«داعشتان»… السّفاح البكر

نسيب بو ضرغم

مُلفِتٌ القول الذي صدر عن الأميركيين بأن الحرب على «داعش» ستستمر ثلاث سنوات، فهل أن «داعش» تملك من القوة ما يمكّنها من الصمود ثلاث سنوات في مواجهة التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن بالمال الخليجي؟ وهل أن «داعش» تساوي نصف قوة ألمانيا النازية التي انهارت بعد ست سنوات من بداية الحرب أمام الحلفاء؟

يبدو أن مهلة الثلاث سنوات هي المهلة التي وضعتها الإدارة العسكرية الأميركية لنفسها كي تستكمل عملية تكوين الإمارات والدويلات المذهبية والعرقية على قياس الخرائط المعدة سلفاً ومنذ ما قبل العام 1983، يوم تبنى مستشار الرئيس كارتر، وبالتوافق معه بريجنسكي، خيار تقسيم المقسم الذي وضع أسسه برنار لويس، والقاضي بتقسيم سايكس ـ بيكو إلى مجموعة من الدويلات الطائفية والمذهبية. وبالفعل، فقد وافق الكونغرس الأميركي على ذلك منذ عام 1983، وصار المشروع استراتيجية أميركية في سورية الطبيعية والجزيرة العربية وشمال أفريقيا. ونعتقد أن اجتياح لبنان عام 1982 كان بمثابة اختبار لإمكان تحقيق مشروع تقسيم المنطقة من البوابة اللبنانية.

في هذا المناخ ولدت «داعش»، أولاً بُعيد احتلال العراق كتنظيم محلي يواجه القاعدة، وبعد ذلك كأداة لتدير الدولة الوطنية في العراق والشام، وما الدور الذي قامت وما زالت تقوم به «داعش» على مستوى التفجير والتخريب في العراق، إضافة إلى دورها في الجغرافية الشامية، إلاّ تأكيد على أن هذه الأداة ما وجدت لتزول على يد من أوجدها.

ولادة «الدولة الإسلامية في الشام والعراق» كمشروع أولاً، ومن ثم كدولة أمر واقع ثانياً، إن هو إلاّ تطبيق عملي للمشروع الأميركي الذي أشرنا إليه.

دولة «داعش» أو «دولة السنة» كما يريد الأميركيون واليهود تخريجها في وجه موزاييك الدول التي يعمل لإيجادها على رقعة العالم العربي وخاصة سورية الطبيعية، هي المولود البكر لمشروع برنار لويس، ولأنها كذلك، فإنني أعتقد بأنها ستتمدد بفعل الدعم الأميركي المعلن، واليهوديّ المُغلَف، حتى حدود إيران وذلك لسببين:

الأول: جعلها قادرة أكثر على زعزعة الدولة الإيرانية بتأمينها المعبر المثالي لجميع القوى الدولية المناوئة للدولة الإيرانية.

والثاني: قطعها للتواصل بين جنوب العراق وشماله.

بناء على ذلك، يمكن الاعتقاد بقوة، أن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية «ضد داعش» ليس غير تحالف عسكري غايته فرض الخرائط المعدة، سواء على الرقعة الشامية أو اللبنانية أم العراقية، كما على باقي المكونات السياسية العربية.

الخطير في الأمر هو في الجواب عن سؤال: ماذا لو استطاع التحالف الصهيو ـ أميركي من أن يطبق خرائط برنار لويس؟ وبمعنى تفصيلي أكثر: ماذا لو نجح مشروع تقسيم الشام إلى ثلاث دول كما هو مُعَدّ دولة دمشق ودولة حلب ودولة الجولان الدرزية؟

ماذا لو تواصلت الجغرافية «الداعشية» من شمال سورية حتى حدود الأردن وصولاً إلى حدود إيران؟

ماذا لو قسمت مصر والجزائر العربية؟

الجواب هو الدخول في عصر العبودية الأبدية لـ»بني إسرائيل» عبر هذا الوحش الأميركي.

لم يمُر على الأمة السورية والعالم العربي مرحلة حملت أخطاراً وجودية عليهما مثل اليوم. أخطار هي ترجمة نهائية لكامل الفكر التلمودي والغربي المتصهين، أخطار إذا وقعت ستعيد مأساة التاريخ المتمثلة في إبادة الهنود الحمر، بمأساة أشد هولاً هي إبادة «الأغبياء السمر» على يد الطبقة السياسية التي كانت في معظمها خادمة للمشروع الصهيوني، إما عن معرفة أو عن غباء.

في السياق نورد ما كشف عنه موقع «التحقيقات الاستقصائية» المصري عن دراستين أعدّها معهد «واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» في عامي 1991 و 1993 ركزتا على إضعاف وتفتيت بعض الكتل الإقليمية في المنطقة التي تشكل ر كائز الاستقرار لأجل إمرار سيناريو الدويلات الصغيرة لإزالة العقبات التي تعترض المشروع التقسيمي.

إذا كانت الولايات المتحدة بملفها العضوي مع اليهودية العالمية أقرت منذ عام 1983 تقسيم العالم العربي، وفي الدراستين المشار إليهما أعلاه أقرت بتطبيق المبدأ التي أقره الكونغرس عام 1983، فكيف يمكن أن تضع مفاوضات أوسلو عام 1993 مع الفلسطينيين في غير خانة الخداع وتفتيت الجسم الفلسطيني وانشغاله بأوسلو وآلياتها بعيداً عن جوهر الحق القوي في فلسطين.

كيف يمكن أيضاً أن تفهم تشجيع الإدارة الأميركية عبر السفيرة غلاسبي للرئيس صدام حسين باجتياح العراق، إلاّ خدعة القصد منها تقسيم العراق الكتلة القوية المعيقة لمشروع التقسيم وفي السياق ذاته، كيف يمكن أن تفسر الشعارات التي ترفعها الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها ضد الدولة السورية بغير الخداع والكذب بقصد إخفاء حقيقة المؤامرة القاضية بتفتيت الكتلة الأصلية الثانية وهي الدولة السورية والمجتمع السوري.

إذا كانت «داعش» أول المواليد السفاحين، فسيتلو «داعش» مواليد آخرون يشبهونه في الشام وفي لبنان، خاصة في لبنان حيث هناك من هيأ نفسه للعب الدور ذاته.

نعم إذا ما نجح المشروع، فإن عصراً أسود سيبدأ، لا أحد يعرف متى ينجلي وربما يكون مشابهاً للعصر الذي أنهى اليهود الحمر. ولكن…

في المعادلات الذاتية والإقليمية والدولية، ثمة مخاض موجع وطويل ومكلف… سيفضي إلى انتصار مشروع المقاومة والوحدة، وذلك برسو العالم على قاعدة نظام دولي ذي تعددية قطبية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى