مش وقتو!!.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى